مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

تقدير مخاطر استخدام أسلحة اليورانيوم في العراق

الكاتب

المحرر

منظمة المجتمع العلمي العربي

الوقت

10:43 مساءً

تاريخ النشر

11, نوفمبر 2020

في دراسة مهمة ومميزة نُشرت في العدد الأول من المجلة العربية للبحث العلمي، بيّنت الدكتورة سعاد ناجي العزاوي، وهي أستاذ مشارك في الهندسة البيئة، تقدير حجم المخاطر وخاصة الصحية منها، التي تعرض له جنوب العراق وساكنيه من المدنيين والجيش العراقي من جرّاء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا لاحتلال العراق وتمزيق المنطقة العربية. الدراسة نُشرت في جزئيين، في الجزء الأول تم تحديد الجرعات الإشعاعية الفعّالة التي تعرض لها السكان والقوات المسلحة العراقية في مناطق محددة من جنوب العراق نتيجة استخدام القوات الغازية أسلحة اليورانيوم المنضّب خلال حرب الخليج الأولى عام 1991. وكما هو معلوم، أن اليورانيوم المنضّب عنصر مشع ومصنف عالمياً كمادة سمّية، فقد ضمت الدراسة في جزأها الثاني تقييم المخاطر الصحية التي نجمت عن هذا التعرض الإشعاعي. ويتضمن هذا التقييم تقدير العدد المتوقع لحالات السرطان (المميتة وغير المميتة)، وحالات التأثيرات الجينية المحتمل حدوثها بين سكان منطقة الدراسة التي شهدت عمليات حربية مكثفة نتيجة وقوع حرب الدبابات البرية فيها. وكلا الجزأين نُشرا في العدد الأول من المجلة العربية للبحث العلمي.

خلال حرب الخليج الأولى في عام 1991، وطوال العمليات العسكرية لاحتلال العراق في عام 2003، استخدمت القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية ذخائر اليورانيوم المنضّب في مناطق مأهولة بالسكان، خاصة في جنوب العراق، مما أدّى إلى تلوث المنطقة بالمواد المشعة.

 أُجريت دراسة تقييم المخاطر الصحية لمنطقة مكتظة بالسكان تبلغ مساحتها نحو 1200 كم2، وتشمل مدن صفوان والزبير وغرب البصرة، والتي تعرضت لجرعات إشعاعية عالية بسبب التلوث باليورانيوم المنضب.  

وقد كان أهم مصدر للجرعة الفعالة التي تعرض لها السكان والقوات العسكرية العراقية في مناطق الدراسة ناتجة من استنشاق هباء اليورانيوم وأكاسيده خلال الشهرين الأولين من عام 1991 حيث بلغت قيمتها (435 ملي سيفرت) بالنسبة للقوات المسلحة و (167 ملي سيفرت) بالنسبة للسكان في مدينة صفوان مثلاً، وهي الجرعات التي استقرت في أجسامهم وأضيفت لها جرعات إشعاعية أخرى لاحقاً من بقية المسارات.

وقد وجد الباحثون أن أعلى قيمة للجرعةالفعّالة السنوية للسكان لعام 1991 كانت في مدينة صفوان حيث بلغت 437.15 ملي سيفرت  كون الطريق الدولي السريع  الذي انسحبت من خلاله القطعات العسكرية يمر من خلالها والقصف على المنطقة أكثف من بقية المناطق. بينما بلغت الجرعة الفعّالة السنوية الكلية التي تعرض لها السكان في كل من مدينتي الزبير وغرب مدينة البصرة لعام 1991 حوالي  268.6 ملي سيفرت.

أما ثاني أعلى جرع إشعاعية فعّالة مصدرها الاستنشاق فقد كانت من مسار إعادة تعلق وانبعاث نويدات اليورانيوم المنضّب وأكاسيده من مواقع الدبابات والآليات العسكرية المدمرة مع الرياح والعواصف الترابية والرملية التي اجتاحت المنطقة. وأعلى جرعة سنوية فعالة تعرض لها السكان من هذا  المسار كانت في منطقة صفوان أيضاً بالإضافة لجرعة استنشاق أكاسيد اليورانيوم . وهذا يعني أنهم تعرضوا إلى 200 ضعف قيمة الجرعة السنوية التي يستلمها أي إنسان من الخلفية الإشعاعية الطبيعية  في معظم أنحاء العالم والبالغة 2.4  ملي سيفرت فقط.

