"دراسة تثبت أن فيروس كورونا طبيعي، ولم يتم تصنيعه معملياً ".
فيروس كورونا الجديد
فيروس كورونا الجديد هو أحد الفيروسات التاجية المعروفة باسم كورونا، وهي عائلة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تسبب أمراضاً تتراوح شدتها على نطاق واسع. وقد ظهر أول مرض حاد معروف بسبب فيروس تاجي SARS-CoV مع وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) عام 2003 في الصين. وفي عام 2012 ظهر في المملكة العربية السعودية فيروس كورونا آخر MERS-CoV أدّى إلى اندلاع مرض ثانٍ هو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) . وفي ديسمبر 2019 ظهر فيروس كورونا "سارس – COVID-19 والذي يمثل سابع فيروس تاجي معروف بإصابته البشر. ولكن على عكس MERS-CoV و SARS-CoV ، والتي يمكن أن تسبب مرضاً شديداً، فالإصابة بفيروس كورونا الجديد يصاحب عادة بأعراض خفيفة، ولكنها قد تتطور إلى أعراض أشد.
اكتشاف فيروس كورونا الجديد
وفي 31 ديسمبر من العام الماضي 2019، بلغت السلطات الصينية منظمة الصحة العالمية عن تفشي سلالة جديدة من الفيروس التاجي تسبب مرضًا شديدًا، والذي تم تسميته لاحقًا باسم سارس. CoV-2. وحتى 17 مارس 2019، كان هناك 179111 حالة مؤكدة، و 7426 حالة وفاة مرتبطة بالفيروس التاجي الجديد، وفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية. وبعد وقت قصير من بدء الوباء، قام العلماء الصينيون بتحليل تسلسل جينوم السارس – CoV – 2 ونشروا البيانات لتكون متاحة للباحثين في جميع أنحاء العالم حتى يشارك علماء العالم المتخصصون في الأبحاث المعتمدة على خريطة جينوم الفيروس المتعلقة بمعرفة أصل الفيروس أو بالتشخيص أو العلاج خاصة العلاج المناعي.
شكوك أن فيروس كورونا الجديد مُخلقاً في المعمل
رغم أن الادعاءات الأولى التي صاحبت انتشار الفيروس أشارت إلى أنه مشتق من فيروس يحمله خفاش بري استهلكه مواطن صيني مقيم في ووهان، إلا أنه كانت هناك أيضاً بعض الادعاءات أو المخاوف من أن الفيروس قد تم تخليقه في المختبر. وقد بُني هذا القول على أساس أن المقاطعات المجاورة للمنطقة التي حدثت فيها العدوى الأولى يعيش فيها عدد كبير من الخفافيش البرية، ولكنها لم تشهد تفشي المرض. وبسبب ذلك وعوامل أخرى، كانت هناك تكهنات كبيرة بأن الطفرة التي حدثت في فيروس كورونا الجديد لم تحدث بشكل طبيعي وإنما تم إنتاجه في المختبر، ربما كسلاح حرب بيولوجي. ومما يعضد ذلك إشارة بعض التقارير إلى وجود مكونات للفيروس تتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية HIV والتي لم يكن من الممكن أن تحدث بشكل طبيعي.
ومن الفرضيات التي انتشرت أنه إذا كان الفيروس قد تم تطويره أو حتى إنتاجه كسلاح في معهد ووهان لمختبر الفيروسات، فإنه من الممكن أن يكون قد تم هروبه من المعهد وإصابته الحيوانات والسكان بطريقة عرضية، خاصة أن الفنيين الذين يعملون في مثل هذه البيئات يدركون أن تسرب الميكروبات من المختبرات يحدث بشكل متكرر. وما كان يعضد هذه الفرضية أكثر هو انتشار تكهنات في بداية انتشار العدوى بأن الإدارة الأمريكية تبدي تخوفها باستمرار من مسألة تزايد القدرة التنافسية الصينية العالمية كتهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي والهيمنة الاقتصادية. وبالتالي ارتفعت بعض الأصوات التي تزعم بإمكانية أن تكون واشنطن قد خلّقت الفيروس الجديد وأطلقت له العنان في محاولة لضرب اقتصاد بكين المتنامي والقوة العسكرية القوية لها.
