مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

تصنيف وتركيب فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2) المسبب لمرض كوفيد-19 (COVID-19)

الكاتب

الكاتب : محمد نورين بن أحمد الأهدل

أستاذ وعالم أبحاث رئيس، علم الأحياء الدقيقة والمناعة

الوقت

01:25 صباحًا

تاريخ النشر

29, أكتوبر 2020

المقدمة

يُعتقَد أنَّ هذا الفيروس تحوَّرَ في عائِله المُعتاد وهو الخفاش أو الوطواط، ثم انتقل إلى الإنسان إما عن طريق أكل الخفاش مباشرةً أو بعد أن انتقل من الخفاش إلى حيوان يأكله بعض الناس في آسيا يسمى بالــ "بانقول" أو "أم قرفة" ، وهو حيوان ثديي له رأس صغير وخرطوم ممدود ومغطّى بحراشف شبه مُسننة يأكل النمل (1).

ويتميّز هذا الفيروس بسرعة انتشاره مقارنة بفيروسات كثيرة أخرى، ومما ساعد على ذلك سهولة التنقُّل بين المُدُن والدُّوَل. ولكن المرض الذي ينتج عن العدوى به يعتبر خفيفاً، حيث إن نسبة التعافي منه بعد تواجده في الجسم عالية جداً على مستوى العالم والوفيات مُتدنّية بشكل عام. وقد تجاوزت العدوى بهذا الفيروس منذ التعرف عليه وحتى الآن في العالم أجمع أربعون مليون إصابة، ولكن ومن حسن الحظ أن الوفيات أقل بكثير من مثيلاته من الفيروسات (2).

 وكما نعلم فإن هذا الفيروس لم يُعرف إلّا في يناير من عام 2020، والتعرُّف عليه وعلى خصائصه يحتاج إلى وقت طويل من الأبحاث والدراسات المُعَمَّقة، ورغم أن هناك كَمٌ هائل من هذه الدراسات تنهال على المجلات العلمية المختلفة التي هي في غالبيتها دراسات جيّدة، لكن هناك بعض الدراسات الهزيلة التي كان العلماء لها بالمرصاد. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أننا سوف نتخلص من مشاكل هذا الفيروس خلال عامين أو أقل بإذن الله ويصبح هذا الفيروس أحد الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي بعد الحصول على اللقاح. وما نذكره هنا هو ملخص باللغة العربية لما هو معروف عن هذا الموضوع، وللتزوُّد بالمعرفة عن هذا الفيروس ننصح بالرجوع إلى بعض المراجع (3-6).

تصنيف الفيروس

كما يلاحظ في الشكلين رقم 1 ورقم 2، ينحدر هذا الفيروس من مملكة أورثونافيري حتى يصل إلى عائلة كورونافيريدي (الفيروسات التاجِيَّة) ومنها يتفرّع إلى أن يكون أحد الفيروسات المسببة لأمراض تنفسيه عند الإنسان من جنس فيروسات البيتا كورونا. ورغم أن التسلسل التشفيري (الترميزي) للجينوم في فيروسات هذا الجنس متنوعة جداً  إلّا إنه عن طريق مقارنات تسلسل الجينوم كاملا أصبح بالإمكان تصنيفه بشكل سليم، ومنذ يناير 2020 تم الإعلان عن هذا الفيروس الحالي المستجد المسمّى بـ سارس-كوفي-2 (SARS-CoV-2) والمسبب لمرض الجائحة الحالية والمسمى بـ كوفيد-19 ، وهذا يعني أن هناك سبعة فيروسات تتبع لهذه العائلة الفيروسية التاجية من جنس البيتا كورونا تسبب التهابا رئوياً لدى البشر، ولكن ثلاثة منها فقط هي التي كان لها أثر شديد وعالمي (SARS-CoV-1 و MERS-CoV و SARS-CoV-2)، وواحداً فقط (سارس-كوفي-2 أو  SARS-CoV-2) هو الذي تم الإعلان عنه من منظمة الصحة العالمية بأنه شكّل جائحة دولية، لاتزال الكثير من الدول تعاني منها صحيا واقتصاديا في الوقت الحاضر، ناهيك عن المشاكل النفسية التي ألمّت  بالبشر بسبب الحجر الصحي الذي تمَّ فرضُهُ على الكثير من المجتمعات في العالم، والذي لا يزال بدرجات متفاوتة في الأقطار المختلفة وخاصة بعد ظهور الموجة الثانية منه في أوروبا بشكل خاص. وتُعتبر تحليلات النشوء والتطوُّر (phylogenetic analyses) أفضل الطرق لمعرفة الاختلافات بين السلالات والعزلات المختلفة للأحياء بما في ذلك الفيروسات وهذا الفيروس، وهذه التحليلات توضح التقارب بين الفيروسات المختلفة حتى من نفس السلالة، مما يساعد على استبعاد نظريات تصنيع هذا الفيروس في المختبرات، وتشرح كيفية انتقال الفيروس من بلد لآخر ومن قارة إلى أخرى، ولكننا نرى أنه حتى الآن ليس هناك دراسات نهائية في هذه التحليلات بالنسبة لهذا الفيروس يُجمِعُ عليها العلماء.

