أسئلة تكررت كثيراً، كيف يعمل هذا الجسم البشري بهذا القدر من التناغم والتنظيم؟ فلماذا تشعر بالخوف حينما ترى كلباً راكضاً في تجاهك؟ وما سر الإحساس باللهفة والسعادة عندما ترى أحد المحببين إليك؟ فكن على علم عزيزي القاريء، أنت لست أول السائلين!
الأموال أولاً
في عام 1894م كان العالم الإنجليزي "إدوارد ألبرت شاربي" المتخصص في علم وظائف الأعضاء يجري بعض التجارب على الغدة الكظرية "الغدة الفوق كلوية"-وهي غدة توجد أعلى الكليتين-ومن خلال هذه الدراسات والتجارب وجد إنه عندما يتم حقن حيوان بمستخلصات الغدة يحدث إرتفاع مفاجيء في معدلات ضغط الدم ولكنه ظن أنها نتيجة مثيرة للإهتمام ومع الأسف لم يعطِ تفسير علمي لتلك النتائج. وفي عام 1898م قام عالم العقاقير الأمريكي "جون أبيل" بدراسة مستخلصات هذه الغدة لمعرفة تركيبها الكيميائي وأطلق عليها اسم "إبينيفرين" وهي كلمة إغريقية تعني "فوق الكلى" إشارة منه إلى المكان الذي تخرج منه وهي الغدة الكظرية.
وكان للعالم الكيميائي الياباني "جو كيتشي تاكاميني" رؤية مختلفة في بداية عام 1900م وتوجه إلى إقامة معملاً بنيويورك لإنتاج مادة "الإبينيفرين" بغرض تجاري وأطلق عليها اسم "الأدرينالين".
التغلب على الثوابت العلمية
ومن حسن الحظ أن "وليان بايليس" و"إرنست ستارلينج" الباحثين بجامعة "كلية لندن"، أجريا بعض التجارب خاصة فيما يتعلق بآلية إفراز البنكرياس لعصاراته الهاضمة، فوجدا أنه يفرزها فور خروج الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة. وكان لديهما سؤالاً محيراً ألا وهو كيف علم البنكرياس أن الطعام قادم وأفرز عصارته الهاضمة في هذا التوقيت بالتحديد؟
كان من المعروف في تلك الآونة بين الأوساط العلمية أن المتحكم الأوحد في الجسم هو الجهاز العصبي الذي يرسل الأوامر إلى الأعضاء في صورة إشارات كهربية من خلال الخلايا العصبية المنتشرة في أنحاء الجسم، ولكن "بايليس" و"ستارلينج" قررا تحدي هذه الثوابت المتعارف عليها موقنين بأن العلم التجريبي لا تعيقه الثوابت، وقاما بإجراء نفس التجربة السابقة على بنكرياس كلب ولكن بعد قطع جميع الإتصالات العصبية الواصلة له، فلوحِظ أنه عند خروج الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة يقوم البنكرياس بالفعل ذاته ويفرز عصارته الهاضمة في نفس التوقيت، فأدرك العالمان أن هناك نوع آخر من الرسائل لها طبيعة غير عصبية تصل للأعضاء لحثها على القيام بعملها، وبعد التدقيق أثبتا أن تلك الرسائل ذات طبيعة كيميائية مما أثار الدهشة بين العلماء.
وفي سبتمبر عام 1902م قام "بايليس" و"ستارلينج" بنشر الورقة البحثية الخاصة بهما والتي توثق وجود رسائل كيميائية -عوضاً عن الرسائل العصبية الكهربية- تفرز من جدر الأمعاء الدقيقة فور وصول الطعام إليها فتصل الرسائل إلى الدم، ومنه إلى البنكرياس لتحفزه على إفراز عصارته الهاضمة.
الرسائل الكيميائية التي يتواصل بها أعضاء الجسم فيما بينهم
وفي عام 1905م أطلق العالم "إرنست ستارلينج" لفظ "هرمون" -كلمة إغريقية تعني الرسائل المنشطة-على تلك الرسائل الكيميائية الموجودة بالجسم مما أدّى إلى فتح مجال بحثي واسع أمام العلماء للبحث عن المزيد من الهرمونات ومن أين تفرز؟ وإلى أين تتجه؟ وما وظيفتها؟ الأمر الذي أدّى إلى اليقين بوجود مجموعة من الأعضاء المفرزة "الغدد" التى تعمل في تناغم لتنظيم الشعور والعمليات الحيوية داخل الجسم، وتسمى "جهاز الغدد الصماء" وهو الجهاز الذي يشترك مع الجهاز العصبي في إدارة الجسم.
فمثلا هرمون الأدرينالين ويطلق عليه هرمون الطواريء الذي اكتشفه "جون أبيل" و"تاكاميني" يفرز من الغدة الكظرية في حالات الطواريء مثل الخوف أو الإثارة أو الغضب، فيسري بالدم حتى يصل إلى وجهته النهائية، فيؤدي إلى إرتفاع مفاجيء في معدلات ضغط الدم وسرعة ضربات القلب ويزيد معدل التنفس والتمثيل الغذائي ليمد الجسم بالطاقة اللازمة للتصرف في هذه المواقف.
هرمون الأوكسيتوسين ويطلق عليه هرمون الحب والذي يفرز من الغدة النخامية عند رؤية الأشخاص المحببين، فيسري بالدم حتى يصل إلى وجهته النهائية فيؤدي إلى الشعور بالحب والسعادة والألفة.
لذلك يعود الفضل في إكشاف أكثر من ثلاثين هرموناً مختلف المنشأ والوظيفة إلى "بايليس" وبالتأكيد "ستارلينج".
ويبقى السؤال: الشعور يؤدي إلى إفراز الهرمون أم الهرمون يتسبب في وجود الشعور؟
المصادر
- قصة أعظم 100 إكتشاف علمي – المؤلف كيندال هافن
- https://www.thoughtco.com/endocrine-system-fun-facts-4171520
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%AF%D8%A9_%D9%83%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9
البريد الالكتروني للكاتب: hassanatef2014@gmail.com