تمثل جائزة نوبل في العلوم المختلفة (شاملة الطب والفسيولوجيا، والكيمياء والفيزياء) وجائزة نوبل في السلام والآداب والاقتصاد أرفع الجوائز التي ينالها عالم أو أديب أو مفكر على مستوى العالم. ومع أن هناك جوائز عالمية أخرى ذات شهرة واسعة، إلا أن جائزة نوبل تظل هي أرفع وأهم الجوائز على الإطلاق، والتي ينتظرها العالم في أول أكتوبر من كل عام عندما تعلن عنها لجنة الجائزة في مدينة ستوكهولم بالسويد موطن العالم السويدي ألفريد نوبل الذي سميت الجائزة على اسمه.
ومع أن هناك بعض الإنتقادات والهجوم على الجائزة من وقت لآخر واتهام اللجنة بعدم الحيادية، ومع أن أعضاء اللجنة قد تعرضوا لمواقف محرجة مع الفائزين، إلا أن الجائزة ما زالت محل ثقة وتقدير العالم أجمع. فقد تم إنتقاد اللجنة عندما تم منح الجائزة لبعض الشخصيات. أما إحراج اللجنة نفسه فقد حدث في مرات عديدة إما بسبب رفض الفائز بالجائزة إستلامها مثل جان بول سارتر؛ الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1964، في حياته رفض جميع الجوائز والأوسمة الرسمية. وكذلك لو دوك ثو Le Doc Tho» فاز بجائزة نوبل للسلام عام 1973 بالاشتراك مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر. لتوصلهم لإتفاق سلام بين فيتنام والولايات المتحدة، لكنه رفض استلام الجائزة معتبرًا أن الوضع في فيتنام غير مناسب. ومن المواقف المحرجة التي واجهت اللجنة أن الفائز قد توفي بساعات قبل الإعلان عن الجائزة كما حدث مع البروفيسور ستاينمان، والذي كنت أعرفه شخصياً، والذي بالرغم من أنه توفي بيومين قبل الإعلان عن الجائزة فقد كان يعاني من مرض السرطان إلا أن اللجنة وافقت في النهاية بعد مداولات منحه الجائزة مع أن ذلك ضد شروط الجائزة.
وهناك فائزين اضطروا لرفض جوائز نوبل، فقد أرغمت السلطات الألمانية أربعة من الحائزين على رفض جائزة نوبل. حيث منع أدولف هتلر ثلاثة فائزين هم: ريتشارد كون وأدولف بوتيناندت وجيرهارد دوماجك وقد ظلت الجوائز والميداليات بأسمائهم ولكن لم يحصلوا على مبلغ الجائزة. وبالمثل فاز بوريس باسترناك بجائزة نوبل في الأدب عام 1958 ، وقد قبل في البداية ولكن سلطات الاتحاد السوفيتي أجبرته على الرفض. وهناك فائزين من السجن! حيث كان ثلاثة من الحائزين على جائزة نوبل رهن الاعتقال وقت منحهم الجائزة نوبل، جميعهم من الحائزين على جائزة نوبل للسلام وهم داعية السلام والصحفي الألماني كارل فون أوسيتزكي والسياسية البورمية أونغ سان سو كي والناشط الصيني في مجال حقوق الإنسان ليو شياوبو.
جائزة نوبل هي مجموعة من ست جوائز دولية سنوية تمنحها عدة فئات من قبل المؤسسات السويدية والنرويجية تقديراً للأكاديميين والمثقفين أو للتقدم العلمي. الأب الروحي لجائزة نوبل هو الصناعي السويدي ومخترع الديناميت، ألفريد نوبل . إذ قام السويدي نوبل بالمصادقة على الجائزة السنوية في وصيته التي وثّقها في (النادي السويدي – النرويجي( في 27 نوفمبر 1895. وقد تم منح الجوائز في الفيزياء والكيمياء والأدب والسلام والطب أو علم وظائف الأعضاء لأول مرة في عام 1901 .
وفي عام 1968، قام البنك المركزي السويدي بتأسيس جائزة في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل، والتي على الرغم من عدم كونها جائزة قد أوصى بها نوبل، بعد ذلك أصبحت معروفة باسم جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية.
تعدّ جائزة نوبل على نطاق واسع من أهم الجوائز المتاحة في مجالات الأدب والطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد والنشاط من أجل السلام.