ومع أنه من الصعب تصديق ذلك، إلا أن مما زاد شيوع هذه التكهنات هو وجود سوابق لتخليق فيروسات، وإن كانت من نوع آخر، فيروسات للكمبيوتر. ففي سبتمبر 2005 طورت الحكومة الأمريكية سراً فيروس كمبيوتر يسمى Stuxnet، والذي كان يهدف إلى إتلاف أنظمة التحكم والتشغيل لأجهزة الكمبيوتر الإيرانية المستخدمة في برنامج البحوث النووية في ذلك البلد. ولكن المخاوف كانت شديدة في ذلك الوقت من انتشارها وانتقالها لإصابة أجهزة الكمبيوتر خارج إيران وهو ما حدث بالفعل حيث أن هذا الفيروس قد انتشر إلى آلاف أجهزة الكمبيوتر خارج إيران، في بلدان بعيدة مثل الصين وألمانيا وكازاخستان وإندونيسيا.
وقد صدق كثير من الناس هذه التكهنات، خاصة أن العديد من شركات الأدوية والمختبرات البحثية في عدة دول أعلنت أنها ستنتج لقاح ضد الفيروس التاجي الجديد في غضون أسابيع قليلة مما أثار تساؤلات، كيف يمكن انتاج اللقاح بهذه السرعة إن لم يكن الفيروس ولقاحه قد تم إعدادهما مسبقاً؟
وقبل أن نجيب على هذا التساؤل ونستعرض نتائج الدراسة التي تنفي تصنيع الفيروس بشرياً، سوف نوضح بعض الأمور المتعلقة بهذا الفيروس وكيفية تأثيره على المصاب، واستهدافه لخلايا الحويصلات الهوائية في الرئة.
كيف يدخل فيروس كورونا الجديد الخلية المستهدفة
لكي يدخل الفيروس الخلايا المستهدفة في الجسم، وهي خلايا الحويصلات الهوائية في الرئة، يحتاج إلى مستقبل خاص ليساعده على دخول الخلية، هذا المستقبل يسمى Angiotensin Converting Enzymes-2 ويرمز له ب ACE-2 وهو موجود على سطح خلايا الحويصلات الهوائية الموجودة في الرئة. وهناك ثلاثة أنواع من الخلايا في الحويصلات الهوائية. النوع الأول مسؤول عن تبادل الغازات مع الأوعية الدموية، والنوع الثاني مسؤول عن إنتاج مادة (مؤثر سطحي) عبارة عن مزيج من البروتينات والدهون تقلل الشد السطحي للحويصلة الهوائية، والنوع الثالث خلايا مناعية "Dust cell" وهي عبارة عن Macrophages. ومستقبل ACE-2 يوجد على النوع الثاني من خلايا الحويصلات الهوائية.
غلاف فيروس كورونا الجديد يحتوي على بروتينات تسمى Spikes و خاصة (S-Spike) هي التي تساعد الفيروس على الارتباط ببروتين ACE-2 على سطح خلايا الحويصلة الهوائية من النوع الثاني. وعندما يحدث هذا الارتباط، تدخل المادة الوراثية (جسم) للفيروس إلى داخل الخلية لتبدأ بتسخير الخلية لإنتاج بروتينات الفيروس وبالتالي يتكاثر الفايروس وتموت الخلية.
