ما قبل الكتابة
د. موزة بنت محمد الربان
د. موزة بنت محمد الربان
رئيسة منظمة المجتمع العلمي العربي
01:47 صباحًا
03, يونيو 2020
مقدمة
تعد الكتابة بغرض النشر الذي تتم مراجعته بواسطة الأقران (النشر في المجلات العلمية المحكّمة) جزءًا مهمًا من مهام الباحثين والعلماء. كما أنها جزء أساسي من العلم ونشاط المجتمع العلمي. وهو عمل ومهمة يجب أن تتم بشكل جيد. فكيف يمكن للباحث العادي أن يكتب ورقة علمية جيدة؟
ليس عليك أن تكون كاتبًا جيدًا لكتابة ورقة علمية جيدة، ولكن يجب أن تكون كاتبًا دقيقا وحذرا. فالكتابة الغير موفقة ربما تحول دون انتشار العلم والإبداع كما يجب. وربما ترفض أوراق بحثية تضم علماً جيداً بسبب رداءة الكتابة، لذا لابد من التعرف على طريقة الكتابة العلمية، فهذا عمل أساسي ومهم للباحث.
بشكل عام، لا تتطلب الكتابة العلمية الجيدة قدرات كتابة إبداعية. بل إنها تتطلب تعلم كيفية تنفيذ واتباع صيغة محددة لتقديم العمل العلمي.
سوف نحاول في هذه السلسلة من المقالات تقديم إرشادات حول أسلوب وصيغ الكتابة المتفق عليها عالميا للنشر في المجلات العلمية المحكمة.
أي شخص يستوعب دروس هذه السلسلة يمكن أن يكتب بطريقة أفضل. على الأقل، يمكنك أن تصبح كاتبا جيدًا بما يكفي لقبول ورقتك في مجلة علمية ويمكن للقراء أن يحكموا على جودة العلم فيها.
هذه السلسلة، جاءت من أجل المساعدة في بناء قدرات الكثير من الباحثين العرب في الكتابة العلمية والنشر في المجلات العلمية العالمية بشكل عام، وبصورة خاصة المجلات العلمية المحكمة التي تصدرها منظمة المجتمع العلمي العربي، باللغة العربية، وأولها "المجلة العربية للبحث العلمي".
وقد حصلتُ على المادة، من خبرتي الشخصية في كتابة ونشر الأوراق العلمية الخاصة بي في مجال الفيزياء الذرية وفيزياء البلازما والفوتونكس. بالإضافة إلى الكثير من المراجع والمواقع والدورات التدريبية المنشورة عبر الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، والتي هي منشورة باللغة الإنجليزية، قمت بجمعها وترجمتها واستخلاص ما فيها لأقدمه للباحث العربي. لقد أتاح لي شَغلي لمنصب رئيس تحرير "المجلة العربية للبحث العلمي"، الاطلاع على كثير من الأوراق البحثية التي وصلت للمجلة، واستطعت التعرف على مواطن الخطأ والضعف لدى العديد من الباحثين في أسلوب الكتابة العلمية، لذا قررت كتابة هذه السلسلة من المقالات والتي أرجو أن تكون مفيدة.
المعرفة الإنسانية هي تراكمية، ولا يمكن أن يبدأ أحدٌ من الصفر، بل يبني على مجموعة المعارف الموجودة والتي توصل إليها السابقون، وهذه المعرفة تنمو باستمرار وبشكل متزايد، وهي الركيزة الأولى للعلم. وبالتالي، فإن الركيزة الأولى للعلم – وهي مجموعة المعارف الموجودة – تتطلب آليات لنشرها والحفاظ عليها داخل المجتمع العلمي. الآلية الأكثر استخداماً اليوم هي النشر العلمي. على الرغم من وجود العديد من أشكال النشر العلمي، إلا أن أهمها هو المجلات الدورية التي تتم مراجعتها من قبل النظراء. الهدف من هذه السلسلة هو مساعدة المؤلفين على إنتاج أوراق علمية جيدة وبالتالي دعم أهداف العلم.