ألفرد نوبل 1833–189، مهندس ومخترع وكيميائي سويدي، اخترع الديناميت في سنة 1867 ومن ثمّ أوصى بمعظم ثروته التي جناها من الاختراع إلى جائزة نوبل التي سُميت باسمه. كان نوبل الابن الرابع لأسرة فقيرة. ولد ألفرد نوبل في ستوكهولم في 21 أكتوبر 1833، انتقل مع أسرته عام 1842 إلى سانت بطرسبرغ، حيث عمل والده في صناعة أدوات الآلات والمتفجرات كما اخترع الخشب الرقائقي وبدأ بعمل الطوربيدات. بعد تحسن وضع الأسرة المادي، تم إرسال ألفرد للتعليم حيث برع الابن في دراسته لا سيما في الكيمياء واللغات، وكان يتحدث اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية بطلاقة. ودرس الكيمياء مع البروفيسور نيكولاي زينن. ثم انتقل إلى باريس سنة 1850، وعندما أكمل 18 سنة ذهب إلى الولايات المتحدة لدراسة الكيمياء لمدة أربع سنوات، وعمل لفترة قصيرة مع جون إريكسون، وحصل ألفرد على أول براءة اختراع له عن عداد غاز عام 1857.
اخترع نوبل الديناميت عام 1867، وهي مادة أسهل وأكثر أمنا للتعامل من النيتروجليسرين. حصل على براءة اختراع الديناميت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكان الديناميت يُستخدم على نطاق عالمي واسع في مجال التعدين وبناء شبكات النقل. في عام 1875 اخترع نوبل الجلجنيت، وهي مادة أكثر استقرارا وقوة من الديناميت، وفي عام 1887 حصل على براءة اختراع الباللستيت، وهي مادة رائدة من الكوردايت.
عانى نوبل من ذبحة صدرية وتوفي في منزله جراء نزيف دماغي سنة 1896. قام نوبل بتكريس معظم ثروته دون علم أسرته أو أصدقائه أو زملائه لتمويل جوائز نوبل التي تم إطلاق اسمه عليها.
وتمنح جائزة نوبل للعلماء في الطب والفسيولوجيا للعلماء (العلوم البيولوجية عامة) وفي العلوم الطبيعية (الكيمياء والفيزياء) للعلماء الذين توصلوا لإكتشافات أضافت للعلم وأرست مفاهيم علمية جديدة أدت إلى تقدم أحد فروع العلم، وإلى تطبيقات صناعية أو تكنولوجية. فعلى سبيل المثال، منحت جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا هذا العام ٢٠٢٠ لكل من البريطاني مايكل هيوتون، والأميركيين هارفي ألتر، وتشارلز رايس لإكتشافهم لفيروس الكبد الوبائي. وفي مجال الكيمياء، تم منح الجائزة لكل من للفرنسية إيمانويل شاربانتييه والأمريكية جنيفر دودنا لإكتشافهم تكنولوجيا كريسبر CRISPER والتي لها تطبيقات بيولوجية وطبية خاصة في العلاج الجيني مع أن مكتشفي التكنولوجيا هما عالمتين في الكيمياء . ونلاحظ هذا العام (2020) أن جائزة نوبل في جميع التخصصات تم منحها لأكثر من عالم وصل في بعد التخصصات مثل الطب والفيزياء إلي ثلاث علماء ومن دول مختلفة مما يؤكد على أهمية العلوم البينية في التخصصات المختلفة والتي تزيد من سرعة تطبيق الإكتشافات العلمية كما حدث مع تكنولوجيا كريسبر والتي تم اكتشافها في عام ٢٠١٢ أي منذ ثماني سنوات فقط.
وإذا قمنا بتحليل إحصائي بسيط عن الجائزة في مجالات الطب والفسيولوجيا وعلوم الفيزياء والكيمياء منذ تدشين الجائزة في عام 1901 حتى أكتوبر 2020، نلاحظ الآتي:
- تم منح ما مجموعه 602 جائزة نوبل لإجمالي 961 من الحائزين على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2020 .
