مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ما هي أبرز الجوانب التي لا نتوقّع من الذكاء الاصطناعي القيام بها في الرعاية الصحية؟

الكاتب

الكاتب : محمد معاذ

زميل سياسات غوغل وباحث وكاتب تقني في مجال الذكاء الاصطناعي – لبنان

الوقت

02:28 مساءً

تاريخ النشر

08, نوفمبر 2020

الملخّص

في مقابل المزايا التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي لقطاع الرعاية الصحية عمومًا، إلّا أنه لن يكون قادرًا على القيام بكل الأشياء في هذا القطاع.

في أقلّ من عقدٍ من الزمن، انخرط الذكاء الاصطناعي بمختلف المجالات العملية بينها الرعاية الصحية، وأثبت حضورًا جيدًا في تحسين هذا المجال الحيوي: من تشخيص الأمراض، إلى التنبّؤ بتفشيها، إلى المساعدة في اكتشاف أدويةٍ جديدة، وغيرها. وقد سبق أن طرحنا مقالات علمية حول ذلك في وقتٍ سابق، وبإمكانكم الإطّلاع عليها عبر موقع المنظمة لتحصيل المزيد من المعرفة.

لكن، وعلى الرغم من القدرات التي تظهرها هذه التقنية، قد يبدو أنها ستحلّ في كل جانبٍ من جوانب الطب. إلّا أنّ هذا أبعد ما يكون عن الحال. وهناك العديد من الأشياء لا يمكن توقّعها من الذكاء الاصطناعي في الطب على الأقلّ خلال العشر سنوات القادمة. وهذا ما نهدف إلى طرحه من خلال هذه المقالة.

الحلول مكان الأطقم الطبية

الجواب هو لا! وعلى قدر ما قد يبدو  الذكاء الاصطناعي أنّه يتمتّع بالقدرة، إلا أنّه لن يحل محلّ المهنيين الطبيين. ورغم أنّ  المخاوف حول سيطرة هذه التقنية على صناعاتٍ كثيرة بما فيها الطبّ، قد تبدو محسوسة ومبرّرة لدى البعض، لكنها تحمل الكثير من المبالغة. والصحيح، أنّ مثل هذه الأنظمة الذكية ستصبح جزءًا لا يتجزّأ من نظام الرعاية الصحية، وسوف تعمل بشكلٍ أكبر كأدواتٍ مكمّلة لمساعدة الأطباء والممرضين على التمكّن والإتقان في العمل. ومن بين الأسباب وراء ذلك، أنّ هذه التقنيات الذكية تحتاج إلى خبراء أكفّاء لتفسير تحليلاتها بالشكل الصحيح. فضلًا عن ذلك، سيكون هناك حاجة دائمة للعاملين الطبيين خصوصًا من ناحية ايجاد الحلول للتحديات المعقّدة التي تتطلّب الإبداع. لكن يمكن القول إنّ العاملين الذين سيتبنّون الذكاء الاصطناعي سيحلّون محلّ أولئك الذين لا يتعاملون مع هذه التقنية.

توفير أكبر قدرٍ من التعاطف للمريض

يشكّل التعاطف أداةً لا غنى عنها في الطب، لا سيّما بالنسبة للمرضى الذين يعانون من حالاتٍ حرجة. وهناك دائمًا علاقة بين الطبيب والمريض وهذا يشكّل قيمة كبيرة للأخير، لأنه يرفع من معنوياته ويساعده على التمسّك بالخطة العلاجية. وفي حين قد يتمّ منح الذكاء الاصطناعي مهارات “التعاطف الاصطناعي” في نهاية المطاف، إلا أنّها لن تحلّ مكان العلاقة التي تربط بين الطبيب والمريض. بل إنّ الأمر قد تكون نتيجته عكس ذلك، فعصر الذكاء الاصطناعي قد يعزّز الرعاية الرحيمة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ذلك أنّ هذه الأدوات الذكية ستقوم بالمهام الروتينية ما يوفّر المزيد من وقت الأطبّاء. وهذا يعني أنّهم سيكونون قادرين على قضاء وقتٍ أكثر مع مرضاهم، وتكريس المزيد من التعاطف الذي يتطلّبه علاج المرضى، والذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اللمسة الإنسانية. وأمام معالجة هذه التقنية للمهام الإدارية و توفير رؤى التشخيص، نعتقد أنّ الأطباء سيحتاجون إلى التركيز على تنمية وصقل مهارات التعاطف والتواصل لديهم من أجل رعاية المرضى بشكلٍ أفضل.