كما أن قيم الجرعات االسنوية الفعّالة الداخلية الناتجة من مسارات استنشاق أكاسيد اليورانيوم ونويدات اليورانيوم من إعادة التعلق بالعواصف الترابية والرياح تبلغ أكثر من 90% من مجموع الجرعات من كافة المسارات. وهذا يعني أن الجرعات الناتجة من هضم الطعام الملوث وتعرض الجلد  لجرعة خارجية من غيمة من نويدات اليورانيوم  والرادون تمثل أقل من 10% من مجمل الجرعة الإشعاعية السنوية الفعّالة. وبلغت الجرعة التراكمية الكلية للفترة من 1991-1996  حوالي (880 ملي سيفرت) لمنطقة صفوان  و( 515 ملي سيفرت) لكل من منطقتي الزبير وغرب مدينة البصرة.

مما لا شك فيه أن هنالك تناقص في قيم الجرعات الإشعاعية الفعّالة السنوية التي تعرض لها السكان نتيجة تشتت وانتشار وانتقال الملوثات بعوامل التجوية والتعرية بالرياح والعواصف الترابية وكذلك بسبب إخلاء الآليات العراقية التي تم تدميرها بهذه الأسلحة من مناطق الدراسة خلال فترة أربع سنوات لمناطق عزل لا تبعد كثيراً عن مناطق الدراسة.

تواجد القوات الأمريكية في مناطق الدراسة أثناء حرب الدبابات وما بعدها لحين انسحابهم للأراضي الكويتية عرضهم أيضاً  لجرعات إشعاعية فعّالة بحدود  15-20% من الجرع الكلية الفعّالة التي تعرضت لها القوات المسلحة العراقية في فترة قصيرة ( بحدود 10 أيام) ضمن الأراضي العراقية.

إن عدم إعطاء معلومات من قبل القيادات العسكرية الأمريكية والبريطانية عن طبيعة وكميات وإحداثيات الأماكن التي استخدموا فيها هذه الأسلحة بعد توقف العمليات العسكرية مما ضاعف الأضرار الصحية الناجمة عنها بسبب استمرار التعرض اليومي للآليات المدمرة  وعدم تجنبها وقيام الأطفال  باللعب والتواجد حولها وكذلك قيام العديد من السكان بجمع القذائف الصغيرة (30 ملمتر) غير المتفجرة بأياديهم ونقلها لأماكن سكنهم أو تسليمها للقطعات العسكرية.

كانت هذه أبرز نتائج هذه الدراسة الهامة والتي نُشرت في العدد الأول من "المجلة العربية للبحث العلمي". وبينت الباحثة في الجزء الثاني من الدراسة والتي نشرت أيضاً في نفس العدد، الآثار الصحية المحتملة على الأشخاص الذين تعرضوا لهذا التلوث.

فقد تم تقييم المخاطر الصحية التي نجمت عن هذا التعرض الإشعاعي. ويتضمن هذا التقييم تقدير العدد المتوقع لحالات السرطان (المميتة وغير المميتة)، وحالات التأثيرات الجينية المحتمل حدوثها بين سكان منطقة الدراسة التي شهدت عمليات حربية مكثفة نتيجة وقوع حرب الدبابات البرية فيها، وخلصت إلى استنتاجات مهمة للغاية منها:

  1. بناء على قيم الجرعة الفعالة الكلية التي تعرض لها السكان عام 1991 في مناطق الدراسة والتي تم تقديرها في الجزء الأول من هذا البحث فإن إجمالي حالات الإصابة بالأمراض السرطانية المميتة وغير المميتة وسرطان الدم (اللوكيميا) المحتمل حصولها قد تكون بحدود 1930 حالة في مدينة صفوان التي تمثل 7.2% من مجموع السكان، وبحدود 9141 في مدينة الزبير والتي تمثل نسبة 4.5 % من مجموع نسبة السكان، وبحدود 4475 حالة إصابة لغرب مدينة البصرة والتي تمثل نسبة 4.5 % من مجموع السكان في هذه المنطقة أيضاً. علماً بأن الدراسات السريرية التي نُشرت من قِبل الأطباء الاختصاصيين في جامعة البصرة خلال التسعينيات من القرن الماضي أكدت وجود هذه الزيادات.
     