- تم فوز ثلاث علماء بجائزة نوبل الفيزياء لعام 2020 هم البريطاني روجر بنروز والألماني رينهارد غنزل والأمريكية أندريا غيز
- منحت جائزة نوبل للكيمياء للفرنسية إيمانويل شاربانتييه والأمريكية جنيفر دودنا بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2020 لتطويرهما تقنية تحرير الجين
- تم منح جائزة نوبل في الطب لعام 2020 لثلاث علماء هم البريطاني مايكل هيوتون، والأميركيين هارفي ألتر، وتشارلز رايس.
- فاز عالما الاقتصاد الأمريكيان بول ميلجروم وروبرت ويلسون بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2020 لتعديلاتهما على نظرية المزادات وابتكارهما صيغا جديدة …
- ذهبت جائزة نوبل للسلام 2020 لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقديرًا لجهوده في مكافحة الجوع.
- متوسط عمر جميع الحائزين على جائزة نوبل في جميع فئات الجوائز بين عامي 1901 و 2020 هو 60 عامًا.
- ملالا يوسفزاي هي أصغر الحائزين على جائزة نوبل الذين حصلوا على جائزة السلام عام 2014 عن عمر يناهز 17 عامًا فقط.
- جون ب.جوديناف هو أقدم متلقي لهذه الجائزة في الكيمياء لعام 2019 عن عمر يناهز 97 عامًا.
- ترك ألفريد نوبل معظم ممتلكاته، أكثر من 31 مليون كرونة سويدية (اليوم ما يقرب من 1،702 مليون كرونة سويدية) ليتم تحويلها إلى صندوق واستثمارها في "الأوراق المالية الآمنة".
- تم تحديد قيمة جائزة نوبل لعام 2018 بمبلغ 9.0 مليون كرونة سويدية (SEK) لكل جائزة نوبل كاملة
- جون باردين هو الوحيد الحائز على جائزة نوبل الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء مرتين، في عامي 1956 و 1972
- مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء 113 مرة إلى 213 من الحائزين عليها بين عامي 1901 و 2019.
- ماري كوري هي المرأة الوحيدة التي تم تكريمها مرتين، وحصلت على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 وجائزة نوبل في الكيمياء عام 1911.
- حصلت 56 امرأة فقط على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2020.
- منحت جائزة نوبل في الكيمياء 112 مرة إلى 178 من الحائزين على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2020 .
- فريدريك سانجر هو الوحيد الحائز على جائزة نوبل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء مرتين ، في عامي 1958 و 1980. وهذا يعني أن إجمالي 182 فردًا حصلوا على جائزة نوبل في الكيمياء.
- مُنحت جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب 111 مرات إلى 222 من الحائزين على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2020 .
- مُنحت جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية 52 مرة لـ 86 من الحائزين عليها بين عامي 1969 و 2020 .
- مُنحت جائزة نوبل في الأدب 112 مرة إلى 116 من الحائزين على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2017.
- مُنحت أول جائزة نوبل للسلام عام 1901 لهنري دونان (سويسرا) وفريديريك باسي (فرنسا).
- جائزة السلام هي الجائزة الوحيدة التي لم تقدم في ستوكهولم. تُقدم هذه الجائزة سنويًا في أوسلو، بحضور ملك النرويج ، في 10 ديسمبر ، ذكرى وفاة ألفريد نوبل.
- مُنحت جائزة نوبل للسلام 101 مرة لـ 135 من الحائزين على جائزة نوبل بين عامي 1901 و 2020 والتي تضم 28 منظمة و 107 أفراد.
- من المعروف أن تسعة هنود / (أشخاص من أصل هندي) حصلوا حتى الآن على جائزة نوبل وأول هندي يحصل على جائزة نوبل كان رابيندرا ناث طاغور.
- لا يوجد عربي واحد حصل على جائزة نوبل في الطب أو العلوم أو الاقتصاد . حصل أحمد زويل من أصول مصرية على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2016 عن بحوثه في أمريكا.
- حصل عدد من العرب على جائزة نوبل في السلام وهم الرئيس محمد أنور السادات – الرئيس ياسر عرفات – محمد البرادعي وحصل الروائي المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب.
- هناك بعض السنوات التي لم يتم فيها منح جوائز نوبل. إجمالي عدد المرات هو 49. معظمها خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945).
