مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

روبرت غودارد رائد صناعة الصواريخ الذي جعل عصر الفضاء ممكنا

الكاتب

الكاتب : الصغير محمدالغربي

صحفي علمي

الوقت

03:18 مساءً

تاريخ النشر

05, أكتوبر 2020

يعلم الجميع أن الصاروخ لا يمكن أن ينتقل في فراغ، لأنه لا يوجد شيء يمكن الدفع منه. لا يبدو أن غودارد يمتلك حتى المعرفة الأساسية بالمدرسة الثانوية “.

هكذا علقت صحيفة نيويورك تايمز ذات شتاء قبل مائة عام على إحدى التجارب التي قام بها روبرت غودارد لإطلاق الصواريخ والتي كان يسعى بواسطتها إلى الوصول يوماً ما إلى القمر . استقبلت وسائل الإعلام والمجتمع العلمي أخبار تجارب روبرت غوارد بسخرية وازدراء، لكن المهندس الفذّ تمسك بنظرياته الثورية، بمقاييس ذلك الوقت، وهو ما مهد لبداية عصر الفضاء بعد ذلك بحوالي أربعة عقود.

يعتبر روبرت هتشينغز غودارد  رائدا في مجال الصواريخ الحديثة ومؤسس مجالاً كاملاً من العلوم والهندسة. ولد في ورسسترWorcester  في ماساتشوستس في الخامس من أكتوبر عام 1882. تخرج من معهد ورسستر للفنون التطبيقية في عام 1908 وحصل على دكتوراه في الفيزياء من جامعة ورسيستر التقنية في عام 1911. وحصل على الزمالة في جامعة برينستون في عامي 1912 و 1913 ثم التحق بهيئة التدريس في جامعة كلارك، حيث أصبح أستاذاً عام 1919.

بدافع من قراءة الخيال العلمي في طفولته، أصبح غودارد متحمسًّا لفكرة استكشاف الفضاء. عندما كان شاباً في عام 1901، كتب ورقة قصيرة بعنوان “ملاحة الفضاء”، برهن فيها أن الحركة في الفضاء (الفراغ) يمكن أن تحدث بإطلاق عدة مدافع، مرتبة بحيث يطلق الأكبر منها الأصغر كقذيفة. وفي عام 1907، كتب ورقة أخرى حول إمكانية استخدام المواد المشعة لدفع صاروخ عبر الفضاء بين الكواكب. أرسل هذا المقال إلى عدة مجلات، لكن الجميع رفضوه.

كان لدى غودارد  عقل فضولي بشأن القيام برحلات الفضاء من خلال قراءة وكتابة قصص الخيال العلمي. من ذلك وصفه وهو لايزال طالبا جامعيا في قصة قصيرة للخيال العلمي، لنظام سكك حديدية بين مدينتي بوسطن ونيويورك تسير عليها القطارات في فراغ تحت تأثير مجال كهرومغناطيسي وأتمت رحلتها في 10 دقائق.

لكن غودارد لم يكتفِ بمجرد التخيل، بل كرّس حياته لتحقيق بعض أفكاره على أرض الواقع، فأجرى وهو طالب دراسات عليا في الفيزياء، اختبارات لإطلاق صواريخ صغيرة تعمل بالوقود الصلب. وفي عام 1912 طور النظرية الرياضية التفصيلية لدفع الصواريخ. ولم يحل عام 1915 إلا وفي رصيده براءتي اختراع، كانت الأولى لصاروخ يستخدم وقودا صلبا وسائلا، والأخرى لصاروخ متعدد الطوابق. كما أثبت أن المحركات الصاروخية يمكن أن تنتج قوة دفع في الفراغ وبالتالي تجعل رحلة الفضاء ممكنة.

بعد الحرب العالمية الأولى، أصبح غودارد أستاذًا للفيزياء في كلية كلارك في ورسيستر  حيث حوّل انتباهه إلى الدفع الصاروخي السائل باستخدام الأكسجين والبنزين.  فنشر عام 1919 بحثه حول طريقة للوصول إلى الارتفاعات القصوى. كما توصل إلى تحديد السرعة الدنيا التي تمكن أي جسم من الإفلات من جاذبية الأرض وهي 11.2 كيلومترًا في الثانية (في غياب مقاومة الهواء)، والاتجاه إلى الفضاء السحيق، أو نحو الأجرام السماوية الأخرى. وأصبحت هذه القيمة معروفة فيما بعد باسم  “سرعة الهروب من الأرض”. كما دافع عن فكرة أن البشر يمكنهم الوصول إلى القمر باستخدام هذه التقنيات.

أصبحت هذه الأفكار نكتة مفضلة لأولئك الذين اعتقدوا أن رحلة الفضاء إما مستحيلة أو غير عملية. فسخر البعض من أفكار المهندس الشاب في الصحافة الشعبية، مما تسبب في جعل غودارد  الخجول بطبعه أكثر خجلاً من ذي قبل.

