الصلاة في الإسلام فرض على كل مسلم بالغ عاقل خالي من الأعذار سواء كان ذكرا أو أنثى، وتؤدى الصلاة خمس مرات يومياً. الصلاة يمكن القيام بها في أي مكان، طالما كان طاهراً، أي نظيفاً ليست به نجاسة. ومع ذلك، يتم تشجيع المسلمين على الصلاة في المسجد وخاصة صلاة الجمعة حيث أنها فرض عين على كل مسلم ذكر بالغ مقيم في مكان إنعقادها وكان غير معذور. بالإضافة إلى ذلك، هناك صلوات أخرى تؤدى في مناسبات مختلفة مثل صلاة العيدين وصلاة الجنازة وصلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف وغالباً تؤدى في المسجد.
في وقتنا الحاضر، ومنذ عقدين أو أكثر، عادة ما تكون المساجد مغطاة بالسجاد من الجدار إلى الجدار. وتتم الصلاة على السجاد الذي يغطي قاعة الصلاة في المسجد. بالإضافة إلى السلامة (قلة الزلات والسقوط)، السجاد يمكن أن يوفر مزايا من الناحية الفنية وفيما يتعلق بالراحة عند مقارنته بمواد الأرضيات الأخرى مثل البلاط والخشب.
مع أن الصلاة يمكن قضائها في أي مكان بما في ذلك المنزل، مكان العمل، الخ، إلا أن الجامع أو المسجد هو المكان المفضل بما لذلك من أجر وفضل كبيريين عند الله سبحانه وتعالى، كما أن صلاة الجمعة في الغالب لا تُقضى إلا في المسجد. ويؤكد الدين الإسلامي على أهمية نظافة مكان الصلاة وخصوصاً في المساجد. ومن خلال المشاهدة الشخصية يمكن ملاحظة أن سجاد بعض المساجد ليست بحالة جيدة وبعضها تفوح منها رائحة عفنة. ومن الناحية الميكربيولوجية وجود هذه الرائحة دليل قاطع على وجود تلوث ميكروبي، مع أنه ليس من الموكد أن يكون هذا التلوث بميكروبات ممرضة. ومن هذا المنطلق أجريت في السنوات الماضية عدة دراسات في بعض الدول الإسلامية لمعرفة إمكانية تلوث سجاد المساجد ببكتيريا ممرضة وممرضة انتهازية، وإذا ما وجد هذا التلوث، ما هي الاجراءات التي يمكن اتخاذها لمنعه أو التقليل منه.
في دراسة شملت 57 مسجداً بمدينة طرابلس بليبيا وجدنا أن السجاد في 18 (32%) منها ملوث ببكتيريا برازية ممرضة أو ممرضة انتهازية وتشمل أنواع سالمونيلا، و ايشيريشيا كولاي. كما عُزلت أنواع ايروموناس من عينة واحدة و ستافيلوكوكس أوريس من 12 (21.1%) عينة. كذلك تم عزل العديد من أنواع البكتيريا الأخرى ولكنها في الغالب تعتبر غير ممرضة للأصحاء (الجدول رقم 1). إضافة إلى ذلك تم قياس حساسية بعض أنواع هذه البكتيريا للمضادات الحيوية المختلفة ووجد أن 17% من بكتيريا ايشيريشيا كولاي و 25% من بكتيريا ستافيلوكوكس أوريس مقاومة للعديد من هذه المضادات الحيوية.
في دارسة ثانية شملت 50 مسجداً بمدينة الخمس بليبيا أيضاً، وجدنا أن السجاد في 6 (12%) منها ملوث بالبكتيريا البرازية ايشيريشيا كولاي، وعُزلت أنواع ايروموناس من عينتان (4%) و أنواع ستافيلوكوكس من 30 عينة (60%) منها واحدة عرفت ستافيلوكوكس أوريس المقاومة للمضاد الحيوي مثيسيلين من عينة واحدة (2%). إلى جانب ذلك عُزلت مجموعة أنواع بكتيريا أخرى تصنف في أكثر الأحيان غير ممرضة للأفراد الأصحاء (أنظر الجدول). زد على ذلك تم تحديد حساسية بعض أنواع هذه البكتيريا للمضادات الحيوية المختلفة ووجد أن 17% من بكتيريا ايشيريشيا كولاي و 66.7% من بكتيريا ستافيلوكوكس متعددة المقاومة لهذه المضادات الحيوية.
