تجري الاستعانة بالعديد من تقنيات الصحة الرقمية في مجال طبّ الطوارئ. تلقي هذه المقالة نظرةً عن كثب لطبيعة هذه التقنيات وطرق استخدامها، والتي تجعل من الممكن معالجة الحالات الطبية الطارئة بسرعةٍ وكفاءة أكبر من أي وقت مضى.
حوادث السيارات والإصابات المنزلية والحرائق والكوارث الطبيعية وغيرها تحدث بشكل دائم. وكل دقيقةٍ، إن لم يكن كلّ ثانية يقضيها الأفراد دون علاجٍ في مثل هذه الحالات الطبية الطارئة، يمكن أن تقلّل من فرصة البقاء على قيد الحياة أو التعافي الملائم. والواقع، أنّ الضرر الدائم الذي يلحق بالمخ يبدأ بعد 4 دقائق فقط عندما يُحرم من الأكسجين، بينما يمكن أن تحدث الوفاة بعد 4 إلى 6 دقائق. وفي هذا السباق مع الزمن، يمكن لتقنيات الصحة الرقمية أن تغيّر قواعد اللعبة بالنسبة للمسعفين الأوائل لهذه الحالات، وكذلك لوحدات الطوارئ. ومن السيارات الذاتية القيادة، إلى الطائرات بدون طيار التي تسمّى أيضًا بـ "الروبوتات الطائرة"، تعمل التكنولوجيا على تعزيز طب الطوارئ. من خلال هذه المقالة، سنتناول ماهية أبرز هذه التقنيات وكيفية الاستعانة بها في الرعاية بهذا المجال، حتى نستطيع تقدير التطوّر الحاصل بشكلٍ أفضل.
الخوارزميات
مع تأثير الذكاء الاصطناعي على الرعاية الصحية من اكتشاف وصناعة الأدوية، والمساعدة في التشخيص وغيرها، تجد هذه التقنية أيضًا موطئ قدمٍ لها في قسم الطوارئ. وعلى سبيل المثال، تستخدم منظمة الإسعاف الوطني في المجر (هنغاريا)، الحلول الذكية في الخدمات اللوجستية وتخصيص القدرات في عملياتها اليومية، حيث يجري التعامل مع كمياتٍ هائلة من البيانات نتيجة 3000 حالة طوارئ يومية، لذلك تشكّل الخوارزميات الحلّ المنطقي لجمع البيانات والاستفادة منها في عمليات تنبئية مبنية على الاحتمال الاحصائي كالأماكن الأكثر ترجيحًا لحوادث السير أو الطرقات التي تشهد حركة كثيفة، ويتمّ نشر سيارات الإسعاف في المحيط. وبالمثل، قدّمت شركة البرمجيات "Hexagon" في العام الجاري 2020، حلًّا ذكيًّا لخدمات الطوارئ، من خلال نظامٍ خوارزمي يعمل على التنقيب عن البيانات التشغيلية وتحليلها في الوقت الفعلي لاكتشاف الأنماط وتحديد الأحداث الرئيسية فور حدوثها، ما يتيح لفِرق الطوارئ الاستجابة والتنسيق بشكلٍ أسرع.
التطبيقات
وفقًا لبعض التحليلات، فإنّ ما يصل إلى 80% من الأخطاء السريرية ترجع إلى سوء التواصل بين أفراد الطاقم الطبي. وفي حالات الطوارئ، ينبغي تقليل مثل هذه الأخطاء قدر الإمكان، ويمكن للبرامج الجديدة المساعدة في ذلك. ويسمح تطبيق الهاتف المحمول "Pulsara" للمسعفين بتنبيه قسم الطوارئ والاستعداد مسبقًا قبل وصول المريض للمشفى. ولا يتمّ ذلك عن طريق حساب الوقت التقديري للوصول استنادًا إلى نظام تحديد المواقع (جي بي إس) فحسب، بل أيضًا من خلال السماح للمستخدمين بمشاركة تفاصيل حيوية مهمة مثل تخطيط القلب وغيرها. حتى أنّ هناك دراسات أشارت إلى انخفاض متوسط وقت العلاج بنحو 30% عند استخدام هذا التطبيق. ونذكر أيضًا تطبيق "Full Code Pro" وهي أداة تتبّع الإنعاش القلبي في الوقت الفعلي، تسمح لموفّري الرعاية الصحية بتوثيق التدخلات الحرجة بسرعةٍ أثناء تنفيذ الإنعاش. ويمكن مراجعة الوثائق التي تمّ جمعها في وقتٍ لاحق، حتى يتمكن الفريق من التعلّم من البيانات التي تمّ جمعها أيضًا.