كانت صحيفة نيويورك تايمز قاسية بشكل خاص في انتقاداتها، فكتبت افتتاحية في يناير 1920 اتهمته فيها جهل القوانين الأساسية للفيزياء (قوانين نيوتن للحركة) مشيرةً إليه على أنه حالم لا صحة لأفكاره علمياً. كما قارنت نظرياته بتلك التي قدمها الروائي جول فيرن، مشيرة إلى أن مثل هذا التأمل “مقبول بما فيه الكفاية بالنسبة له كرجل رومانسي، لكن لا يمكن تفسيره بسهولة عندما يصدر عن عالم وهو ليس كذلك

دفعت هذه الدعاية السلبية غودارد  إلى أن يصبح أكثر سرية وعزلة، لكنه لم يوقف عمله، ففي 16 مارس 1926 ، بالقرب من أوبورن في ماساتشوستس، أطلق غودارد  صاروخه الأول، وهو مركبة تعمل بالأكسجين السائل والبنزين، ارتفعت 61 مترا في الجو في 2.5 ثانية. ورغم أن هذا الحدث بشّر ببداية العصر الحديث للصواريخ، فإن بعض الصحف التي أطلقت عليه من باب السخرية لقب “رجل القمر” تناولت تجربته بشكل ساخر ضمن الأحداث الطريفة، فكتبت صحيفة محلية الخبر تحت عنوان “أول تحليق لصاروخ يعمل بالوقود السائل تم أمس في مزرعة العمة إيفي”.

لكن غودارد مضى قُدماً في تجربة الصواريخ والوقود، فكان الإطلاق المذهل في 17 يوليو 1929 ، عندما طار صاروخه بأول حمولة آلية وهي عبارة عن  مقياس الضغط ومقياس الحرارة  وكاميرا (لتسجيل القراءات). غير أن الإطلاق فشل، فعلى ارتفاع حوالي 30 مترا، استدار الصاروخ وضرب الأرض مما تسبب في نشوب حريق أدى إلى منع غودارد  من إجراء مزيد من الاختبارات في ماساتشوستس.

طبعا لم يسلم غودارد من السخرية هذه المرة أيضا رغم أهمية هذه التجربة في تاريخ تصنيع الصواريخ، فقد عنونت  صحيفة Worcester  خبر تجربته “صاروخ قمري أخطأ الهدف بمقدار 238799 ميل ونصف فقط“.

في عام 1927 شهد العالم حدثاً كبيراً تمثّل في عبور المحيط الأطلسي بين مدينتي نيويورك وباريس قام به الطيار تشارلز أ. ليندبيرغ الذي أصبح بطلاً قوميا في الولايات المتحدة. يشاء الله وتجري الأقدار أن يطلع ليندبيرغ على أخبار تجارب غودارد  فأعجب بعمله بما يكفي لإقناع رجل الأعمال الذي موّل رحلته عبر الأطلسي بمنح غودارد 50 ألف دولار مكنته من إنشاء محطة تجريبية في منطقة معزولة بالقرب من روزويل  في ولاية نيو مكسيكو.

هناك بنى غودارد صواريخ أكبر وطور العديد من أفكاره التي أصبحت الآن من المبادئ الأساسية في مجال الصواريخ. وقام بتصميم غرف الاحتراق بالشكل المناسب، وطور عملية حرق البنزين بالأكسجين بطريقة يمكن من خلالها استخدام الاحتراق السريع لتبريد جدران الغرفة.

خلال الفترة الممتدة بين عامي  1930 و1941 ، قام غودارد بإطلاق صواريخ أكثر تعقيدا وذات قدرة متزايدة. فطوّر أنظمة التوجيه باستخدام جهاز يشبه الدفة لتشتيت العادم الغازي، واستخدم أجهزة الجيروسكوب للحفاظ على توجيه الصاروخ في الاتجاه الصحيح. ووصف غودارد  العديد من نتائجه  في دراسة بعنوان تطوير الصواريخ بالوقود السائل أصدرها عام 1936 . وكان الإطلاق الناجح لصاروخ على ارتفاع 3000 متر في عام 1941 تتويجاً لهذا الجهد الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود.

في أواخر عام 1941 ، دخل غودارد  الخدمة البحرية وقضى فترة الحرب العالمية الثانية في تطوير صاروخ لمساعدة الطائرات على الإقلاع  في المدرجات القصيرة . ومهّد بذلك لظهور الطائرات ذات المحركات النفاثة التي كسرت حاجز الصوت عام 1947.

لكن غودارد  لم يعش ليرى ذلك، فقد توفي في بالتيمور بولاية ماريلاند في 10 أغسطس 1945.

لقد أنجز غودارد الكثير متجاوزاً كل العقبات التي واجهته مجسماً قولته الشهيرة “من الصعب قول ما هو المستحيل، لأن حلم الأمس هو أمل اليوم وحقيقة الغد”.  لكن بسبب تواضعه، لم يسمع معظم الناس عن إنجازاته خلال حياته. وعندما تم إحضار خبراء الصواريخ الألمان إلى الولايات المتحدة بعد الحرب وأثناء استجوابهم بشأن الصواريخ، اقترحوا التحدث إلى غودارد، الرائد في هذا المجال. لم يستطع المسؤولون الأمريكيون فعل ذلك لأن غودارد كان قد مات بالفعل وتم إغفال إنجازاته. وفي عام 1960، اعترفت الحكومة الأمريكية بأعمال غودارد عندما منحت وزارة الدفاع ووكالة الفضاء والطيران (ناسا) مليون دولار لورثته مقابل استخدام 214 براءة اختراع في مجال الصواريخ.

جاء اعتذار الصحافة متأخراً أيضا، فقد نشرت صحيفة نيو يورك تايمز قبل أيام قليلة من الهبوط على سطح القمر عام 1969 هذه السطور “أكدت المزيد من التجارب والأبحاث نتائج إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر، وأظهرت بشكل قاطع أنه يمكن للصاروخ أن يتحرك في الفراغ وكذلك في الغلاف الجوي. نيويورك تايمز تأسف للخطأ “.

المصادر

البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x