ما قبل الكتابة
إذا كنت تفكر في كتابة ورقة علمية لنشرها في مجلة علمية محكمة بواسطة الأقران، فما هي خطواتك الأولى؟
اجلس مع نفسك وفكر، لماذا؟ ماهي دوافع كتابة ورقة علمية؟ فعندما يكون الهدف واضحاً أمامك يكون الطريق والسير فيه أهدى وأيسر وأكثر قابلية لمجابهة الصعاب فيه، وكباحث وعالم، عوّد نفسك على التفكير العميق الهادئ وعود نفسك على الصبر والصدق، فهي خصائص وصفات طالب العلم.
هناك أسباب تتعلق بالبحث وبالكتابة والنشر بشكل عام، وأسباب تتعلق بموضوع البحث الذي تنوي القيام به والنشر فيه.
بالنسبة لموضوع البحث والورقة البحثية التي تنوي نشرها، فاحرص على أن يكون الموضوع فريدًا ويجب أن يكون هناك سبب منطقي لدراسته.
الهدف من الكتابة والنشر العلمي بشكل عام
إن كتابة ورقة ونشرها في مجلة يراجعها الأقران عمل شاق، حتى بعد العمل الشاق الذي أدّى إلى الوصول إلى نتائج قابلة للنشر. لذلك، قد يتساءل المرء، لماذا يفعل الناس ذلك؟ ما الذي يحفز المؤلفين على خوض عملية الكتابة، ثم عملية مراجعة الأقران، من أجل نشر أعمالهم؟
هناك نوعان من الدوافع، الإيثار والمصلحة الذاتية، ومعظم المؤلفين لديهم مزيج من الاثنين.
المنشورات العلمية التي تتم مراجعتها من قبل النظراء هي الطريقة السائدة اليوم لنشر وأرشفة التقدم العلمي. والعلم ينمو ويتقدم من خلال مجموعة المعارف الجمعية، والتي تخضع باستمرار للتحدي والتنقيح والتوسع والزيادة. والكثير من العلماء يكون لديه رغبة قوية في المساهمة في تقدم تخصصه ومجاله البحثي، والتي غالباً ما تكون السبب الرئيسي ليصبح عالماً متميزاً. عادة ما يكون النشر هو أكثر الطرق مباشرة لتقديم مثل هذه المساهمة، وبالتالي فهو محفز للغاية ومرضي لمعظم العلماء.
يمكن أن يجلب النشر أيضًا فوائد ملموسة للمؤلف، مما يوفر دافعاً ذاتياً لكتابة ونشر ورقة. قد يكون النشر مطلوباً للتقدم الوظيفي، وغالبا ما يصاحب ذلك مكافآت مادية مباشرة أو غير مباشرة. إن نموذج "النشر أو فقد الوظيفة" المألوف في الأوساط الأكاديمية يضيف عصا المَثَل إلى جزرة التقدم الوظيفي.
ولكن حتى بدون هذه الدوافع المهنية الواضحة، يتوق جميع البشر تقريباً إلى الاعتراف بجهودهم. ويسعد كل باحث وناشر أن يرى عمله يستخدم ويشير إليه الأقران في أوراقهم البحثية ويبنون عليها في أعمالهم.
من هنا كان النشر في المجلات المرموقة والمعترف بها هدف لكل باحث لينشر أعماله.
الموازنة بين الإيثار والمصلحة الذاتية
كل مؤلف لديه مزيج من هذين الدافعين. تأتي المشكلة عندما لا يكون الإيثار والمصلحة الذاتية متوازنين. على وجه الخصوص، إذا أصبحت المصلحة الذاتية قوية لدرجة أن تصبح أنانية وتغرق هدف الإيثار والتقدم العلمي، عندها يمكن أن يعاني المشروع العلمي بأكمله. تصل أحيانا إلى أن يلجأ البعض إلى السرقة العلمية، أو الكذب والتدليس في النتائج التي حصل عليها، أو محاربة الأقران والزملاء بدون داعي.
ربما تكون أفضل طريقة لمحاربة الأنانية وتغليب المصلحة الذاتية غير المتوازنة، هي التفكير بعمق وتذكير نفسك دائماً، لماذا أصبحت عالماً أو مهندساً أو طبيباً؟ والجواب المنطقي، أنه في المقام الأول هو لإحداث فرق إيجابي في العالم وللبشرية، ولأكون شخصاً نافعا أقدم عملاً مفيدا، وإذا كان التوفيق والرزق بيد الله سبحانه، وأن احترام الذات هو المطلب الأهم لأي منا (أليس كذلك؟). فلماذا تنحرف الأخلاق؟
وبعد أن تعرف أهدافك وتحدد موضوع بحثك وورقتك، ابدأ على بركة الله، وقم بما يلي:
يبدأ أي مشروع بحثي جديد بالبحث فيما قد تم نشره حول الموضوع وأين وصل العلم فيه والمعرفة الجماعية حوله.