الشكل الخارجي للفيروس

كما هي الحال مع الفيروسات التاجيّة، فالحُبَيْبَة أو الجُسَيْمَة الفيروسية (virus particle) دائرية الشكل بمقياس من 80 إلى 160 نانومتر، تحتوي في وسَطِها على المادة الوراثية (الجينوم) وهي حمض نووي رايبونوكليوتيدى (رنا RNA) يتواجد بشكل حلزوني (helical)، ويُغلّف الجينوم لحمايته بروتين يسمي (ن N)، وكلاهما يكونان الغطاء النووي أو المركزي (nucleocapsid) الذي يقع في وسط الحبيبة الفيروسية، ويغطي الغطاء النووي غشاء ثنائي الطبقة من الدهون في غالبيته مُشتقٌّ من الغشاء الخلوي للخلية الموبوءة، ويدخل في هذا الغشاء أربعة بروتينات تبرز إلى خارج الغشاء بمسافات مختلفة وأهمها البروتين السطحي البارز (س S)، ثم بروتين الغلاف (م M)، ثم البروتين الصغير للغلاف (إي E)، ثم بروتين الإستريز المُخَثِّر (إتش إي HE)، وكل البروتينات التي تمَّ ذِكرها هي البروتينات الهيكلية (structural) التي تُكوِّن أجزاء الحبيبة الفيروسية التي لا يُمكن رؤيتها إلا بالمجهر الإلكتروني بصبغة سالبة أو بصبغة مُلوّنَة، ويبيّن الشكل رقم 3 رسماً تخطيطيا للحبيبة الفيروسية محتويةً كل هذه البروتينات الهيكلية.

التركيب الجيني للفيروس

يتكون الجينوم لهذا الفيروس من الحمض النووي الرايبونوكليوتيدى (رنا RNA)، أحادي النسيلة (single stranded) بتكوين إيجابي (positive configuration)، أي أن بإمكان الفيروس أن ينسخ نفسه داخل الخلية بعد دخوله إليها بدون الحاجة إلى أن يكون معه إنزيم النسخ، ويتواجد هذا الجينوم بتسلسل حوالي ثلاثون ألفا من الوحدات النوكليوتيديّة (30 kb)، وقد كان هذا أوّل تسلسل يُنشر من عُزلاتٍ سريرية أُخذت من أوائل المرضى في مدينة ووهان بالصين (7). وكباقي الفيروسات التاجية فإن إطار القراءة المفتوح (Open Reading Frame – ORF) لنسخ الجينات متغير جدا، فأولها من جهة اتّجاه النسخ (5’ ) هو ORF1a/b الذي يُكوِّن تقريبا ثُلثي طول الحمض النووي الرايبونوكليوتيدى لهذا الفيروس، وينتج منه العديد من البروتينات الهيكلية والغير هيكليّة (non-structural proteins) التي تساعد في تضاعف الفيروس داخل الخلية، والباقي من الإطارات التي تتالى إلى الإطار الثامن ينتج منها خليط من البروتينات الهيكلية وغير الهيكلية التي تساهم في تضاعف الفيروس وتُتَرجم داخل الخلية فقط،  والبروتينات الهيكلية تضم الخمسة بروتينات الأساسية التي ذُكرت أعلاه، وهي بروتين (ن N ، والبروتين السطحي البارز (س S) ، ثم بروتين الغلاف (م M) ، ثم البروتين الصغير للغلاف (إي E) ، ثم بروتين الإستريز المُخَثِّر (إتش إي HE) ، ويتبيَّن أصول هذه البروتينات على المستوى الجيني في الشكل التخطيطي رقم 4.

