تقييم الدور العلاجي لخليط من الأعشاب على مستويات هرمون التستوستيرون
الكاتب : د. أمل عطية المرسي إبراهيم
عبد السلام بن عبد الحليم تنبكجي
دمشق
10:38 صباحًا
16, أبريل 2020
علم التاريخ من أجلِّ العلوم نفعاً، وأرفعها شأناً، وأصفاها مورداً، فهو المرآة لحوادث الزمان، والمشكاة لاستنارة الأذهان، والمنهاج لاهتداء الخلف بهدي السلف …والطب كما قيل حفظ صحة وبرء مرض …وهو خير ما اشتغل به الإنسان. وبوجود الصحة يتهيأ ما يريده من أمور الدنيا ولذاتها، من أكل وشرب واستمتاع وحسن معاشرة، وبها أيضاً يتحصل ثواب الآخرة المُستجلب بالصوم والصلاة وما أشبههما من الأعمال الصالحة …والمنتمي إليه يسمى طبيباً.
وهو من صفات الله جلّت قدرته …فيجب على من تسمى به أن يكون: رحيماً، كريماً، تقياً، نقياً، عفيفاً، نظيفاً، مؤتمناً، ديناً. حافظاً للأسرار، بعيداً عن الأشرار، محباً للأخيار ليكون اسمه غير مستعار.
والطب من جملة العلوم التي اشتهر بها الكلدان كهنة بابل، وهم أول من بحث في علاج الأمراض، فكانوا يضعون مرضاهم في الأزقة ومعابر الطرق حتى إذا مرَّ بهم أحدٌ مما أصيب بذلك الداء، فيعلمهم بسبب شفائه، وكيفية توصله إليه، فيكتبون ذلك على ألواح يعلقونها على جدران الهياكل، ولذلك كان كهنتهم من خيرة أطبائهم. وعن الكلدان أخذته سائر الأمم القديمة، وفي جملتها العرب، ولذا نراه متشابهاً عند أكثر الأمم في مصر وفينيقيا وآشور. ثم تناوله اليونان فأتقنوه أحكاماً وإحكاماً، ورتبوا أبوابه وفصوله، وعنهم أخذته الرومان والفرس. ونظراً لمعاصرة العرب لهذه الدول، فقد اقتبسوا شيئاً من علاجاتها أضافوه إلى ما حصَّلوه من الكلدان وإلى ما استنبطوه هم أنفسهم بالاختبار.
وقد ذكر المؤرخون أن أول من تعاطى الطب من العرب بعد الكهنة هم جماعة ممن خالطوا الروم والفرس في القرن السادس الميلادي، وقبل ظهور الإسلام بقليل، وأخذوا العلم عنهم. كان العرب في صدر الإسلام لا يهتمون بشيء من العلوم إلا بلغتهم ومعرفة قواعد شريعتهم حاشا علم الطب فإنه كان موجوداً عند أفراداً منهم غير منكر عند جماهيرهم لحاجة الناس طراً إليه. وزاد شغفهم به والسعي وراء إدراك كنهه لما كان عندهم من الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث عليه حيث يقول: "يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا واحداً وهو الهرم".
وكان الرسول العربي صلى الله عليه وسلم طبيباً، عالماً بطرق الوقاية والعلاج، ومن تعاليمه وإرشاداته:
ويقول محمد راغب الطباخ: فإذا كنت واسع الاطلاع في صناعة الطبابة، آخذاً منها بحظ وافر، ومن الواقفين على أقوال أطباء الغرب ونظرياتهم فيها، تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى هذه الأقوال قبل أربعة عشر قرناً، وأتى بما يبهر العقول، وتعجز عن دركه البصائر المستنيرة. ولا غرابة في ذلك لأنها خرجت من قلب تلألأت فيه أنوار النبوة، وتفجرت منه ينابيع الحكمة، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فينم عن اعتنائه بعلم الطب قوله المشهور: "العلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان"
وقوله: العلم ثلاثة الفقه للأديان والطب للأبدان والنحو للسان.