ومن خلال هذه الإحصائية البسيطة نجد أنه لا يوجد أي عربي حاصل على الجائزة في الطب والفسيولوجيا والكيمياء والفيزياء منذ بدايتها في عام 1901 يعمل في أي جامعة أو مركز بحثي في أي دولة عربية. ومن فازوا بها من الدول العربية مثل د. أحمد زويل هم من أصول عربية ولكنهم لا ينتمون إلى المدارس العلمية العربية والتي في الغالب كانت بدايتهم فيها ثم هجروها من أجل مستقبل علمي أفضل يتمثل في تحقيق طموحاتهم العلمية الكبيرة والتي لم يجدوا لها منفذا واضحا في بلادهم آنذاك. حتى الحاصلين على الجائزة في الآداب فعددهم قليل جدا وأشهرهم الروائي الكبير نجيب محفوظ بسبب تفرده ليس في طريقة الكتابة فقط ولكن في نوعية الموضوعات الإجتماعية والتركيز فيها.
ورغم وجود عدد كبير من الباحثين العرب المتميزين والمتدربين بشكل جيد في أفضل الجامعات والمراكز البحثية في داخل وخارج الدول العربية من خلال البعثات والمهمات العلمية وحصول العديد منهم على جوائز علمية مختلفة محلية ودولية، ورغم وجود عدد كبير أيضاً من المراكز البحثية وبعض الدعم والتعاون الدولي، إلا أنه لم يحصل حتى الآن، باحث واحد منهم على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا أو في علوم الكيمياء أو الفيزياء أو حتى تم ترشيحه إليها (بعيدا عن السلام والآداب والإقتصاد).
وبالطبع يمثل ذلك تحديا كبيرا لسمعة البحث العلمي والمسئولين عنه في الدول العربية على وجه العموم وفي مصر على وجه الخصوص. الأمر الذي لا بد من التغلب عليه بخطة واضحة قصيرة وطويلة الأمد قابلة للتنفيذ والمتابعة والتقييم ليس من أجل الجائزة ذاتها ولكن من أجل انتاج بحث علمي متميز ممكن من خلاله التنافس على الجائزة بغض النظر عن الفوز بها.
والسؤال المهم الآن والذي كان السبب الرئيسي وراء كتابة هذا المقال في هذا التوقيت، ما هي الأسباب وراء خلو قائمة الحاصلين على جائزة نوبل في الطب والعلوم من الدول العربية عموما ومصر خاصة رغم وجود مئات من الجامعات ومراكز البحوث والمدن والمعاهد العلمية المكتظة بالإمكانات المختبرية والقدرات البشرية ذات الخبرات العلمية الكبيرة التي تعلمت في المختبرات الأمريكية والأوروبية والآسيوية؟ ما هو السر الغامض وراء هذا الغياب الذي قد أسميه مجازا التقصير في التواجد في قائمة أم الجوائز.
السبب من وجهة نظري وبإختصار شديد ومن خلال خبرتي في العمل والدراسة في اليابان لمدة ست سنوات وأمريكا لمدة عشر سنوات متتالية وزياراتي للعديد من الدول مثل كندا والصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية والسعودية والأردن، يكمن في ما يمكن أن أسميه "التشتت العلمي". والذي أعنيه بالتشتت العلمي هنا هو عدم تركيز الباحث في موضوع علمي معين والغوص والتبحر فيه من جميع جوانبه حتى يصل إلى إجابات على الأسئلة العلمية التي يطرحها قبل وأثناء البحث وبالطبع بعد الحصول على نتائج البحوث.
ومن الممكن صياغة التشتت العلمي بأسلوب آخر وهو غياب المدرسة العلمية الرصينة التي تتبنى موضوعاً محدداً ولأسباب محددة للوصول بنتائج محددة تؤدي بعضها إلى بعض في متوالية علمية تراكمية تؤدي في النهاية من تحويل الفرضيات العلمية إلى نظرية ممكن تعميمها والإستفادة منها. وإذا طبقنا ما أقوله على مثال واحد أنا شخصيا مهتم به هو العلاج المناعي للأورام، وهو مجال واسع كل مدرسة علمية تتخصص في جزء منه مثل العلاج المناعي للأورام عن طريق الخلايا المناعية نفسها، ومدرسة علمية أخرى تهتم بالعلاج عن طريق منتجات الخلايا وأخرى عن طريق التطعيم وأخرى عن طريق الهندسة الوراثية بالجينات، وهكذا. وحتى لو تعددت المدارس العلمية في موضوع واحد كالعلاج بالخلايا المناعية، ستجد أن كل مدرسة علمية لها بصمتها الخاصة التي تميزها عن باقي المدارس ولكن لا تبعد عنها. وقد يفسر ذلك مشاركة أكثر من مدرسة علمية في جائزة واحدة كما حدث هذا العام في جائزة نوبل في الكيمياء والطب والفيزياء كما ذكرت أعلاه في المقال .