تحسين قضايا الخصوصية

بالطبع هذا يتعارض مع عمل الخوارزميات، فلكي تعمل هذه الأنظمة، يجب تغذيتها بالبيانات، وإلّا ستفشل بدونها. ومع تسابق شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “غوغل” و “فيسبوك” و “أمازون” بقوةٍ حول الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، فإنه سوف يستمرّ العمل على جمع البيانات والتي تأتي غالبًا من المرضى. وقد سبق لـ “أمازون” أن دخلت في مشروعٍ مع هيئة الخدمات الصحية في المملكة المتحدة (NHS) لتقديم الإرشادات الطبية للمستخدمين رقمياً عبر المساعد الشخصي “اليسكا” عام 2019، ما يؤدّي إلى سرعة وصول المعلومات للمرضى والحيلولة دون تلقّيهم نصائح ومعلومات طبية من مواقع غير متخصّصة. لكن التقارير أظهرت كيف عمدت الشركة لتخزين تسجيلات مستخدمي “أليكسا” سرًّا. وفي حادثةٍ أخرى، تبيّن أن مؤسسة “Royal Free NHS Foundation Trust” البريطانية قامت بمشاركة كمياتٍ كبيرة من البيانات الخاصة بالمرضى مع شركة “DeepMind” التابعة لـ “غوغل” وذلك بغية تطوير منصة جديدة لها. لكن لم يتمّ إبلاغ المرضى باستخدام بياناتهم لهذا الغرض. وعليه نعتقد أن مشكلات الخصوصية ستزداد سوءًا مع الذكاء الاصطناعي ولن يكون عاملًا مساعدًا في تحسينها من حيث المبدأ.

اتّخاذ القرارات الطبية لوحده

لا يساعد امتلاك الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الطبية فحسب، بل قد يساعد أيضًا في اتخاذ القرارات من تلقاء نفسه.قد يبدو هذا جاذبًا للوهلة الأولى، ومن شأنه المساعدة في تخفيف العبء النفسي الذي يلحق بالطاقم الطبي، وبشكلٍ خاص عندما يتعلّق الأمر بقراراتٍ تشكّل تحدياتٍ أخلاقية. ففي خضمّ جائحة “كوفيد 19″، كان لزامًا على الأطباء اختيار من ينبغي لهم إعطاءه أولوية الموارد الطبية المنقِذة، وذلك بسبب كثرة المرضى واستنزاف الموارد. ولكن يتبادل سؤال في هذه الحالة: هل ترك القرارا للأنظمة الذكية يؤدي إلى إلغاء مسؤولية العاملين في مجال الرعاية الصحية؟ حتى إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على استخراج السجلات الطبية وبيانات الجينوم (أحد فروع علم الوراثة)، للحصول على أفضل الرؤى، فإنّ ترك القرارات الطبية للبرمجيات فقط ليس المسار الأفضل للعمل. وهناك العديد من الإشكالات المتعلّقة بهذا النهج، ويتطلّب مساهمة جماعية من قبل علماء الأخلاق والمبرمجين والمهنيين الطبيين. علاوةً على ذلك، فإنّ الذكاء الاصطناعي ليس بمنأى عن التحيّز كما سنرى في النقطة التالية. ونفترض أنّنا لن نرى مثل هذه الأنظمة تتّخذ قرارات طبية بمفردها، بل ستقوم بمساعدة الأطقم الطبية لاتخاذ القرارات بطريقةٍ أفضل.

لن يكون متحيّزًا

كا ذكرنا أعلاه، الذكاء الاصطناعي ليس بعيدًاعن التحيّزات. ولا ينبغي لنا أن نتوقّع من الخوارزميات الذكية أن تتّخذ قراراتٍ غير متحيّزة، حتى لو كان في مجالٍ حسّاسٍ جدًّا كالرعاية الصحية. إنّ مجموعة البيانات التي يتمّ من خلالها تدريب الذكاء الاصطناعي عليها تُعدّ بالغة الأهمية؛ لكنّ بيانات الرعاية الصحية تميل إلى الذكورية وإلى البشرة البيضاء في الغالب، وقد أكّدت حوادث سابقة هذا الأمر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمبرمجين الذين يعملون على برمجة الأنظمة الذكية، عن غير وعيٍ أو عن سابق تصميم أن يُدخلوا إلى الخوارزميات قيمهم الخاصة ومعتقداتهم الذاتية في البرمجة. وبالتالي فهذا ينطوي على عواقب وخيمة عند قيام أدوات الذكاء الاصطناعي بتحليل تلك البيانات واستخلاص نتائج، قد تكون فئوية وليست تمثيلية كما في الواقع.

ومع التقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي، سنشهد بالتأكيد المزيد من تطبيقات التكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية. لكن يتّضح أن هذه التقنية لن تستطيع القيام بكل الأمور ذات الصلة في هذا المجال. غير أنّها ستساعد في توفير رعايةٍ أكثر فاعلية. وإذا ما تمّ استخدامها بشكلٍ صحيح نتوقع أن تنتقل الرعاية الصحية إلى نقلة إيجابية وشاملة. ولا بدّ لنا ان نوجّه نصيحةً إلى الأطقم الطبية البشرية لا سيّما العربية منها أن تعمل على فهم أساسيات الذكاء الاصطناعي وإمكانياته في الطب بشكلٍ أفضل بما ينعكس إيجابًا على المرضى وصحتهم.

المراجع


 

 

  • عن الكاتب “محمد معاذ”:
    زميل غوغل وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي. كاتب تقني. يرتكز عمله المهني على توفير المهارات الإستراتيجية لدعم وفهم تقنية الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. أنجز العديد من الدراسات والمقالات العلمية في الذكاء الاصطناعي، وتركّز أبحاثه على التأثير الحقيقي لهذه التقنية في مختلف المجالات.

 

البريد الإلكتروني للكاتب: mohamadmaaz1991@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x