وقوله: العلوم أربعة الفقه للأديان والطب للأبدان والنحو للسان والنجوم لمعرفة الأزمان.
وله رضي الله عنه كلمات قيّمة في جوامع علم الأبدان كقوله: اكسروا حر الحمى بالبنفسج والماء البارد.
وقوله: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء …
وقوله لابنه الحسن: يا بني ألا أعلمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب؟ فقال: بلى قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه وجود المضغ وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء. فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطب.
لما انتشر الإسلام، واطمأن المسلمون إلى مدائن الأرض التي فتحوها، اتجهوا إلى العلوم والمعارف فعنوا بالطب عناية فائقة، واستوحوا كتب من سبقهم من اليونان وغيرهم، ثم عدلوها، وصححوها، وأضافوا إليها أبواباً جديدة لم يسبقهم إليها أحد، فتقدم الطب على أيديهم تقدماً ظاهراً.
ويقول جرجي زيدان: وكانت المشافي في الإسلام في غاية النظام يعالج فيها المرضى على اختلاف طوائفهم ونحلهم وأمراضهم، وفيها لكل مرض قاعة أو قاعات خصوصية يطوفها الطبيب المختص بها وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى، فيتفقد المرضى ويصف لهم الأدوية ويكتب لكل مريض دواءه …
ويقول غوستاف لوبون: إن مشافي العرب كانت من الناحية الصحية أفضل من مشافي أوروبا اليوم بسعتها، وجمال موقعها، وكثرة مياهها، وانطلاق الهواء في أطرافها …
ويقول خليل جمعة الطوال: ومن آثار العرب التي سبقوا إليها إنشاء المشافي لمداواة الأمراض العقلية.
ويعزى إليهم الفضل الأول في إقامة المشافي. وكان نظامها وتجهيزاتها في غاية من الكمال والإبداع. وكانت إمبراطوريتهم الواسعة تغص بآلاف من المشافي الراقية. وكان في طليطلة وحدها ما يزيد على أربعمائة مشفى …
وكان بدمشق في ذلك العهد ثلاثة مشاف كبيرة أو خمسة منها: المشفى الذي بناه الوليد بن عبد الملك، والمشفى الذي شيده نور الدين محمود أبو الثنا بن زنكي آق سنقر، وعقد إدارته على أبي المجد بن أبي الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله الباهلي وأطلق له جامكية وجراية، وكان أبو المجد يدور على المرضى فيتفقد أحوالهم ويكتب لكل مريض ما يلزمه من الدواء والتدبير، فينفذ كل ذلك بلا تأخير.
وذكر المؤرخون أن نور الدين طلب من طبيبه الخاص أن يختار أجمل بقعة وأجودها مناخاً ليقيم عليها المشفى، فاحتال الطبيب لها حيلة يحبذها ولا شك كل طبيب صحي في هذا الزمن، فقد عمد إلى غلمانه وأمرهم أن يعلقوا في كل حي من أحياء دمشق قطعاً من اللحم وقال: خير بقعة ما لبث اللحم فيها أكثر من غيرها دون فساد. ولا تزال أبنيته قائمة إلى يومنا هذا.
وقد امتدحه ابن بطوطة وابن جبير اللذان اعتبروه أحد مفاخر الإسلام. وجاء في تقرير بول كولار: "المشفى النوري أعظم أبنية هذا العهد (العهد الزنكي) في المدينة القديمة". وهو أحد المشافي المشهورة جداً في العالم الإسلامي. وله باب ذو زخارف فنية غريبة قوامها المقرنصات ولهذا الباب مصراعان جميلان وفوقه جبهة كلاسيكية ووراءه دهليز مغطى بقبة صغيرة مضلعة منتفخة قائمة على عنق مخروطية فوقها المقرنصات المتعالية التي تشاهد أيضاً من خارج البناء. وفي صحن المشفى إيوانان جميلان وبعض بقايا الزخارف الخطية ونوافذ ذات زخارف جصية بديعة …
وحذا أبو المظفر صلاح الدين يوسف بن أيوب حذوه وبنى سنة 567 للهجرة مشفى في القاهرة.
