"يجب أن تقدم الفيزياء كأبسط ما يمكن، وليست كأبسط شيء". ألبرت آينشتاين
لطالما كانت الفيزياء تمثل عقدة هائلة لمعظم الطلبة في مراحل الدراسة، ولطالما كانت تلك المادة التي يرونها تعج بألغاز كثيرة ومسائل صعبة، وتحوي معادلات معقدة ورموزا عديدة، ومن ثم كان تجاوز تلك المادة بأي درجة يمنحها المدرسون فرحة لاتعادلها فرحة، ونجاحا لا يقدر بثمن!.
لكن، هل الفيزياء بتلك الصعوبة التي تخيلها أولئك الطلبة، وبذلك التعقيد الذي يبقيها مادة مغلقة على الأذهان، عصية على الفهم والإدراك، إلى الحد الذي جعل آينشتاين يقول قولته المشهورة: "يجب أن تقدم الفيزياء كأبسط ما يمكن، وليست كأبسط شيء"؟ الجواب يحتمل السلب والإيجاب. والسبب في ذلك أن هنالك أمورا عدة ترتبط بذلك، وأهمها كيفية تقديم تلك المادة، وأساليب التدريس المتبعة، وقدرة المدرس على التبسيط والتوضيح.
ويأتي كتاب (في مديح الفيزياء البسيطة.. العلم والرياضيات الكامنان وراء التساؤلات اليومية) الصادر عن شركة التقدم العلمي للنشر (إحدى شركات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي) ليزيل تلك الغشاوة الكبيرة الجاثمة على تلك المادة، وتلك الضبابية التي تغلف معادلاتها ورموزها، ويفكك الطلاسم التي تنسب إليها.
والكتاب الذي ألفه الدكتور بول جاي ناهن وترجمته مي بورسلي ونشرته الشركة قبل عدة أسابيع، يقع في 240 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 23 فصلا تناول كل منها مسألة محددة أو "لغزا" محيرا، واختتم بملحق تضمن توضيحا مبسطا لعدد من الإشكاليات التي ترد في الفيزياء.
خليط رائع لمكونات متنوعة
في استهلال الكتاب الذي كتبه الدكتور تي إم هيليويل أستاذ الفيزياء في كلية هارفي ماد بكلاريمونت في كاليفورنيا تُطرح رؤية من خبير متخصص حول كيفية تبسيط الفيزياء من جهة، وموضوعات الكتاب من جهة أخرى. ويرى أن الفيزياء خليط رائع من مكونات متنوعة، وأن تعلمها وتعليمها وجهان لعملة واحدة، وأن هذا الكتاب يُظهر بعض المسائل المثيرة حقا لتطبيق المبادىء البسيطة في الفيزياء على الحالات الخاصة المتنوعة والأسئلة والألغاز. ويشيد بما تضمنه من أمثة مسلية ولطيفة، ومدهشة في بعض الأحيان، ليأخذ القارىء في رحلة يستمتع فيها في خوض غمار فصول الكتاب وموضوعاته.
أما المؤلف فيرى في مقدمته أنه اختار عددا من موضوعات الفيزياء ليضمنها في كتابه معبرا من خلالها عن "الفيزياء اليومية". وكان أحد أهدافه الرئيسية من الكتاب هو دحض معتقد سائد وخاطىء تماما؛ الرياضيات مجموعة من النظريات الرياضياتية، والإثباتات وجداول الضرب المملة، لذا لن ينتج عنها معرفة جديدة بل تكرار للمعنى، وطريقة مزينة لأن تقول:" الدوران في حلقة". ثم يقول: أعتقد أنك ستجد في كل فصل من فصول الكتاب أي شيء ما عدا الدوران في حلقة. ويركز المؤلف على أهمية الرياضيات في فهم الفيزياء واستيعابها، لذا يبدأ الفصل الأول من الكتاب بعنوان (كيف هي رياضياتك؟).
عوالم الألغاز
فصول الكتاب تأخذ القارىء إلى عوالم متنوعة؛ فهنالك معضلة الإشارة الضوئية، ولعبة دوامة الخيل، وفيزياء تكدس الكتب، وطاقة المياه المتحركة، ومسألة صعود السلم عموديا، وكيفية التقاط كرة البيسبول، والسفر السريع في أنبوب عبر الدائرة العظيمة، وقذف الجسد في الفضاء، ومسار ركل الكرة، وكيف تطفو بعض الأشياء، وخطأ نيوتن في حساب الجاذبية.
وفي الفصل الأول يتطرق الكاتب إلى عدة أمثلة على نوع الرياضيات التي سنواجهها في أسئلة (الفيزياء البسيطة) التي قد تحدث في الحياة العادية. ويقول مخاطبا القارىء: "إن السؤال الأساسي الذي يجب أن تسأله لنفسك عند قراءة كل مثال هو: هل أفهم الحجج؟ إذا كنت تستطيع أن تقول نعم، حتى لو لم تتمكن في البداية من حل السؤال بالتحليل المفصل لنفسك، فإن فهمك كاف للكتاب".
ثم يمضي الكاتب في فصوله المتنوعة، فيسلط الضوء في كل منها على مسألة من المسائل المعقدة، ويطرحها بأسلوب بسيط ومشوق، ويشرحها شرحا وافيا ميسرا، مع وضع عدد من المعالات الرياضياتية التي تسهم في تبسيط الحل وفهم المعضلة. ويسرد الكاتب ذلك في أسلوب حواري وفكاهي مشوق، بحيث يجذب انتباه قارئه، ويجعله ينتقل من فقرة إلى أخرى بسلاسة يندر أن نجدها في كتاب الفيزياء.
ينتقل القارىء في رحلته في الكتاب من موضوع إلى آخر ليرى تعقيد الفيزياء يتفكك شيئا فشيئا، فيبدأ فهم مسائلها، وحل ألغازها، وإدراك رموزها، وانقشاع ضبابية معادلاتها. رحلة مشوقة تنتهي باستمتاع لا حدود له.
البريد الإلكتروني للكاتب: badran64@hotmail.com