ماهي مخاطر إرتفاع درجات حرارة مياه البحار والأنهار البحيرات والبرك على دورة حياة الأسماك؟، وماهي تأثيرات تغير المناخ على المخزون السمكي في جميع أنحاء العالم؟
كان ذلك هو المحور الرئيسي لدراسة علمية قام بها باحثون من معهد ألفريد فيجنر، مركز هيلمهولتز للبحوث القطبية والبحرية في بريمرهافن في ألمانيا ، ونشرتها مجلة ساينس الأمريكية.
ووفقا لهذه الدراسة التي أجريت من خلال تحليل نحو 700 نوع من الأسماك البحرية وأسماك المياه العذبة في مناطق مناخية مختلفة في أنحاء العالم، فإن مخاطر هذا الارتفاع في درجات حرارة المياه على الأسماك أعلى بكثير مما كان يُظن سابقًا. وتأكد ذلك من خلال قياس الفريق العلمي لمدى قدرة الاسماك على احتمال ارتفاع درجات الحرارة في مراحل حياتها المختلفة.
وحذرت الدراسة من أنه إذا تُركت مشكلة تغير المناخ وارتفاع حرارة المحيطات دون رادع، فإن ذلك سيؤثر تأثيرا سلبيا على تكاثر ما يصل إلى 60 في المائة من جميع أنواع الأسماك، ومنها أسماكاً مهمةٌ للغاية تجارياً، مثل سمك القد الأطلسي، وألاسكا بلولوك، والسلمون الأحمر، والأسماك المفضلة في رياضة صيد الأسماك مثل سمك أبو سيف، وباراكودا، والتراوت البني. وأن تأثير الاحتباس الحراري سيكون سيئا وكارثيا على الثروة السمكية في البحار وفي بيئات المياه العذبة إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن أنشطة البشر تهدد باضطراب النظام البيئي الذي يغذي مليارات الأشخاص.
وفي هذا الصدد، طالب الباحثون في دراستهم بضرورة إبقاء مستوى الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية، حتى يصبح عدد أنواع الأسماك المعرضة للخطر أقل مما هو عليه الآن والمتوقع في المستقبل.
ولعل أبرز تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة التي أهتمت بها الدراسة والتي في معظمها، تأثيرات على مواسم التزاوج، هي أنه نظرًا لأن الأسماك الجاهزة للتزاوج وصغارها حساسة بشكل خاص للتغيرات في درجة الحرارة، فقد يضطر ما يصل إلى 60 بالمائة من جميع الأنواع في المستقبل إلى مغادرة مناطق التفريخ التقليدية.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم الأحياء البحرية الدكتور فليمنج دالكه: "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الأسماك وهي أجنة في البيض وفي مرحلة التزاوج (عندما يكون الذكور والإناث مستعدين لإنتاج الحيوانات المنوية والبيض) تكون أكثر عرضة لخطر ارتفاع درجة حرارة المياه من الأسماك البالغة واليرقات، حيث يمكن للبالغين خارج موسم التزاوج البقاء على قيد الحياة في الماء الذي ترتفع درجة حرارته بحوالي 10 درجات مئوية من البالغين المستعدين للتزاوج. ويضيف الدكتور دالكه: "ويكمن السبب وراء هذا التحمل المتغير لدرجة الحرارة في تشريح الأسماك، إذ أن أجنة الأسماك لا تحتوي على خياشيم تسمح لها بأخذ المزيد من الأكسجين، والأسماك الجاهزة للتزاوج التي تنتج البويضات والحيوانات المنوية، تحتاج كتلة الجسم الإضافية هذه أيضًا إلى تزويدها بالأكسجين، ولهذا السبب وحتى في درجات الحرارة المنخفضة، تكون أنظمة القلب والأوعية الدموية تحت ضغط كبير". وهذه النتائج تنطبق على جميع أنواع الأسماك، وتوضح سبب حساسية الأسماك للحرارة، خاصة خلال موسم التزاوج وفي مرحلتها الجنينية.
وبناءً على ذلك، قام فريق من الباحثين في خطوة ثانية بتحليل إلى أي مدى من المحتمل أن ترتفع درجات حرارة المياه في مناطق تكاثر الأنواع التي تم فحصها بسبب تغير المناخ. ولهذا الغرض استخدموا سيناريوهات مناخية جديدة والتي سيتم استخدامها أيضًا في تقرير التقييم القادم للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وتؤكد استنتاجات الدراسة أن كل درجة مئوية من الاحترار تعني المزيد من المتاعب للأرصدة السمكية في العالم. "إذا نجحنا نحن البشر الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، فلن يضطر سوى عشرة بالمائة من أنواع الأسماك التي بحثناها إلى مغادرة مناطق التفريخ التقليدية بسبب ارتفاع درجات الحرارة". وفي المقابل، إذا بقيت انبعاثات غازات الدفيئة عند مستوى عالٍ أو مرتفع جدًا، فمن المحتمل أن تنتج احترارًا متوسطًا بمقدار 5 درجات مئوية أو أكثر، مما قد يعرض ما يصل إلى 60 بالمائة من جميع أنواع الأسماك للخطر. ووفقا لنتائج الدراسة فستضطر تلك الأنواع المتأثرة بعد ذلك إما على التكيف من خلال التطور البيولوجي – وهي عملية من المرجح أن تستغرق وقتًا طويلاً جدًا – أو تتزاوج في وقت آخر من السنة أو في مكان آخر. يقول الدكتور فليمنج دالكه: "قد تدير بعض الأنواع هذا التغيير بنجاح ولكن إذا كنت تفكر في حقيقة أن الأسماك قد قامت بتكييف أنماط التزاوج الخاصة بها مع موائل معينة على أطر زمنية طويلة للغاية، وصممت دورات التزاوج وفقًا لتيارات المحيطات المحددة ومصادر الطعام المتاحة، فيجب افتراض أنه يجب إجبارهم على التخلي عن وضع البيض الطبيعي والتي ستؤدي إلى مشاكل كبيرة إضافية ".
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الأسماك التي تعيش في الأنهار والبحيرات مشكلة أن موطنها محدود بحجم المياه الجغرافية التي تعيش فيها وموقعها الجغرافي، وبالتالي، يكاد يكون من المستحيل عليها الهجرة إلى المياه العميقة أو المناطق الأكثر برودة.
لقد توصلت هذه الدراسة إلى نتائج وخلاصات قد تساعد الباحثين في الثروة السمكية حول العالم على وضع تحليلات تفصيلية تغطي جميع مراحل تطور الأسماك، وعلى فهم كيفية تأثر هذه الأنواع بتغير المناخ، وإلى أي مدى يتم دفع فقدان الموائل المناسبة بسبب التحول المرتبط بالمناخ في النظم البيئية. وبالإضافة إلى ذلك فأينما تهاجر الأسماك أو تنخفض معدلات تكاثرها، ستكون هناك تفاعلات جديدة بين الأنواع، وفي بعض الحالات سوف تشهد النظم البيئية انخفاضًا في الإنتاجية، وذلك وفقا لما نشرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من إسقاطات مقابلة بشأن مستقبل الأرصدة السمكية في جميع أنحاء العالم في تقريرها الخاص عن المحيط والغلاف الجليدي في مناخ متغير.
المصادر
- البيان الصادر من معهد ألفريد فيجنر، مركز هيلمهولتز للبحوث القطبية والبحرية
> Rising water temperatures threaten the reproduction of many fish species
- الدراسة المنشورة في مجلة ساينس
> Thermal bottlenecks in the life cycle define climate vulnerability of fish
البريد الالكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com