والمشفى الذي أنشأه سيف الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس ابن موسك القيمري الكردي سنة 643 للهجرة، وكان مشهوراً. وعمل فيه من الأطباء: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي القاسم، وابن مقداد القيسي…
ويقول عمر فروخ: في هذا العصر الذي نتحدث عنه لم يكن في أوروبا شيء اسمه طب، فقد كانت المداواة الشائعة في شرقي أوروبا أن يأخذ المريض صورة مقدسة أو تمثالاً صغيراً مقدساً فيطحنه ثم يذيب طحينه في الماء ويشربه تداوياً به …
أما في غربي أوروبا فقد كانت معرفتهم بالطب والمداواة من باب آخر. وكانوا إذا مرض أحدهم بالحمى أو خرج في جسمه بثرة خبيثة أو أصيب بالهزال ظن الأطباء أن شيطاناً قد دخل في جسمه. فكانوا في أول الأمر يقومون حوله بالرقص والعزف لاستدراج ذلك الشيطان إلى الخروج، فإن لم تنفع الحيلة انهالوا على المريض يضربونه لإخراج شيطانه منه بالقوة، فإن امتنع الشيطان من الخروج قتلوا المريض لئلا ينتشر مرضه بالعدوى …
نعم لقد عني المسلمون بالطب عناية فائقة ونبغ منهم علماء كبار وجهابذة أفذاذ أنسوا من كان قبلهم، ومهدوا السبيل لمن جاء بعدهم، وعلى أساس نظرياتهم وابتكاراتهم ومنجزاتهم كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين أي الرابع عشر الهجري، فهم وحدهم آباء هذا العلم كما كانوا آباء غيره من العلوم في العصر الحديث. ونذكر منهم على سبيل المثال:
ومن أقواله:
وجاء في إحدى وصاياه التي لا يرقى الشك إليها:
وذكر المؤرخون: أن الحجاج سأل جلساءه يوماً وكان من ضمن الحاضرين ثياذوق: أي الأشياء تُذهب الإعياء؟ فقال بعضهم: أكل التمر وقال آخرون: التمريخ أو التدليك بالمصطلح الحديث وقال ثياذوق: قضاء الحاجة فقال الحجاج: صدقت …
وقال الحجاج له: أخبرنا بجوامع الطب؟ فقال لا تطأن من النساء إلا شابة، ولا تأكل من اللحمان إلا لحم فتي، وإذا تغديت فتمدى واستلق ولو على الأسنة، وإذا تعشيت فامش ولو على الشوك، ولا يدخل بطنك طعام حتى تستمرئ ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء فتنتفض، وكل الفاكهة في إقبالها واتركها في إدبارها …
وسأله الحجاج: أي شيء دواء آكل الطين وقد اعتاد به؟ فقال: عزيمة مثلك أيها الأمير، فرمى الحجاج بالطين ولم يعد إليه أبداً …
وله كتاب إيدال الأدوية أي مزجها …
فلما عرض الرشيد أمرها على الطبيب جبريل بن بخيتشوع قال جبريل: إن لم يسخط أمير المؤمنين علي فلها عندي حيلة، فقال الرشيد: وما هي؟
قال الطبيب: تخرج الجارية إلى ها هنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريد وتتمهل علي ولا تسخط عاجلاً. فأمر الرشيد فخرجت. وحين رآها جبريل أسرع إليها ونكس رأسها وأمسك ذيلها وكأنه يريد أن يعريها أمام الجمع. فانزعجت الجارية وصدمت لذلك التصرف ودفعها الحياء إلى بسط يدها إلى أسفل لتمسك ذيلها وتستر جسدها. وعندئذ التفت الطبيب جبريل إلى الخليفة وقال: لقد برئت يا أمير المؤمنين …
وللمأمون شعر فيه:
أفي طبك يا جبريل ما يشفي ذوي العلة؟
غزال قد سبى عقلي بلا جرم ولا زلة
وله رسالة في المطعم والمشرب وغيرها
ومن كلامه وقد سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال: شرب القليل من الشراب الصافي، ثم سئل عن الشر الذي لا خير فيه فقال: نكاح العجوز. وكان فكهاً ذا دعابة وظرف …
ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربية مثلاً بمثل. وقيل إنه رحل إلى أقصى البلاد بطلب الكتب التي قصد نقلها. وصار كتابه العشر مقالات في العين من أهم الكتب التي قامت عليها دراسة الطب في أوروبا في العصور الوسطى وقد ترجم إلى اللاتينية …
ومن أقواله:
ومن أقواله: "الصبر قوة من قوى العقل وبحسب قوة العقل تكون قوة الصبر".