  2. إجمالي حالات الإصابة بالأضرار الصحية الأخرى والأمراض الوراثية التي تظهر كتشوهات خلقية في الأجيال القادمة بحدود 1831 حالة في مدينة صفوان، أي بنسبة 6.9% من مجموع السكان، وبحدود 8648 حالة إصابة في مدينة الزبير أي بنسبة 4.2 % من مجموع السكان، وبحدود 4234 حالة في غرب مدينة البصرة أي بنسبة 4.2 % من مجموع السكان.
     
  3. مجموع حالات الإصابة بكل أنواع الأمراض المتوقعة (السرطانية والأضرار الصحية العامة والتغييرات الجينية للأجيال القادمة) نتيجة التعرض للجرعات الإشعاعية الفعّالة الكلية لعام 1991 تبلغ 3766 حالة في مدينة صفوان، أي بنسبة 14% من مجموع السكان، وبحدود 17789 حالة في مدينة الزبير أي بنسبة 8.7% من مجموع السكان، وبحدود 8709 حالة في غرب مدينة البصرة أي بنسبة 8.7% من مجموع السكان. علماً أن الدراسات المنشورة حول زيادة أعداد التشوهات الخلقية للولادات في مناطق البصرة والزبير تتجاوز النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة.
     
  4. من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 14350 من أفراد القوات المسلحة العراقية التي تواجدت في قواطع صفوان والزبير وغرب مدينة البصرة من الأمراض السرطانية المميتة واللوكيميا والاعتلالات الصحية الأخرى خلال السنوات القادمة أي بنسبة 11.5% من القوات المشاركة بالعمليات الحربية ضمن منطقة الدراسة.
     
  5. أشارت نتائج التحليل الإحصائي لاستبيان التأثيرات الصحية للتعرض الإشعاعي في قرية الجوارين ضمن منطقة الدراسة عام 2001 إلى وجود زيادة ملحوظة في متوسط ​​نسبة الإصابة بحالات الأمراض المرتبطة بالإشعاع المؤين للفترة التي أعقبت حرب الخليج الأولى في 1991، مقارنة مع نسبة نفس الحالات المسجلة في مستشفيات مدينة البصرة عام 1990 (عام قبل بدء الحرب)، وأن حالات الإصابة بهذه الأمراض وكما أشار الاستبيان أنها قد ازدادت بنسبة 20-30 %.
     
  6. أوضحت معايرة نتائج  تقدير الخطورة  التي أجريت في هذه الدراسة مع نتائج المسح  والاستبيان الموقعي على سكان قرية الجوارين أن إجمالي حالات السرطان القاتلة المتوقعة في منطقة الدراسة وللمسارين الرئيسيين (الاستنشاق وإعادة التعلق-والانبعاث) ما زالا مرتفعين مقارنة بنتائج تحليل الاستبيان، كما يُظهر الاستبيان الموقعي في الوقت ذاته زيادة ملحوظة في حالات السرطان غير المميتة عن تلك التي تم تقديرها في هذا البحث، وبخاصة سرطان الجلد الذي يمثل 26 % من إجمالي عدد حالات السرطان والتي تعتبر أعلى حالة سرطان بين جميع أنواع السرطان المشخصة الأخرى.
     
  7. نتائج الدراسات المرضية والسريرية التي قام بها الاختصاصيون في مراكز الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية في مدينة البصرة والتي تم نشرها خلال فترة التسعينيات ولغاية الآن أثبتت صحة نتائج تقديرات الخطورة في هذه الدراسة. ونتائج الكثير منها يزيد عن تقديرات هذه الدراسة.

 

المصادر:

  1. تقدير مخاطر استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في العراق: الجزء الأول
  2. تقدير مخاطر استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في العراق: الجزء الثاني

 

البريد الإلكتروني للكاتب: info@arsco.org

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x