فيروس هانتا معروف منذ زمن، ولا ينتقل من إنسان إلى إنسان آخر.
يبدو أن التمدد السكاني والعمراني وازدياد الحاجة إلى الغذاء والاستزراع المكثف للحيوانات وسهولة التنقل والتطور التكنولوجي أدّى إلى العديد من التغيرات على البيئة وبالتالي على الحيوانات. بيئة هذه الحيوانات تحت تهديد مستمر بالتلوث أو بالقطع الجائر للغابات أو حتى بالتهديد المباشر من خلال الصيد. كل هذه العوامل تجعل الفيروسات التي تصيب هذه الحيوانات أكثر قرباً من الإنسان، وقد تقرر أن تنقل مكان معيشتها من الحيوان إلى الإنسان، وأصبحنا نرى هذا واقعاً مثل فيروس ايبولا وفيروس كورونا المستجد.
بالأمس تم الإعلان عن حالة وفاة شخص واحد بفيروس هانتا في الصين، الأمر الذي سبب الذعر على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يعود السبب لهذا الهلع وجود جائحة الكورونا الحالية بالإضافة إلى طريقة تناول الإعلام لهذا الخبر والاستعداد النفسي لتصديق هذا التهويل بالإضافة إلى أن منبع مرض الكورونا وهذا المرض هو نفسه، الصين. سنتعرف على فيروس هانتا في هذه السطور ونرى مدى خطورته وكيفية انتقاله للبشر.
تُعرف فيروسات هانتا (Hantavirus) في الولايات المتحدة بفيروسات "العالم الجديد"، ويتسبب الفيروس في الإصابة بمتلازمة الهنتافيروس الرئوية (HPS-Hantan Pulmonary Syndrome)، والمعروفة أيضًا باسم المتلازمة القلبية الرئوية، وهو مرض تنفسي نادر مرتبط باستنشاق فضلات القوارض (البول والبراز عندما يجف ويتحول إلى غبار أو رذاذ يتم استنشاقه) الملوّثة بفيروس هانتا. وهناك نوع آخر من فيروسات هانتا تُعرف بفيروسات "العالم القديم" والتي تتسبب في متلازمة الحُمى النزفية واعتلال الكلى (HFRS Hemorrhagic fever and Renal Syndrome). وتوجد أنواع أخرى لم يتم ربطها بمرض بشري معروف، حتى الآن.
تعزى تسمية Hantavirus لمنطقة نهر Hantan في كوريا الجنوبية حيث لوحظ تفشي مبكر له، وتم عزله في عام 1976 بواسطة Ho-Wang Le. إنها فيروسات ذات سلسة أحادية من الحمض النووي الرايبوزي (سالبة الشريط)، مغلّفة وتنتمي لعائلة Hantaviridae. تم ربط العدوى البشرية بهذا الفيروس من خلال لمس فضلات القوارض. ومع ذلك، في عامي 2005 و2019، تم الإبلاغ عن انتقال فيروس أنديز "نوع من أنواع Hantavirus" من شخص لآخر في أمريكا الجنوبية. عادة ما تصيب هذه الفيروسات القوارض، دون التسبب بالمرض لها. وأعراضها تشبه الأنفلونزا مثل حمّى، سعال، ألم في العضلات، صداع وخمول وضيق التنفس. ومن الممكن أن تتفاقم العدوى لتصل إلى فشل حاد في الجهاز التنفسي.
آلية المرض بعدوى فيروس هانتا غير واضحة لنقص النماذج الحيوانية لوصفها (الفئران لا تصاب بأمراض حادة من هذا الفيروس). والموقع الأساسي للتكاثر الفيروسي في الجسم أيضاً غير معروف، ففي متلازمة الحمى والكلى HFRS يكون التأثير الرئيسي على الأوعية الدموية، بينما في متلازمة الهنتافيروس الرئوية HPS ترتبط معظم الأعراض بالرئتين.