البروتين السطحي البارز "س" أو "S"

لعلّ أهم منتجات الجينوم لهذا الفيروس هو البروتين السطحي البارز والذي يرتبط بمستقبلات الخلية القابلة للغزو الفيروسي والمعروفة باسم إيس2 (ACE2)، وهذا اختصار لمسمى (Angiotensin-Converting Enzyme 2) إنزيم تحويل الإنجيوتينسين الثاني وموجود على أسطح الكثير من الخلايا وخاصةً خلايا الجهاز التنفسي، والبروتين السطحي البارز في الفيروس مُسكَّر جداً ويتكوّن من ثلاث وحدات من عديد الببتيدات، ويبيّن الشكل رقم 5 الأبعاد الثلاثية لهذا البروتين والذي يُعتبر أهم المستضدّات (antigens) في هذا الفيروس. ولعلَّ السبب الأساسي في كون هذا الفيروس مُعدي أكثر بكثير من أقرانه وينتقل بسهولة بين البشر هو التركيبة المجهريَّة لهذا البروتين السطحي البارز، فقد نُشِرت دراسة حديثة تقول بأن هذا البروتين يرتبط بالمستقبلات الخلوية (إيس 2) بِقوّة وسُرعةٍ أكثر عشر مرّات من الفيروسات المشابهة (8)، وقد أظهرت بعض الأبحاث أن تركيبة هذا المستضد في ثلاثية أبعاده تختلف عن فيروسات البيتا كورونا الأخرى، ويوجد به موقع تنشيط (Activation site) لإنزيم الفيورين المتواجد في الخلايا والذي يزيد من قوة وسرعة ارتباطه بالمستقبلات الخلوية (9)، وهذا البروتين هو ما يتم التركيز عليه في إنتاج اللقاحات المُتَوَقَّعة في المستقبل القريب.

الخاتمة

لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الفيروس أُكتشف حديثا وأن المعلومات عنه لاتزال مبدئيّة، خاصةً تلك التي تتعلق بآلية الإمراض والعلاج واللقاحات. رغم موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام عقار ريمديسيفير وقرب إطلاق عدة لقاحات واعدة، تحتاج المعرفة العلمية إلى أبحاث مستفيضة تتطلّب وقتاً ليس بالقصير، وهذه الأبحاث تتوالى في النشر، ولكن تصنيف وتركيب الفيروس متَّفَقٌ عليه علمياً، ولذلك فما وَرَدَ في هذا السرد يُعتبر أساسيّات واقِعِيَّة حقيقيّة، وفي هذه الأيام يتم التركيز على الاحتياطات والاحترازات التي تساهم في تحجيم انتشار الفيروس.

المراجع

  1. Lam TT, Shum MH, Zhu HC, et al. (2020) Identifying SARS-CoV-2 related coronaviruses in Malayan pangolins. Nature 583: 282–285.
  2. COVID-19 Coronavirus pandemic (2020) https://www.worldometers.info/coronavirus/ Accessed 28 August 2020.
  3. Al-Qahtani AA. (2020) Severe acute respiratory syndrome coronavirus 2 (SARS-CoV-2): Emergence, history, basic and clinical aspects. Saudi Journal of Biological Sciences doi: 10.1016/j.sjbs.2020.04.033.
  4. Wang L, Wang Y, Ye D, Qingquan L. (2020) Review of the 2019 novel coronavirus (SARS-CoV-2) based on current evidence. International Journal of Antimicrobial Agents doi: 10.1016/j.ijantimicag.2020.105948.
  5. Phan T. (2020) Genetic diversity and evolution of SARS-CoV-2. Infection, Genetics and Evolution doi: 10.1016/j.meegid.2020.104260.
  6. Feng W, Song W, Wang F, Ju S. (2020) Severe acute respiratory syndrome coronavirus 2 (SARS-CoV-2): a review. Molecular Cancer  https://doi.org/10.1186/s12943-020-01218.
  7. Wu F, Zhao S, Yu B, et al. (2020) A new coronavirus associated with human respiratory disease in China. Nature 579: 265–269.
  8. Wrapp D, Wang N, Corbett KS, et al. (2020) Cryo-EM structure of the 2019-nCoV spike in the perfusion conformation. Science 367: 1260-1263.
  9. Anderson KG, Rambaut A, Lipkin WI, et al. (2020) The proximal origin of SARS-CoV-2. Nature Medicine 26: 450-452.

 


 

  • محمد نورين بن أحمد الأهدل
    أستاذ وعالم أبحاث رئيس، علم الأحياء الدقيقة والمناعة
    استشاري علوم المناعة
    مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض – المملكة العربية السعودية

 

البريد الإلكتروني للكاتب: profahdal@gmail.com

 

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
06/27/2021 11:17 مساءً
عنوان التعليق
هل يمكن علاج كورونا بانزيمي تربسين وكيموتريبسين
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x