في المملكة العربية السعودية أُجريت دراسة على سجاد المسجد الحرام وأخرى على سجاد مساجد بمدينة الرياض، حيث عُزلت نفس أنواع البكتيريا المعزولة في الدراستان اللتان أُجريتا بليبيا تقريباً. بالإضافة إلى أن الدراسة التي أُجريت في الرياض وجدت عينة سجاد موجبة ببكتيريا أنواع شيجلا وعينة أخرى ببكتيريا يرسينيا أنتيروكوليتكا وكلاهما من مسببات الاسهال في الإنسان.
- أنواع البكتيريا المختلفة المعزولة من سجاد 57 مسجداً بمدينة طرابلس ومن سجاد 50 مسجد بمدينة الخمس بليبي
بجانب عزل البكتيريا فقد أُجريت دراسات قليلة على وجود الفطريات في سجاد المساجد وقد سجلت أنواع أسبرجيلوس، أنواع الترناريا، أنواع فيوزاريم، أنواع ميوكر، أنواع بنسيلين، وغيرها من الفطريات الأخرى. نادراً ما تسبب الفطريات المرض للأفراد الأصحاء ولكنها غالباً ما تصيب ذوي المناعة المنخفضة وعادة ما تكون الإصابة صعبة العلاج لدى هؤلاء الأشخاص.
في دراسة أُجريت لمعرفة دور سجاد المساجد ومناطق الوضوء في انتشار سعفة القدم أوالقدم الرياضي (Tinea Pedis) والتهاب الظفر الفطري (Tinea Unguium) بين المسلمين البالغين والمنتظمين في صلاتهم، في خمسة مساجد في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا. وقد وجدت هذه الدراسة معدل انتشار كبير في هذين النوعين من الإصابة الفطرية بين المصلين عند مقارنتهم بالمجموعة الضابطة غير المسلمة وخلصت الدراسة إلى أن هذا يمكن أن يُعزى إلى انتشار الفطريات المسببة لهذه الأمراض على سجاد المساجد وفي مناطق الوضوء.
مع أنه لاتوجد أي معلومات عن عزل الفيروسات من سجاد المساجد، إلا أن الدراسات ذكرت الكشف عن الفيروس المعوي نوروك لايك فيروس (Norwalk-like virus) في سجاد فنادق ببريطانيا بعد تفشي الإسهال والقيء بين المقيمين في هذه الفنادق. هذه الدراسات تشير إلى إمكانية تواجد الفيروسات الممرضة بسجاد المساجد أيضاً.
أظهرت الدراسات على وجود علاقة بين المحتوى الميكروبي للهواء الداخلي للمساجد والمحتوى الميكروبي للسجاد فيها، وهذا نتيجة تشابه بعض الأنواع البكتيرية والفطرية المعزولة من السجاد مع تلك الموجودة في الهواء الداخلي للمساجد. تواجد الميكروبات في الهواء الداخلي للمساجد في الغالب يكون نتيجة حركة المصلين داخل المسجد، تنظيف السجاد بالمكنسة الكهربائية، أو نتيجة تشغيل أجهزة التكييف في هذه الأماكن.
أنواع السجاد الأكثر شعبية اليوم مصنوعة من الألياف الاصطناعية بما في ذلك النايلون والبولي بروبيلين والبوليستر و بوليتريميثيلين تيريفثاليت. هذه الألياف لا تدعم نمو البكتيريا وتحتفظ برطوبة قليلة ومع ذلك، في حالة انسكاب الطعام أو انتشاره على السجادة، سوف تلتصق البكتيريا به وتعمل عليه. على الرغم من أن المصلين يتوضأون قبل دخول قاعة الصلاة، فإن مثل هذا الفعل لن يكون له تأثير كبير إذا كانت النظافة العامة للفرد منخفضة و/ أو يعاني المصلي من الإسهال المعدي، وخاصة إذا كان الفرد صغير أو كبير في السن.
الحيوانات (مثل الكلاب والقطط وما إلى ذلك) قد تلوث السجاد بالميكروبات، فإن حدوث هذا الفعل يعتبر شبه المستحيل حيث أن تواجد الحيوانات في المساجد غير مسموح به في التقاليد الإسلامية. وبالتالي تواجد مسببات الأمراض المعوية (مثل ايشيريشيا كولاي، أنواع سالمونيلا، أنواع شيجلا وأنواع إيروموناس) على سجاد المساجد في الغالب سببه بعض المصلين.