ومن أقواله: "الطبيب الجاهل مستحث الموت".
الأطباء الأحداث الذين لا تجربة لهم قتالون
وله رسالة في الجدري والحصبة هي الأولى في نوعها. وقد وصف فيها هذين المرضين وعرف أعراضهما ومعالجتهما وطرق الوقاية منهما.
ويقول خليل باز: "جاء أبو بكر الرازي فعلم العرب التفكير المطلق والنظر الحر، فرسالته في الجدري والحصبة ظلت المرجع الأول والأخير في أوربا حتى القرن الثامن عشر". ويقول مصطفى الرافعي: "ولم ينقطع أطباء جامعة مونبلييه عن شرح نظرياته وتعليم كتبه إلا منذ أقل من قرن". تقول زيغريد هونكه: "وكان الرازي في سعي دائم وراء المعرفة عاباً منها كل ما يمكن عبه، باحثاً عنها في صفحات الكتب وعلى أسرة المرضى وفي التجارب الكيماوية، قاطعاً الآفاق من أجلها".
وقيل إن الرازي أصيب في أواخر أيامه بالماء الأزرق أو الساد فجاءه قداح ليقدح عينه فسأله الرازي: كم طبقة للعين؟ فقال: لا أعلم فقال: خير لي أن أبقى كفيفاً من أن يقدح عيني جاهل وصرفه، (راجع تاريخ مختصر الدول لابن العبري).
وكان الزهد طابعاً ملازماً له في مسكنه ومركبه ومأكله ولا عجب أن يموت تاركاً زوجاً صبوراً دون درهم أو ولد.
جاء في جهار مقاله أن أميراً شاباً من البويهيين أصيب بمرض عصبي وامتنع عن تناول الطعام وتوهم أنه أصبح بقرة وأخذ يصرخ مطالباً بذبحه وإطعام لحمه للناس. فلما استنجد أهله بابن سينا لمعالجته قصد بيت الأمير ومعه عدد من أتباعه وتناول سكيناً حادة وأخذ يصيح أين هي البقرة التي تريدون ذبحها؟ ثم تقدم نحو الأمير وأخذ يتحسس جسمه ورقبته بالسكين وهو مستسلم للطبيب، ثم قال ابن سينا بصوت عال: هذه بقرة نحيفة هزيلة اعلفوها أولاً حتى تسمن، ومن الغريب أن الأمير بدأ بتناول الطعام، وكان ابن سينا يدس له فيه الدواء حتى تم له الشفاء. ويقول محمد خليل عبد الخالق: أود أن ألفت النظر إلى أن ابن سينا أول من اكتشف الطفيلية الموجودة في الإنسان المسماة الآن بالإنكلستوما وكذلك المرض الناشئ عنها المسمى بالرهقان أو مرض الإنكلستوما، وقد كان هذا الاكتشاف في كتابه القانون في الطب في الفصل الخاص بالديدان المعوية. ومن أقواله:
ويقول حسين مؤنس: "لقد صنع ابن سينا ذكاءه بيده، وصاغه بسهر الليالي وجهاد الأيام ومغالبة الراحة والنوم والتحايل على السهر وإضناء الجسم فكان من ذلك كله هذا المجد العظيم".