ماذا يفعل فيروس كورونا الجديد بعد تمكنه من خلايا الجسم
وعندما تموت خلايا النوع الثاني من خلايا الحويصلة الهوائية فإنها تقوم بطرح مواد (بروتينات) التهابية تسمى Specific inflammatory mediators والتي تعمل على تحفيز الخلايا المناعية الموجودة "Macrophages" والتي تقوم بدورها بإفراز ثلاثة بروتينات مناعية تسمى "Cytokines" أو انتيرليوكينز Interleukins (IL) وهي IL-1, IL-6, TNF-alpha. وعندما تصل هذه المواد الثلاث إلى مجرى الدم، فإنها تسبب الأعراض المصاحبة للإصابة بفيروس كورونا بسبب حدوث توسع بالأوعية الدموية المحيطة بالحويصلة وزيادة نفاذية جدار هذه الأوعية وبالتالي إلى وذمة الرئة أو استسقاء الرئة "Alveolar edema" التي تؤدي إلى نقص الأوكسجين "Hypoxia" وضيق التنفس. وفقدان المؤثر السطحي Surfactant يؤدي إلى زيادة الشد السطحي للحويصلة وبالتالي إلى ضيق التنفس. وتقوم هذه البروتينات الثلاثة أيضاً بزيادة تدفق خلايا الدم البيضاء "Neutrophils" إلى مكان الإصابة الفيروسية كاستجابة مناعية، وهنا تقوم هذه الخلايا بقتل بعض الفيروسات عن طريق إفراز انزيمات محللة (Proteases) ومواد شاردة ولكن هذه المواد تقوم أيضاً بتحطيم بعض خلايا الحويصلة الهوائية المسؤولة عن التبادل الغازي فتسبب حالة السعال الشديد. وعلى مستوى الجهاز العصبي تقوم المواد الالتهابية الثلاث (البروتينات) بالتأثير على الغدة تحت المهدية "Hypothalamus" وبالتالي تعمل على زيادة درجة حرارة الجسم وتسبب أعراض الحمى الأمر الذي قد يتسبب في حالة العدوى الشديدة، إلى حالة من الالتهاب الشديد وعطب في العديد من أعضاء الجسم وخاصة الكلية وبالتالي قد يحدث فشل كلوي.
فيروس كورونا الجديد غير مخلق في المختبر
ولحسم الجدل وتلك التكهنات حول أصل الفيروس هل هو طبيعي أم مصنوع؟ قام فريق من علماء البيولوجيا في معهد سكريب Scripps Institute المعروف عالمياً في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بإجراء بحث جديد لدراسة ما إذا كان جسم فيروس كورونا قد تم تخليقه في المعامل أم أن انتقاله للإنسان كان نتيجة طفرة طبيعية.
وقد أكدت نتائج الدراسة أن الفيروس قد أصاب الإنسان نتيجة تحور طبيعي في تركيبه جعله قادراً على استهداف الخلية البشرية.
قام العلماء بتحليل النموذج الجيني للبروتينات الموجودة على السطح الخارجي لـ SARS-CoV-2 التي يستخدمها الفيروس لربط مستقبلات سطح الخلية والدخول إلى الخلايا البشرية. وقد ركزوا على تحليل جزأين مهمين من البروتين: الجزء الأول يسمى (RBD) وهو المسؤول عن ارتباط بروتين الفيروس بالمستقبل الخاص به على الخلية البشرية المستهدفة، والجزء الثاني المسؤول عن دخول بروتين الفيروس ومعه جسم الفيروس من خلال الغشاء الخارجي للخلية المستهدفة.
وقد وجد الباحثون أن جزء RBD من بروتينات كورونا الجديد قد تطور لاستهداف مستقبلات ACE2 للخلية المستهدفة بشكل فعّال ولكنه يختلف عن تركيب RBD المعروف سابقًا. وبالتالي، فإن ارتباط بروتين السارس CoV-2 إلى ACE2 البشري هو على الأرجح نتيجة الانتقاء الطبيعي على ACE2 البشري مما يمثل دليلاً قويا على أن السارس COVID-19 ليس نتيجة تخليق مقصود في المعمل.
تم دعم الأدلة على التطور الطبيعي للفيروس من خلال بيانات عن جسم COVID-19 هيكلها الجزيئي الشامل. كما وجد العلماء أن التركيب الدقيق لجسم COVID-19 الجديد يختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في الفيروسات التاجية المعروفة بالفعل، ولكنه يشبه تركيب جسم الفيروسات ذات الصلة الموجودة في الخفافيش والبنغولين. كما أن البيانات الوراثية لجسم كورونا الجديد تُظهر بشكل لا يمكن دحضه أن فيروس COVID-19 غير مشتق من أي جسم للفيروسات المستخدمة سابقًا. فإذا كان هناك من يريد هندسة فيروس تاجي جديد فقد كان عليه أن يقوم ببنائه من جسم فيروس معروف بأنه يسبب المرض.
سيناريو انتقال فيروس كورونا الجديد للإنسان
وبناءا على تحليل التركيب التتابعي الدقيق للبروتين الموجود حول جسم الفيروس والذي يعمل بمثابة المجس المسؤول عن ارتباط الفيروس بالخلية البشرية المستهدفة وكذلك التركيب التتابعي الدقيق لجسم الفيروس نفسه والذي يكوّن الهيكل الأساسي للفيروس، اتضح أنهما قريبان جداً من فيروسات كورونا الموجودة في الخفافيش وأنهما بعيدين كل البعد عن تركيب أَي أجزاء فيروسية مخلّقة. ووضع علماء الحياة سيناريوين لكيفية تحول الفيروس من الشكل الغير معدي للإنسان إلى فيروس له القدرة على الارتباط بالخلية البشرية عن طريق بروتين محدد.