الطائرات بدون طيار
تمتلك الطائرات بدون طيار إمكاناتٍ كبيرة في نقل الأدوية أو اللقاحات أو المساعدة الطبية بمعدّلات أسرع من البرّ. وفي رواندا بأفريقيا، تقدّم شركة "Zipline" الإمدادات الطبية للمستشفيات عبر هذه الطائرات كجزءٍ من نظام الرعاية الصحية المحلي. وتتيح هذه الطريقة لمرافق الرعاية الصحية تلقّي حزم الدم في حالات الطوارئ في غضون دقائق، بدلاً من ساعات. ومع انتشار جائحة "كوفيد 19"، وسّعت الشركة خدماتها لتوصيل الإمدادات الطبية ومعدات الوقاية الشخصية، بدون أي تلامس تمامًا. وكذلك هناك إمكانيات لهذه الطائرات في إعداد رعاية الطوارئ، وهي توصيل أجهزة صدمات القلب الكهربائية، مباشرةً للأشخاص الذين قد يتعرضون لأزمةٍ قلبية فجائية، وهي أجهزة لفحص قلب المريض وتوفير صدمة كهربائية في حال توقّف القلب عن النبض بشكلٍ طبيعي. وقد دخلت حيّز التجربة بالفعل في دول مثل كندا والسويد وحملت نتائج واعدة، حيث وصل الجهاز إلى المريض في غضون ربع الوقت الذي استغرقته سيارة الإسعاف للوصول. ومع ذلك، لا يزال استخدامها محدود نسبيًّا، لكن من المتوقع أنه سيكون لها حضورها بشكلٍ فاعلٍ في المستقبل.
النقل والسيارات ذاتية القيادة
يشكّل الافتقار لوسائل النقل المناسبة عائقًا كبيرًا يحول دون الوصول إلى الرعاية الصحية حول العالم. ففي كل عام، يفقد ما يصل إلى 3.6 مليون شخص موعد الطبيب بسبب سوء خدمات النقل. ولكن مع خدمات نقل الركاب مثل "أوبر"، فإنّ مشكلات النقل في مجال الرعاية الصحية من الممكن أن تصبح شيئًا من الماضي. وقد جرى إطلاق خدمة "أوبر هيلث" وهي خدمة للنقل الطبي غير الطارئ، ومؤخّرًا بدأت الخدمة تتوسّع لتشمل توصيل الوصفات الطبية. كما تفرّعت شركات ناشئة أخرى مثل "Veyo" لمساعدة المرضى على الوصول إلى المستشفيات بطريقةٍ آمنة وموثوقة. ولا ينبغي أن نغفل السيارات بدون سائق والتي تحمل تطلّعات كبيرة بإمكانية تحويلها إلى نقاط رعايةٍ صحية. وقد تؤدي هذه التقنية إلى تخفيف بعض الضغط عن خدمات الطوارئ، حتى يتلقّى المرضى رعاية أفضل. وبالفعل، تفكّر بعض الحكومات في استخدام هذه النوع من السيارات للإسعاف، حيث ستعمل كـ "سيارات أجرة طبية"، كما أنّها سوف تلتقي المرضى من ذوي المخاطر المنخفضة لتنقلهم إلى أقرب مستشفى أو عيادة للعلاج. ومع إدخال هذه الآليات للخدمة، سيقلّ بشكلٍ كبير الحاجة إلى المسعفين والضغط عليهم للاستجابة لكلّ مكالمة.
وبالخلاصة، إنّ تقنيات الصحة الرقمية لن تساعد المرضى على تلقّي الرعاية بسرعةٍ أكبر، وبطريقةٍ أكثر فاعلية فحسب، بل يمكنها أيضًا دعم وحدات رعاية الطوارئ للتعامل مع المواقف بشكلٍ أكثر أمانًا وثقة. ومع تبنّي هذه الأدوات على نطاقٍ واسع، سيكون بإمكان مرضى الحالات الحرجة الحصول على المساعدة في الوقت المناسب، وهذا ما لم يكن ممكنًا في الماضي.
المراجع
- Bailey, M. (2016). Communication failures linked to 1,744 deaths in five years, US malpractice study finds. Available at: https://bit.ly/3naEoki
- Davenport, T., & Kalakota, R. (2019). The potential for artificial intelligence in healthcare. Future healthcare journal, 6(2), 94–98. Available at: https://bit.ly/36taDVZ
- Forman, L. (2019). Doctor Visits Could Provide Relief to Uber and Lyft. Available at: https://on.wsj.com/2SqMhnm
- Howard, J (2017). How drones could be 'lifesaving' in an emergency. Available at: https://cnn.it/2SnZMnW
- Lance Eliot, L. (2020). Newest Trend: Combining HealthTech with AI Self-Driving Cars for an Upcoming Boon in Our Health and Wellness. Available at: https://bit.ly/2EX2Jcb
- Lewis, N. (2020). A tech company engineered drones to deliver vital COVID-19 medical supplies to rural Ghana and Rwanda in minutes. Available at: https://bit.ly/30x598R
- Medline Plus (2019). CPR – adult and child after onset of puberty. Available at: https://bit.ly/2SkiU6r
- Reaganon, J. (2020). Drone Delivery Canada Launches Medical Supply Mission. Available at: https://bit.ly/36wHoS6
- Santhanamm, V. (2020).How drones could change the future of healthcare delivery. Available at: https://bit.ly/34jJEcS
- Shepard, K. (2017). In the future your ambulance could be driverless. Available at: https://bit.ly/2GxcMoC
- Trigub, D. (2020). Uber Health expands to include prescription delivery. Available at: https://ubr.to/3jFa4fH
- UK Parliament (2017). Connected and Autonomous Vehicles: The future. Available at: https://bit.ly/3jv680W
البريد الإلكتروني للكاتب: mohamadmaaz1991@gmail.com