يمكن نقل الميكروبات إلى البشر والتسبب بالمرض إما عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق أو نقلها للجلد. أُجرىت دراسة لتحديد ما إذا كان نقل البكتيريا (ايشيريشيا كولاي و ستافيلوكوكس أوريس) والفطريات يحدث من السجاد إلى الجلد البشري. وأظهرت نتائج الدراسة حدوث نقل البكتيريا والفطريات من السجاد إلى أطراف الأصابع البشرية. وبالإضافة إلى ذلك، يتم نقل ايشيريشيا كولاي القولونية أكثر من ستافيلوكوكس أوريس على أطراف الاصابع. مما يؤكد على أن نوع الميكروب يلعب دور في القدرة على الانتقال من أصابع اليد إلى السجاد والعكس.
أثناء الصلاة، المسلم ملزم خلال السجود بتمكين سبعة أعضاءٍ على الأرض، وهي الجبهة مع الأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين. لذلك، هناك احتمالية كبيرة في نقل الميكروبات (بما في ذلك الفيروسات) المسببة للأمراض والمتواجدة على السجاد إلى المصلين ومن المصلين (خصوصاً المرضى منهم) إلى السجاد إثناء أداءهم للصلاة في المساجد.
- نبذة مختصرة على بعض أنواع البكتيريا الممرضة أو ممرضة انتهازية والتي تم عزلها من سجاد المساجد:
- أنواع سالمونيلا:
تعتبر هذه البكتيريا ممرض مهم ومسبب رئيسي للتسمم الغذائي في جميع أنحاء العالم. وفي بعض الدول تعتبر من المسببات المهمة لأمراض الإسهال لدى الأطفال وغالباً ما تكون عديدة المقاومة للمضادات الحيوية.
- ايشيريشيا كولاي:
أغلب أنواعها تعتبر جزء من البكتيريا المعوية الطبيعية للإنسان والحيوان وتستخدم كدليل على التلوث البرازي. ولكن بعض الأنواع من هذه البكتيريا ممرضة للإنسان ومسبب رئيسي للإسهال، خصوصاً في الدول النامية، والتهابات الجهاز البولي.
- أنواع أيروموناس:
هذه البكتيريا مسببة للعديد من الأمراض بما في ذلك الإسهال واخماج الدم. العديد من الأبحاث يعتبرها ممرضة غذائية ومائية ناشئة حديثاً.
- أنواع البكتيريا العصوية الأخرى:
تم عزل العديد من أنواع البكتيريا من سجاد المساجد مثل أنواع كليبسيلا، أنواع أنتيروباكتر وغيرها. هذه الأنواع من البكتيريا عادة موجودة في التربة والمياه وتعتبر غير ممرضة للأفراد الأصحاء. كما عُزلت أنواع سودموناس وهي بكتيريا في الغالب متواجدة بالمستشفيات وصعبة العلاج وذلك لمقاومتها العالية للمضادات الحيوية.
- ستافيلوكوكس أوريس:
بكتيريا كروية متواجدة على الجلد أو الأنف في ما يقارب من 30% من البشر الأصحاء وفي أغلب الأوقات لا تسبب أي أمراض، وإذا ما سببت عادة ما تكون إصابات جلدية بسيطة. خطورة هذه البكتيريا عند وصولها للدم، المفاصل، العظام، الرئتين أو القلب. هناك عدد متزايد من الأشخاص الأصحاء الذين يصابون بالاتهاب بكتيريا ستافيلوكوكس أوريس التي تهدد حياتهم. نسبة عالية من سلالات هذه البكتيريا متعددة المقاومة للمضادات الحيوية مما يجعلها صعبة العلاج.
التوصيات
من الدراسات العلمية المذكورة أعلاه يتضح أنه من الممكن تلوث سجاد المساجد بالميكروبات الممرضة والممرضة إنتهازياً والمقاومة للمضادات الحيوية مما قد يشكل خطراً على صحة المصلين، وخصوصاً منقوصي المناعة والأطفال الصغار والأفراد المتقدمين في السن. وزارات الصحة والبيئة في الدول العربية والإسلامية يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في التوجيه والإشراف على الإدارات المسؤولة عن المساجد لضمان المحافظة على نظافة السجاد في المساجد بشكل صحيح. ومن المهم أن ندرك أن تنظيف السجاد في حد ذاته لا ينبغي أن يحل محل النظافة الشخصية للمصلي (مثل الاعتياد على غسل الأيدي) ولكن تكملة لها، وهذا ما يجب أن يؤكد عليه أئمة المساجد في خطب الجمعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون استخدام سجادة الصلاة الشخصية بديلا آخر للمصلين في المساجد.
