ضمن إنجازات مشروع إعداد أطلس الخلايا البشري Human Cell Atlas (HCA)، نجح علماء معهد هوارد هيوز الطبي من الوصول إلى أول أطلس لخلايا القلب البشرية، وهي مجموعة من الخرائط التي تظهر ما يقرب من نصف مليون خلية قلب وتحدد دور كل منها، وذلك وفقا للدراسة التي نشرت مؤخرا في الدورية العلمية نيتشر .
ووفقا للبيان الصادر عن معهد هوارد هيوز الطبي فإن عملية رسم خارطة لخلايا القلب البشري تهدف إلى فهم الخلل الذي يحدث في أشكال مختلفة من أمراض القلب.
وكان العلماء قد استندوا عند وضعهم أطلس القلب، إلى الأبحاث التي أجروها على 6 مناطق من 14 قلب بهدف إنشاء قاعدة بيانات مفصّلة توفر أساساً جديداً لدراسة أمراض القلب، والتي تُعد السبب الرئيس للوفاة في أنحاء العالم كافة.
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة كريستين سيدمان أستاذة علم الوراثة والطب في كلية الطب بجامعة هارفارد ومديرة مركز علم الوراثة القلبية الوعائية في بريغهام ومستشفى النساء في البيان الصادر عن معهد هوارد هيوز الطبي: "إن مهمة ذلك الأطلس هو وضع أساس مرجعي لحالة القلب السليم".
أيضا قال طبيب القلب دوجلاس مان من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، والذي لم يشارك في الدراسة: "يمكنني تلخيص أفكاري في كلمة واحدة: (ضخمة)، فأنا أعتقد أنه إنجاز كبير حقًّا وسيكون مصدرًا مرجعيًّا هائلاً في هذا المجال.
ووفقا للبيان الصادر عن معهد هوارد هيوز الطبي فإنه وخلال الفترات الماضية أثبتت خلايا القلب صعوبة دراستها على عكس بعض الخلايا السرطانية والأنسجة الأخرى، حيث إنه لا توجد خلايا قلب يمكن زراعتها في المختبر لدراستها، وبدلاً من ذلك، يتم إجراء الكثير من الأبحاث الخاصة بالقلب باستخدام الفئران، التي تمتلك قلوبها اختلافات مهمة وجوهرية عن قلوب البشر.
وقد يصعب العثور على قلوب بشرية سليمة، إذ يُستخدم معظمها في عمليات الزرع، بينما اعتمد فريق سايدمان على حالات غير عادية تم فيها رفض القلب السليم للزرع بسبب صعوبات تتعلق بالمتلقي، وجمّد الباحثون تلك القلوب لاستخدامها في بحثهم.
وأضاف البيان "في هذه الدراسة استخدم الباحثون طريقة تسلسل عالية الإنتاجية لتحديد الخصائص الفردية لكل خلية في كل قلب، ثم رسموا خرائط لهذه الخلايا في ست مناطق من أربعة عشر قلباً بشرياً، سبعة منها لرجال وسبعة لنساء.
وفي هذا الصدد تقول سايدمان: "للمرة الأولى، أصبح لدينا ما يُشبه الرمز البريدي لكل خلية لمعرفة المجموعة التي تنتمي إليها"، حيث قام الفريق العلمي بتحليل مستويات الحمض النووي الريبي لخلايا القلب، باستخدام الواسمات الفلورية (وهي مجموعة من المواد الكيميائية التي تُحدث علامات مرئية في الحمض النووي) لجمع التفاصيل الجزيئية لوظائفها.
ولم يحدّد الباحثون في هذه الطريقة، مكان وجود الخلايا فقط، بل أيضاً البروتينات التي تنتجها، وهو أمر له فوائد كبيرة في البحث العلمي، حيث يمكن من خلاله مقارنة الخلايا في القلوب المريضة بتلك الموجودة في القلوب السليمة، ليتمكن الباحثون من تحديد الاختلافات واستهداف علاجات جديدة لأمراض القلب.
ويضيف البيان أنه وعلى الرغم من أن الباحثين درسوا مجموعة صغيرة نسبياً من القلوب، إذ لا يُمكن لـ14 قلباً محاكاة قلوب سكان العالم بأكملهم، إلا أن الأطلس كشف عن بعض المفاجآت البيولوجية، حيث وجد فريق البحث، تنوعاً خلوياً لم يكن معروفاً سابقاً في أجزاء مختلفة من القلب، كما كشف عن الفروق بين القلوب السليمة للذكور والإناث، إذ تمتلك الإناث نسبة أكبر من خلايا عضلة القلب مقارنة بالذكور، وهذا أمر يستدعي المزيد من البحث، لأن هذه الخلايا قد تحمل أدلة على الاختلافات في أمراض القلب بين الجنسين.
الجدير بالذكر أن مشروع إعداد أطلس الخلايا البشري كان قد انطلق في مؤتمر علمي خاص عقد في أكتوبر 2016 في العاصمة البريطانية لندن وبمشاركة أكثر من ألف عالم يمثلون 584 مؤسسة من خمسة وخمسين بلدا تحت إشراف الاتحاد الدولي المتعدد الذي يؤسس أطلس الخلايا البشرية.
ويهدف هذا المشروع الذي من كان من المتوقع أن يستغرق إكماله أكثر من عشرة أعوام، إلى رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لكيفية عمل أنواع الخلايا معاً لتشكيل الأنسجة، ومعرفة طرق اتصال كافة أنظمة الجسم، وإلقاء نظرة ثاقبة على كيفية التغييرات التي تطرأ عليها وتُسبب الصحة والمرض، وكذا تحديد الجينات المرتبطة بالأمراض النشطة في أجسامنا، وتحليل الآليات التنظيمية التي تحكم إنتاج أنواع الخلايا المختلفة.
وحينها قسم العلماء العمل بينهم طيلة السنوات الماضية، حيث عمل بعضهم على إنشاء أطلس لخلايا المخ، والبعض الآخر اهتم بالمعدة، فيما اهتم علماء من معهد هوارد هيوز الطبي، وجامعة هارفارد، بالعمل على (أطلس القلوب).
المصادر
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com