الهدف من البحث هو تقييم حالة معرفتنا الجمعية حول موضوع ما قبل الشروع في السعي إلى الإضافة إلى تلك المعرفة. ولأن العلم يتعلق إما بتأكيد أو دحض المعرفة الموجودة أو تطوير معرفة جديدة، فإن الفهم الشامل للحالة الحالية للمعرفة الجمعية أمر ضروري.
بالإضافة إلى ذلك، سيشكل البحث فيما سبق نشره أساساً للأهداف الخمسة للاقتباسات (سوف نتطرق لها لاحقا في مقالات أخرى بإذن الله). لاحظ أن البحث فيما سبق نشره لا يتعلق (بإيجاد) الأوراق ذات الصلة، بل يتعلق (بقراءة واستيعاب) الأوراق ذات الصلة.
فيما يلي بعض التلميحات لتحسين البحث فيها:
دائماً ما يؤدي بدء البحث في الأوراق المنشورة إلى سؤال صعب: كيف تعرف متى تتوقف؟ ستكون هناك دائما أوراق مهمة لا تجدها أبدا. هذه هي طبيعة العلم الحديث. إن معرفة موعد البدء وموعد التوقف في عملية البحث هذه ومن ثمّ بدء العمل الجديد هو مسألة حكم وخبرة.
تبدأ معظم المشاريع بقصد كتابة ورقة كنتيجة للعمل، أو على الأقل بفكرة أن هذا قد يكون ممكنًا. إذا كان الأمر كذلك، فيجب تخطيط البحث وتنفيذه مع مراعاة نية نشره.
إن أحد المتطلبات الأساسية لورقة علمية هو توثيق العمل بتفاصيل كافية حتى يتمكن القارئ من متابعة المنطق المقدم والتحقق من الاستنتاجات المستخلصة. علاوة على ذلك، يجب أن يكون مؤلفو الورقة المنشورة على استعداد للدفاع عن العمل ضد النقد، وبالتالي يجب أن يكونوا متاحين لمراجعة البيانات المستخدمة والتفاصيل المهمة حول الإجراء التجريبي لاحقًا.
أولاً وقبل كل شيء، يجب أن تكون لديك وسيلة جيدة لحفظ النتائج والملاحظات المختبرية. كلاسيكياً، "دفتر الملاحظات المختبري" هو الذي خدم هذا الغرض، أما اليوم فقد يكون دفتر ملاحظات افتراضي من الملفات الرقمية والمنظمة جيد.
إن معرفة ما قد تحتاجه من هذه السجلات للكتابة الورقية يمكن أن يساعدك في الاحتفاظ بالسجلات. أي إذا عرفت كيف ستستفيد من هذه السجلات وكيف ستستعملها، ستعرف ماذا يجب عليك تسجيله فيها وكيف.
غالباً، يسجل الباحث نتائج وقراءات أولية، ثم يقوم بإجراء العديد من العمليات الحسابية عليها، بعد تصنيفها وتصفيتها وتلخيصها ثم رسمها قبل نشرها، كل هذه المراحل يجب أن تسجل وتحفظ وتؤرشف في سجلات العمل البحثي.
توجيهات عامة فيما يخص أسلوب الكتابة:
لدى المؤلفين ذوي الخبرة فكرة واضحة عما هو مطلوب لكتابة ورقة علمية جيدة، ولذلك فهم يخططون وينفذون مشروعًا بحثياً مع مراعاة متطلبات النشر. بالنسبة لأولئك الذين لديهم خبرة أقل، أوصي بقراءة هذه السلسلة من المقالات في بداية أي مشروع بحثي للتأكد من أنه يمكنك تلبية أهم متطلبات الكتابة ونشر عملك.
بصورة عامة، يجب أن تستوفي الورقة أربعة معايير لتكون مقبولة للنشر في مجلة علمية مرموقة:
المقال للتحميل بصيغة PDF تجدونه أعلى الصفحة
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
الكلمات المفتاحية