وقيل كان الطب معدوماً فأوجده أبقراط وميتاً فأحياه جالينوس ومتفرقاً فجمعه الرازي وناقصاً فأكمله ابن سينا.
يحكى أن شيخاً مسناً من أهالي حلب انحدر إلى ركبته مرض أزمنه ومنعه من المشي فجاءه أهله بابن بطلان الطبيب فنظر في مكان الألم وقال: أدخلوه إلى حمام ساخنة واتركوه بها حتى يغشاه الكرب ويضيق نفسه ولا تمكنوه من الخروج فإذا غلبكم على رأيكم وقام خارجاً بنفسه فخذوا ماء بارداً واضربوا به فخذه إلى ركبته فإنه يشفى. فأدخلوه إلى أحد الحمامات وفعلوا به ما قال فأراد أن يستريح وطلب ذلك منهم فقالوا له: ها هنا جماعة وعوراتهم مكشوفة فاصبر إلى أن نزيلهم من طريقك ودافعوه عن الخروج إلى أن زاد كربه ولم يطق الصبر فنهض قائماً فرموه بماء بارد كما أمرهم فاستمر ماشياً على عادته الأولى. فسئل ابن بطلان عن ذلك فقال: رأيت هذا شيخاً مسناً ولا يحتمل مزاجه أن يسقى أدوية ويعمل له ضمادات فلربما يؤذيه ذلك ولم أر له دواء ألطف من هذا.
ومن خير وصاياه لابنه:
إياك أن تدخل طعاماً على طعام ولا تمش حتى تعيا ولا تجامع عجوزاً ولا تدخل حماماً على شبع وإذا جامعت فكن على حال وسط من الغذاء وعليك في كل أسبوع بقيئة ولا تأكل الفاكهة إلا في أوان نضجها ولا تأكل القديد من اللحم وإذا تغديت فامش أربعين خطوة ونم على يسارك لتقع الكبد على المعدة فينهضم ما فيها وتستريح الكبد من حرارة المعدة ولا تنم على يمينك فيبطئ الهضم ولا تأكل بشهوة عينيك بعد الشبع ولا تنم ليلاً حتى تعرض نفسك على الخلاء إن احتجت إلى ذلك أو لم تحتج واقعد على الطعام وأنت تشتهيه وقم عنه وأنت تشتهيه. وكتب هذه الوصايا العشر لمن أراد أن يعيش مائة سنة:
يقول حسين أمين: "ولم تصل أوربا الغربية إلى ما وصلت إليه الآن من رقي في الطب وازدهار، إلا بعد أن بقيت زمناً طويلاً تعمل بنهج أطباء العرب، وتستعين بخبراتهم وآرائهم، وتستعمل طرائقهم في الكشف والمداواة" …
وينبغي للطبيب الذي يستحق التقديم أن يكون معتدلاً في مزاجه، طاهراً في نفسه، متمسكاً بدينه، ملازماً لشرعته، وافر العقل، قوي الذكاء، حسن التصور، معروفاً بصدق اللهجة وأداء الأمانة، مهتماً بما يعنيه، محباً لاصطناع المعروف ….
يساوي ظاهره باطنه في أفعال الجميل، حسن الخلق، غير شره في كسب الحطام. ليس عنده حقد ولا حسد، صحيح الخط والعبارة، مواظباً على درسه ومطالعته، ناظراً في كتب المتقدمين، شفوقاً بالضعفاء والفقراء والمساكين، سابقاً إلى معالجتهم قبل معالجته الأغنياء، معروف الأستاذين والشيوخ، أخذ العلم عمن دونه ومن فوقه لقوله صلى الله عليه وسلم: {التمسوا الحكمة ولو من يد ذمي}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: {الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها التقطها}.