كما أوضحنا سابقاً السجاد له ميزات عدة مقارنة بالبلاط في تغطية الأرضيات في المساجد وغيرها. ومن هذه الميزات أنه أقل تكلفة وسهل التركيب، الراحة في المشي والجلوس عليه وخصوصا في فصل الشتاء، وندرة السقوط والزلات عند المشي على السجاد. ومع توفر التقنيات الحديثة فقد أصبح من السهل تنظيف وصيانة السجاد بطريقة دورية. وحيث أنه من واجب القائمين على المساجد في جميع أنحاء العالم الاهتمام بنظافتها وتوفير الامكانيات المناسبة التي تساهم في الحفاظ على صحة وراحة المصلين والمترددين على هذه المساجد فإنه يمكن اتباع التوصيات التالية:
- توفير المياه النظيفة والصابون السائل (هذا مهم جداً) لأن تلوث السجاد قد يكون أحد أسبابه ناتج عن عدم نظافة المصلين أنفسهم وخصوصاً بعد قضائهم الحاجة قبل الصلاة.
- أستخدام المكانس الكهربائية ذات القوة العالية في تنظيف سجاد المساجد جيداً بمعدل مرة واحدة على الأقل أسبوعياً.
- يجب غسل السجاد وتنظيفه جيداً مرتين في السنة على الأقل أو عند الحاجة لذلك.
- منع الأكل في داخل المساجد وذلك لتفادي سقوط المواد العضوية على السجاد والذي بدوره سيكون غذاءا جيداً للبكتيريا والفطريات مما سيؤدي إلى عفونة السجاد واهترائه.
- تنظيف السجاد وتطهيره بطريقة جيدة فور سقوط مواد عضوية عليه وخصوصاً البول والبراز والقيء الذي قد يحدث من بعض المصلين والمترددين على المساجد لسبب أو لآخر.
- محاولة منع وصول المياه الناتجة عن الأمطار أو الأعطال في شبكة المياه أو المجاري بكل الوسائل الممكنة. السجاد المبتل هو عبارة عن وسط مناسب جداً لنمو الجراثيم المختلفة وبالتالي تعفن السجاد وفساده. وفي حالة حدوث هذا يجب تنظيف وتطهير السجاد وتجفيفه جيداً قبل ارجاعه للمسجد.
- هذه التوصيات عامة ونظراً لاختلاف أنواع السجاد المتواجد بالمساجد يجب على القائمين عليها الاستعانة بالشركات المتخصصة في تنظيف السجاد للحصول على المعلومات والنصيحة المناسبتين لغسل وتنظيف وتطهير السجاد حسب نوعيته وعدد المرات التي يحتاجها لتنظيفه في السنة.
المراجع
- Ali MMM, Alemary F, Alrtail A, Rzeg MM, Albakush AM, Ghenghesh KS. 2014. High isolation rates of multidrug-resistant bacteria from water and carpets of mosques. Libyan J Med; 9: 25415 – http://dx.doi.org/10.3402/ljm.v9.25415
- Rahouma A, Elghamoudi A, Nashnoush H, Belhaj K, Twail K, Ghenghesh KS. 2010. Isolation of antibiotic-resistant pathogenic and potentially pathogenic bacteria from carpets of mosques in Tripoli, Libya. Libyan J Med; 5: 5536 – DOI: 10.3402/ljm.v5i0.5536
- Mashat BH. 2016. Bacterial and chemical contamination associated carpet dust in the Holy Mosque, Makkah Al-Mukarramah. JKAU: Met, Env and Arid Land Agric Sci; 26: 83-91.
- Alsaif F, Somily A, Alhammad G, et al. 2019. Isolation and identification of bacteria in mosque carpets: A cross-sectional study in Riyadh, Saudi Arabia. Int J Occup Environ Med; 10:94-96. doi: 10.15171/ ijoem.2019.1569
- Raboobee N, Aboobaker J, Peer AK. 1998. Tinea pedis et unguium in the Muslim community of Durban, South Africa. Int J Dermatol; 37: 759-765.
البريد الإلكتروني للكاتب: ghenghesh_micro@yahoo.com
