في التاسع من شهر سبتمبر / أيلول الجاري 2020 نشرت دورية نيتشر دراسة علمية قد تكون الأولى من نوعها، حيث قام باحثون في جامعة مينيسوتا الأمريكية، بإجراء قياسات عالمية بالأقمار الاصطناعية باستخدام مسبار الأشعة تحت الحمراء عبر المسار The Cross-track Infrared Sounder (CrIS) لقياس تأثير إحدى أهم المواد الكيميائية التي تؤثر على الغلاف الجوي للأرض، وهي المركب الكيميائي الأيزوبرين Isoprene وهو هيدروكربون طبيعي ينبعث في الغلاف الجوي بكميات هائلة تُقدر بحوالي 500 مليار كيلوغرام في السنة من النباتات والأشجار.
ويضع هذا البحث أساسًا لدراسات متعددة السنوات لفحص تغيرات الأيزوبرين الموسمية إلى ما بين السنوات وتأثيراتها على الغلاف الجوي العالمي.
كما يمكن أيضًا استخدام هذه المعلومات الجديدة المستمدة من قياسات الأقمار الصناعية لتحسين النماذج الجوية الحالية، بهدف التنبؤ بجودة الهواء بدقة أكبر في مناخ متغير.
يعتبر المحيط الحيوي أو الغلاف الحيوي للأرض Earth's biosphere هو الحيز الذي يبلغ سمكه نحو أربعة عشر كيلو متراً والذي توجد به الحياة ويمتد من أكبر عمق توجد به الحياة في البحار إلى أعلى ارتفاع توجد عليه الحياة في الجبال، ويشمل الغلاف الحيوي للأرض أجزاء من القشرة الأرضية والطبقات السفلى من الغلاف الهوائي، كما أنه يمتد إلى أعماق البحار (الغلاف المائي). ووحدة بناء الغلاف الحيوي هو النظام الإيكولوجي، ومن أمثلة النظم الإيكولوجية: الغابة والصحراء والواحات والبحار والأنهار.
ويتعرض الغلاف الجوي للأرض لعدد من الملوثات الصادرة من الأنشطة البشرية والتي أدت إلى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري وهي المسئولة عن ارتفاع حرارة جو الأرض والتغيرات المناخية التي أدت إلى عدد من الكوارث.
وفي الوقت الذي تساهم النباتات في تنقية الجو من ثاني أكسيد الكربون في عملية التمثيل الضوئي نجد أيضاً، أن بعض المركبات الكيميائية التي تطلقها النباتات قد تعمل على تنقية الغلاف الجوي من خلال بعض تفاعلاتها الكيميائية، ومنها مركب الأيزوبرين الذي يعد متفاعلًا كيميائيًا، والذي بمجرد وصوله إلى الغلاف الجوي، يتحد مع الملوثات التي تؤثر سلبًا على جودة الهواء. حيث يتفاعل الأيزوبرين أيضًا مع عامل مؤكسد الغلاف الجوي الرئيسي جذر الهيدروكسيل Hydroxyl radical، هو جزيء صيغته الكيميائية ⁻OH يتألف من ذرة هيدروجين وذرة أوكسجين مع إلكترون غير مزاوج. وهذا الجذر يتفاعل بسهولة مع الميثان والهيدروكربونات الأخرى في الغلاف الجوي. ويمكن أن تبدأ التفاعلات التي يشارك فيها الأوكسجين والجزيئات الأخرى المتواجدة في طبقة التروبوسفير. كما تعمل جذور الهيدروكسيل على التقليل من قدرة الغلاف الجوي على تنظيف نفسه من الملوثات وغازات الاحتباس الحراري.
ينظر العلماء إلى نماذج الغلاف الجوي للتنبؤ بتكوين الغلاف الجوي الحالي والمستقبلي ونوعية الهواء، وكذلك لتشخيص قدرة الغلاف الجوي على إزالة غازات الدفيئة وملوثات الهواء. لكن معدلات انبعاث الأيزوبرين غير مؤكدة إلى حد كبير بسبب القياسات الأرضية المتفرقة، كما أن العلماء غير متأكدين من مدى تأثير الأيزوبرين في قمع أو الحفاظ على وفرة جذور الهيدروكسيد في الغلاف الجوي.
ولكن مؤخرا ومن خلال هذا البحث طوّر الباحثون أول قياسات عالمية لتركيز الأيزوبرين في الغلاف الجوي على أجزاء مختلفة من العالم، وذلك باستخدام الملاحظات من مستشعر الأقمار الصناعية وهو مسبار الأشعة تحت الحمراء عبر المسار The Cross-track Infrared Sounder (CrIS ، حيث قاموا بدمج هذه القياسات مع نمذجة الغلاف الجوي لاختبار الفهم العلمي الحالي لانبعاثات الأيزوبرين العالمية وكيف يؤثر الإيزوبرين على أكسدة الغلاف الجوي.
ووفقا لما جاء في البيان الصادر من جامعة مينيسوتا قال ديلان ميليت، الأستاذ في قسم التربة والمياه والمناخ في جامعة كاليفورنيا، إن Isoprene هو أحد أهم العوامل الدافعة لكيمياء الغلاف الجوي العالمي وتوفر قياسات الأقمار الصناعية هذه فهمًا جديدًا لكيفية تفاعل الغلاف الحيوي والغلاف الجوي للأرض، وذلك من خلال الجمع بين قياسات isoprene مع بيانات الأقمار الصناعية الأخرى، تمكن الباحثون لأول مرة من تقدير وفرة جذر الهيدروكسيل ⁻OH في الفضاء عبر مناطق مصدر الايزوبرين.
المصادر
- الدراسة المنشورة في دورية نيتشر
> Satellite isoprene retrievals constrain emissions and atmospheric oxidation
> New insight on the impacts of Earth’s biosphere on air quality
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com