في HFRS (متلازمة الحُمى النزفية واعتلال الكلى) هناك زيادة في نفاذية الأوعية الدموية وانخفاض ضغط الدم بسبب الخلل البطاني، حيث تصاب الكلى بضرر كبير. بينما في HPS (المتلازمة القلبية الرئوية)، تكون الرئتين، الطحال والمرارة أكثر تضرراً. تميل الأعراض المبكرة لـ HPS إلى الظهور بشكل مشابه للأنفلونزا (آلام في العضلات، حمى وتعب) وعادة ما تظهر بعد حوالي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع بعد التعرض للفيروس. تتضمن المراحل المتأخرة من المرض (حوالي 4 – 10 أيام بعد بدء الأعراض) صعوبة وضيق في التنفس وسعال.
ليس هناك إثبات على أن فيروسات هانتا المسببة للحمى النزفية تنتقل من شخص لآخر، باستثناء فيروس أنديز Ande . بالنسبة للأنواع الأخرى من فيروس هانتا، فإن فضلات القوارض أو عضات القوارض هي الطرق الوحيدة المعروفة لانتقالها إلى البشر. ولم يثبت الانتقال من خلال أدوات وأغراض المريض في مرض فيروس هانتا سواء في الحمى النزفية أو الرئوية.
وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة، فإن أفضل وسيلة للوقاية من الإصابة بفيروس هانتا: هي القضاء على الاتصال مع القوارض في المنزل أو مكان العمل. وبما أن الفيروس يمكن أن ينتقل عن طريق لعاب القوارض، فضلاته أو بالعض، فإن السيطرة/القضاء على الجرذان والفئران في المناطق التي يرتادها البشر أمر أساسي للوقاية من الأمراض. يمكن تحقيق الوقاية العامة عن طريق التخلص من أماكن توالد القوارض، وإغلاق أي شقوق وثقوب في المنازل حيث يمكن أن تدخل الفئران، نصب الفخاخ، أو وضع السموم أو استخدام الحيوانات مثل القطط في المنزل.
تختلف المدة التي تظل فيها الفيروسات معدية في البيئة بناءً على عدة عوامل: مثل النظام الغذائي للقوارض، درجة الحرارة، الرطوبة وما إذا كان في الداخل أو في الهواء الطلق. أظهرت الدراسات أن الفيروسات تظل نشطة لمدة يومين إلى ثلاثة أيام في درجة حرارة الغرفة العادية، بينما تقتلها الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس المباشر في غضون ساعات قليلة. ومع ذلك، يجب دائماً التعامل مع فضلات القوارض أو البول في كل الأحوال على أنها معدية.
لا يوجد لقاح معتمد من قِبل إدارة الأغذية والعقاقير (FDA) أو متوافر تجارياً ضد فيروس هانتا. هناك لقاح معروف باسم Hantavax منذ 1990 لكن يبدو أنه لم يعتمد. لا يتم السعي بشكل جدي وراء لقاح مضاد لهذا الفيروس بسبب عدم الجدوى الاقتصادية من إنتاج لقاح لمرض نادر الحدوث وهناك أيضاً تساؤلات حول كفاءة اللقاح.
يمكن استعمال مضاد الفيروسات Ribavirin كعلاج لـ HPS و HFRS ولكن فعاليته لا تزال غير مثبتة، ومع ذلك، من الممكن أن يتعافى المريض تلقائياً مع العلاج الداعم. حيث يتم إدخال الأشخاص المُشتبه إصابتهم بفيروس هانتا إلى المستشفى، ثم يتم إعطاء الأكسجين والدعم بالتهوية الميكانيكية لمساعدتهم على التنفس أثناء المرحلة الرئوية الحادة مع ضيق التنفس الشديد.
وتبقى النظافة والسيطرة على القوارض الأمر الأبرز في مكافحة هذه المجموعة من الفيروسات.
البريد الالكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com