ويكون عفيف الفرج والبطن والنظر، كتوماً للأسرار، قليل المزح والكلام أي لا يتكلم إلا بحسب الحاجة خوفاً من سقوط الحرمة، وأن يلبس ثياباً نظافاً وأجملها البياض، وليخاطب كل إنسان بما يليق بمقامه من غير إلحاح. ولقد حكي أن طبيباً دخل على بعض الكتّاب فسلم عليه، وابتدأ يسأله عن حاله فقال له: ماذا تجد؟ فقال: ألماً، قال: وما ألمك؟ قال: حمى قال: ومما حممت؟ قال: من عقر الخف، قال: ولم عقرك؟ قال: لبسته وكان ضيقاً، قال: ولم لبسته؟ قال: مضيت إلى حاجة. قال: وأين كانت الحاجة؟ قال: في الديوان العالي قال: ولمن هي؟ قال: للسلطان قال: وما هي؟ قال: لا أقول لك قال: لم لا تقول لي؟ قال: لأنك سقيع اللحية، كثير الفضول، قم اخرج عني إلى لعنة الله تعالى وأخرجه. (راجع مغني الأحباب للبنهاوي) …
أما المريض فمن واجباته:
أن يكرم الطبيب، ويتلقاه بالبشاشة، وحسن القبول ليجتهد في علاجه بالرغبة، وإخلاص النية. وأن يكون حريصاً على استعمال كل ما أمره به واجتناب كل ما نهاه عنه فقد قال بعضهم: إذا كان الطبيب حاذقاً، والصيدلاني صادقاً، والمريض موافقاً فما أقل لبث العلة.
وقيل: أن الفاضل جالينوس قال يوماً لمريض كان يعالجه: اعلم أنني أنا وأنت والمرض ثلاثة فإن طاوعتني كنتُ أنا وأنتَ اثنين والمرض واحداً فنغلبه، وإن خالفتني كنتَ أنتَ والمرض اثنين وأنا واحداً فتغلباني … وألا يعاف شرب الدواء الكريه الطعم بل يُقدم عليه ويتناوله غير نافرٍ منه لأن ما تنفر منه الطبيعة لا ينجع فيها، وأن يعتقد فيه المنفعة فترتاح نفسه إليه، وتنتعش طبيعته بواسطته. وألا تشره نفسه إلى ما يضره من الأطعمة اللذيذة فإنها تكون خبيثة بعد ذلك. وألا يكتم عن الطبيب شيئاً من أمره فربما كان ما لا يُعتبر عنده معتبراً عند الطبيب.
ويجب على أهل المريض أن يبذلوا الجهد في ملاحظة كل ما يأول إلى راحته ويهتموا في قضاء حوائجه العلاجية وغيرها، ويجتنبوا إزعاجه جسماً وفكراً ولا يفتروا عن تسليته وتطمينه ولا يظهروا له خوفاً ولا جزعاً ولا يحدثوا بعضهم سراً بحضرته ولا يشير بعضهم إلى بعض وإذا رأوه في ضنك وانتهاك يكلفون أنفسهم البشاشة ويسهلوا الأمر عليه ولا يمكنوا من الدخول عليه إلا من يستأنس به وترتاح نفسه إلى معاشرته فإن ذلك مما يفيده، لأن خلوة المريض بنفسه دائماً تجلب عليه الضجر فيضيق صدره وتتردد في قلبه الهواجس والأفكار المزعجة. ويجب على الذين يزورونه أن لا يدخلوا عليه إلا بإذنه، ومتى جلسوا عنده لا يكثرون عليه المسائل، ولا يتحدثون إلا بما تطيب نفسه بسماعه، ولا يسر بعضهم إلى بعض كلاماً خفياً، ولا يطيلون الجلوس عنده لأن ذلك يمسكه عن قضاء بعض حوائجه ويشغل أهل بيته عن تدبير ما يحتاج إليه. (راجع كتاب الحجر الكريم لليازجي).
تم بعونه تعالى
البريد الالكتروني للكاتب: tenbkj@gmail.com
الكلمات المفتاحية