ويطبق ذلك أيضا في العلوم الانسانية. وقد يفسر ذلك فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب رغم وجود منافسين كبار من الروائييين في مصر والدول العربية آنذاك. ولكن فاز نجيب محفوظ بسبب بسيط هو التركيز في موضوع واحد للخروج برؤية أدبية واضحة المعالم تتعرض لقيم ومبادئ ومثل في بيئة محددة ولكن ممكن تعميمها من ناحية، ومن ناحية أخرى ممكن إعتبارها تسجيل لتراث إنساني ممكن الإعتماد والقياس عليه ليس فقط في فهم سلوكيات الشعوب وتطورها عبر الزمن ولكن أيضا في اتخاذ قرارات من قبل صانع القرار مما يساعد في تطوير وتقدم ورفاهية الشعوب.
أما ما يحدث على أرض الواقع في المختبرات البحثية في معظم الدول العربية، ولن أدعي كلها، ومن خلال تقييمي للعديد من الأبحاث سواء المقدمة للجان الترقية أو المقدمة للنشر في الدوريات العلمية، هو انتقال الباحث من موضوع لآخر فتجد أن مدرسته العلمية في مجال عام ولكن أبحاثه في عدة مواضيع لدرجة أني أجد أحيانا أن كل بحث يتحدث عن موضوع مختلف بمعطيات ونواتج وفرضيات مختلفة، مما يجعل المدرسة العلمية تبدوا مشتتة ومبعثرة ولا يوجد لها بصمة واضحة ممكن أن تقدم في محاضرة عامة. وبالطبع ثبات المدرسة العلمية ووضوح هدفها وبصمتها ليس الهدف منه الحصول على الجوائز بل هو أحد متطلبات البحث العلمي الرصين وإلا تحول البحث العلمي من مهنة إلى هواية والفارق بينهما كبير.
وبالإضافة إلى ظاهرة التشتت العلمي، هناك العديد من الأسباب الأخرى التي لا تجعل البيئة البحثية في الدول العربية عامة ومصر خاصة منتجة لعلماء يستطيعون المنافسة على جوائز نوبل. وسوف أذكر أهم هذه الأسباب في النقاط التالية:
- عدم الإعتماد على المشروعات البحثية الممولة في البحث العلمي وسماح المؤسسات البحثية للباحثين بها بإجراء بحوث من الجيب الخاص وبالتالي غياب استراتيجية تحكيم وتقييم وتقويم البحث العلمي قبل إجراءه ومدى ارتباطه بمنهجية محددة .
- الإعتماد شبه الكلي على طلاب الدراسات العليا في القيام بالبحث العلمي وغياب دور باحث ما بعد الدكتوراة الذي من المفترض أن يكون له الدور الأساسي في البحث العلمي.
- ندرة منح طلاب الدراسات العليا، والسماح لهم بإجراء بحوث بدون تمويل وبدون تفرغ مما يجعل البحث العلمي بالقطعة وحسب الميزانية المتوفرة لدى الطالب نفسه .
- عدم وجود رؤية واضحة للباحث (خطة استراتيجية) له أو لمجموعته البحثية مما يجعل الأبحاث العلمية غير مبنية على فرضية علمية بل على ما يسمى Fishing Expedition بدون هدف واضح من البداية .
- معظم أفكار البحث العلمي غير معتمدة على نتائج أولية Preliminary results
- غياب اللقاءات العلمية الدورية (اسبوعية) للمجموعة البحثية الواحدة (سيمنارات).
- غياب التعاون العلمي الحقيقي بين المجموعات البحثية المبني على استراتيجية حقيقية وليس مجرد اتفاقيات لا تغني ولا تسمن من بحث علمي حقيقي.
- عدم استقلالية العديد من المراكز والمدن البحثية في منح الدرجات العلمية لطلاب الدراسات العليا مما يضع الجامعات تحت ضغط هائل في تسجيل طلاب الدراسات العليا وما يترتب عليه من ضعف المستوى.