- السيناريو الأول: حدوث هذا التحور في شكل بروتين سطح الفيروس في الخفاش ثم انتقاله إلى حيوان آخر كعائل وسيط قبل انتقاله للإنسان بطريقة أو بأخرى.
- السيناريو الثاني: تعرض الإنسان لهذا الفيروس وحدوث التحور في تركيب بروتين سطح الفيروس داخل الإنسان نفسه.
وإذا كانت احتمالية دخول SARS-CoV-2 الخلية البشرية في شكله المرضي الحالي من مصدر حيواني، فإنه يثير احتمال تفشي المرض في المستقبل، حيث يمكن أن تنتقل السلالة الممرضة للفيروس في الحيوانات وقد تقفز مرة أخرى إلى البشر.
وأيا كان السيناريو الذي تم (وان كنت أميل شخصيًا إلى السيناريو الأول) فإن هذه الدراسة مهمة جداً، لأنها تنفي تماماً فرضية تخليق هذا الفيروس صناعياً بتركيب أجزاءه في المعمل. والذي يعضد ذلك أن الطفرات التي حدثت في الفيروس كانت في موقع RBD المسؤول عن ارتباط الفيروس بالبروتين على سطح الخلية البشرية وفي الموقع المجاور له والمسؤول عن دخول جسم الفيروس نفسه إلى داخل الخلية. كما وجد بدراسة التركيب الجيني الدقيق لجسم الفيروس أنه لا يتشابه مع أي جسم فيروس آخر تم تخليقه في المعامل من قبل مما يدل على أن الطفرة في البروتين حدثت طبيعية إما في حيوان الخفاش نفسه أو حيوان آخر انتقل الفيروس إليه، أو في الإنسان نفسه عندما انتقل إليه. وعليه تنفي هذه الدراسة أن هذا الفيروس تم تخليقه في المعمل كسلاح بيولوجي مخيف. وبهذا يرسل هذا البحث الهام رسالة اطمئنان إلى المتخوفين من الاستهداف ويخفف حالة الهلع والخوف التي انتابت الجميع.
الخلاصة
فيروس كورونا الجديد لم يتم تخليقه صناعياً بتركيب أجزاءه في المعمل بغرض استهداف الإنسان، ولكن تم انتقاله للإنسان بعد حدوث طفرات طبيعية جعلت البروتين التاجي الممتد من سطحه قادرا على الارتباط بالخلية المستهدفة خاصة الحويصلات الهوائية في الرئة.
ومهما طال أمد فيروس كورونا فسوف يتم الانتهاء منه بإذن الله، في القريب العاجل بعلاج أو لقاح من تلك التي تحت الاختبار ليصبح تاريخاً كما حدث مع أنواع كورونا الأخرى التي أصابت العالم بالهلع في 2003 عند انتشار SARS وفي 2012 في السعودية عند انتشار MERS. ولأن كورونا الجديد أضعف من هذه الأنواع من عائلة السارس فإن نهايته قريبة بعون الله.
المراجع
- For corona virus mutation:
– Andersen, K.G., Rambaut, A., Lipkin, W.I. et al. The proximal origin of SARS-CoV-2. Nat Med (2020). https://doi.org/10.1038/s41591-020-0820-9
Published 17 March 2020
- For Corona virus genome sequence:
– https://www.ncbi.nlm.nih.gov/genbank/sars-cov-2-seqs/
- For comment on the published article on COVID-19 mutation
– https://www.genengnews.com/news/coronavirus-evolved-naturally-and-is-not-a-laboratory-construct-genetic-study-shows/?fbclid=IwAR3eMZiXtdI90iNJU7B-IWKcNaBun1jRBepeVfOSYrfMh1YdPEkF8AR6j44
- For debate on the origin of COVID-19
– http://www.informationclearinghouse.info/53083-c.htm.
البريد الإلكتروني للكاتب: Mohamed.abib@science.tanta.edu.eg