- نظام الدراسات العليا لا يسمح بوجود لجنة تحكيم على الطالب بصفة دورية أثناء إجراء البحوث ولكن يقتصر دور لجنة التحكيم في المرحلة النهائية بعد انتهاء البحث مما يجعل المحكمين أمام الأمر الواقع وعادة مايتم قبول الرسائل.
- عدم تفرغ الباحثين في الجامعات للبحث العلمي وانشغالهم بالتدريس وأعمال الكونترولات والجودة وغيرها مما يجعل عضو هيئة التدريس منذ حصوله على الدكتوراة (وهي المرحلة المنتجة بإبداع في البحث العلمي تحت إشراف أستاذ) غير متفرغ للبحث العلمي مما يجعله يعتمد على طلاب الدراسات العليا.
- مع أن مسميات الدرجات العلمية واضحة من مدرس وأستاذ مساعد إلا أنه لا يوجد على أرض الواقع مدرسة الأستاذ ومن يساعده في البحث العلمي من مدرس أو أستاذ بل هناك استقلالية تامة والتعاون اختياري.
- معظم العائدين من البعثات والمهمات العلمية وخاصة المتميزين منهم يتم استقطابهم للعمل في الدول العربية أو الجامعات الخاصة والإنخراط في مهام التدريس.
- عدم وجود عدد كاف من مراكز التميز في البحث العلمي في معظم الجامعات والتي هي المكان الأمثل لإجراء البحث العلمي بامكانات حديثة.
- عدم وجود نوعية من المشروعات ممكن تجديدها عند انتهائها وتحقيق المخرجات بنجاح على غرار ما هو موجود في معظم الدول المتقدمة وذلك لضمان استمرارية البحث العلمي للمجموعة البحثية واستقرار الباحثين في هذه المختبرات.
- عدم اهتمام الجامعات الخاصة بالبحث العلمي كأولوية منذ بداية الإنشاء.
ومع أن الهدف من البحث العلمي ليس الفوز بالجوائز، إلا أن الجوائز وخاصة العالمية مثل نوبل، تمثل ثرمومتر نستطيع به قياس درجة حرارة مخرجات البحث العلمي. وحيث أننا قبلنا التواجد في سوق البحث العلمي فعلينا التنافس على أعلى مستوى. ولكن التنافس الناجح يحتاج إلى آليات على أرض الواقع، وليس مجرد أمنيات وأحلام، لتحقيق هذا التنافس. فإذا أردنا أن نفوز أو على الأقل ننافس على جائزة نوبل في الطب أو العلوم، وهذه مسئوليتنا أمام الأجيال القادمة، فيجب أن نوفر الآليات بأقصى سرعة ممكنة، ونعلن عنها، وننفذها، ونتابعها ونقيمها حتى تؤتي أولى ثمارها. أما بقاء الوضع العلمي على ما هو عليه الذي يعتمد على الكمية وليس النوعية وعلى التواجد وليس التفرد والتميز، فهذا لن يفيد بل يضر.
والدول العربية وخاصة مصر قد حققت شوطا كبيرا في التواجد العلمي الدولي النوعي والكمي بآليات محددة تم تطبيقها، وأنشأت العديد من مراكز التميز للبحث العلمي والتي استفدت أنا شخصيا منها، وأنشأت مركز التميز لأبحاث السرطان بجامعة طنطا، وقامت الدولة بتدريب آلاف مؤلفة من طلاب الدراسات العليا من خلال بعثات خارجية وأعضاء هيئة تدريس من خلال مهمات علمية، ولكن لم يثمر ذلك عن تنافسية حقيقية على مستوى البحث العلمي المنشور في الدوريات العلمية الكبرى مثل Nature, Science, JAMMA, New England J Medicine, Cell وغيرها والتي عادة ما ينشر فيها رواد العلماء الذين يتم ترشيحهم لنيل الجوائز الكبرى مثل نوبل. بل أن معظم العائدين من البعثات والمهمات العلمية وخاصة المتميزين منهم يتم استقطابهم للعمل في الدول العربية أو الجامعات الخاصة والإنخراط في مهام التدريس وقلما يكون لهم تواجد استراتيجي في البحث العلمي.
إذاً ما هو الحل العملي والمنطقي لخلق البيئة المناسبة للتنافسية الدولية على الجوائز العالمية؟
بالرغم من تحديدي لنقاط رئيسية كما ذكرت أعلاه والتي تمثل عائقا في التميز والتفرد في البحث العلمي، إلا أنني أؤمن بأن الحلول المنطقية لا يمكن تعميمها، وخاصة في وجود عدد هائل من الباحثين. ولذلك اقترح التقاط المحددة الآتية كمرحلة أولى لا بد منها:
- إنشاء مجمع للمراكز البحثية في كل جامعة حكومية وخاصة سواء الجامعات القديمة أو المنشأة حديثا وذلك على غرار ماقامت به الجامعات الأهلية الدولية الجديدة مثل الجلالة والعلمين وسلمان والمنصورة الجديدة.
- استقطاب المتميزين العائدين من البعثات للعمل في هذه المختبرات المتقدمة والتفرغ تماما للبحث العلمي على الأقل لمدة ثلاث سنوات متتالية وهي الفترة التي تقابل وظيفة الباحث ما بعد الدكتوراة في الدول الغربية.
- عدم السماح تماما بإجراء بحوث في هذه المختبرات المتقدمة سواء على مستوى الدراسات العليا أو ما بعدها من غير مشروعات ممولة.
- إبرام تعاون بين الباحثين في هذه المختبرات المتقدمة مع الحاصلين على جوائز نوبل في الفروع المختلفة.
- الإستفادة من الحاصلين على جوائز الدولة حديثاً وتعيينهم كأستاذ كرسي في هذه المختبرات المتقدمة لتكوين مدارس علمية من الباحثين ما بعد الدكتوراة وطلاب الدراسات العليا.
- استقطاب الأساتذة العرب بالخارج، والذين حققوا نجاحات علمية متميزة ممكن قياسها وفي جامعات متميزة من ضمن الأعلى ٢٠٠ في التصنيف الدولي للجامعات، للعمل لفترة عام أو عامين كأستاذ مقيم أو على الأقل كأستاذ زائر في هذه المختبرات المتقدمة.
- استقطاب أساتذة أجانب من الهيئات البحثية الأعلى ٢٠٠ في التصنيف الدولي للجامعات، للعمل كأستاذ زائر في هذه المختبرات المتقدمة.
- إدخال هذه المختبرات البحثية في خطة البعثات بحيث يقضي المبعوث على الأقل عام كامل فيها قبل سفره للبعثة أو قضاء فترة البعثة بالكامل في هذه المختبرات مع قضاء فترة عام واحد فقط في الخارج.
- تدشين برنامج لدعوة الأساتذة المتميزين وخاصة الحاصلين على جوائز دولية كبيرة لإلقاء محاضرات من خلال هذه المعامل المتقدمة بواقع محاضرة شهرية عن طريق الأون لاين.
- ابتعاث على الأقل ١٠٪ من المبعوثين والمهمات العلمية إلى أساتذة حاصلين على جوائز نوبل في الفروع المختلفة كمبادرة قومية.
هذا هو أقل المطلوب لخلق بيئة سريعة وفعالة وتنافسية بناءا على ما هو متوفر من بنية تحتية وقدرات بشرية للتنافس على الجوائز العالمية وأهمها نوبل، ليس من أجل الجائزة ولكن من أجل تحقيق السمعة العلمية المتميزة القادرة على التنافس على هذا المستوى.
وأنا شخصيا، ومن واقع خبراتي في مجال البحث العلمي، والإنخراط في العديد من اللجان والمجالس القومية، والمشاركة في العديد من الأنشطة البحثية من مشروعات وابتكارات، ومعارض ومؤتمرات وندوات، ومن خلال متابعتي الدقيقة لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي ككل، ومن خلال قربي من شباب الباحثين ومدى تحمسهم للبحث العلمي المتقدم والرصين، أرى أن المستقبل يبشر بالخير في شباب الباحثين الذين أصبح لديهم مهارات وخبرات وأساتذة وتواصل دولي، خاصة بعد تدشين العديد من الجامعات والمراكز والمدن البحثية المتقدمة بصورة ملحوظة، مع اهتمام القيادة السياسية والقيادات التنفيذية المسئولة عن التعليم والبحث العلمي.
ولسوف نرى أحد الباحثين العرب مرشحا لجائزة نوبل في السنوات القادمة إن شاء الله.
والله الموفق
البريد الإلكتروني للكاتب: Mohamed.abib@science.tanta.edu.eg