كيف تطور فيروس كورونا "كوفيد-19" ليصبح شديد العدوى؟ ماهي أهم البروتينات التي يستخدمها الفيروس للالتصاق بالخلايا البشرية؟ وهل أن هناك أعراق من البشر أكثر عرضة للعدوى بالفيروس أو تملك مناعة تمنع الإصابة به؟
هذه الأسئلة الثلاثة طرحها فريق من الباحثين التونسيين من معهد باستور وآخرون من جامعة ويتواتر سراند في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا وقدموا إجابات عنها في ورقة علمية نشرت على موقع "بايو آركسيف"* في السابع من مارس/آذار الجاري.
بعد أن أكدت الدراسات السابقة التي فحصت الارتباط بالبروتينات لدى هذا الفيروس أن الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) هو على الأرجح مستقبل الخلية الذي يغزو الفيروس من خلاله الخلية المضيفة، قام الباحثون بدراسة تفاعل المجال المستقبلي مع رابط المستقبلات (RBD) لسلالات مختلفة من فيروس كورونا مع بروتين المضيف ACE2.
لإنجاز الدراسة قام فريق البحث الذي ضم باحثين في المعلوماتية الحيوية وفي علم الجينات وعلم الفيروسات بإجراء عملية محاكاة اعتمادا على البيانات المتوفرة حول جينوم الفيروس.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة الباحث حسام الدين عثمان من معهد سيدني بارنر للعلوم في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا "إن نشر جينوم الفيروس "كوفيد-19" مثّل مصدرا قيما لدراسة الفيروس وتطوره مقارنة مع السلالات المعروفة سابقا ومعرفة البروتينات التي يستخدمها للالتصاق بالخلايا البشرية وإصابتها"
كيف تطور الفيروس؟
مع انتشار فيورس "كوفيد-19" السريع في كثير من المناطق عبر العالم تداولت الأوساط الإعلامية نقلا عن باحثين في مجال علم الفيروسات أن هذا الفيروس سريع الانتشار انتقل من الخفافيش إلى الإنسان في الصين بعد أن حصلت طفرات في جيناته.
قام فريق البحث بإجراء تحاليل فيلوجينية بدراسة العلاقات التطورية بين سلالات مختلفة من فيروس كورونا من خلال مقارنة تركيبة المادة الوراثية "الرنا RNA" لكل منها لمعرفة الطفرات التي حدثت للفيروس حتى يصل إلى نسخته الجديدة "كوفيد-19".
وجاءت نتائج هذه التحليل لتفند سيناريو حدوث الطفرات هذا، فقد تم التأكد من أنه لا يمكن أن يكون الفيروس قد تطور داخل الخفافيش قبل أن ينتقل للإنسان، إذ "يبدو أنه استبدل مقطعا كاملا من أحد أحماضه النووية الصبغية "الدنا" دفعة واحدة وهو أمر لا يحدث بسبب طفرة طبيعية" كما يقول الباحث حسام الدين عثمان في حوار مع موقع منظمة المجتمع العلمي العربي.
وحول الاحتمالات الممكنة والتي يمكن أن تؤدي لهذا "الاستبدال" يضيف الباحث "إن هناك أكثر من احتمال ممكن، أولها هو التقاء فيروس كورونا بفيروس من سلالة مختلفة أدّى إلى دمج أجزاء من مورثاته الجينية، وثانيها هو وقوع تلاعب بجينات الفيروس في أحد المختبرات". لكن انتشار الفيروس يبقى لغزا من حيث كونه مقصودا أم لا.
كما أيدت نتائج عمليات المحاكاة التي أجريت على طاقة الالتحام لدى الفيروس تلك التي تم التوصل إليها بواسطة التحاليل الفيلوجينية من استحالة أن يكون الفيروس متأتيا من الخفافيش.
ما هي البروتينات التي يستخدمها الفيروس للالتصاق بالخلايا البشرية؟
تُظهر نتائج المحاكاة أن الفيروس قام بتغيير بعض البروتينات (مقارنة بالسلالات القديمة من فيروسات كورونا) جعلت قابليته للالتصاق على الخلايا أعلى. كما طرأت تغييرات هامة على ديناميكية هذه البروتينات ذات الشكل الخيطي جعلتها أكثر استقرارا ليتأقلم أكثر مع الخلية المستهدفة ويزيد من فرص التحامه بها، كما يقول الباحث.
هل هناك أعرق بشرية مستهدفة أكثر من غيرها بالفيروس أو هي أقل عرضة للإصابة به؟
خلصت دراسات علمية سابقة إلى أن "كوفيد-19" يؤثر على الرجال أكثر من النساء وأن الآسيويين سيكونون أكثر حساسية من الأفارقة؛ ويفسر ذلك تفاعل الفيروس مع بروتين مستقبلات ACE2 المعبر عنه في الخلايا السنخية في الرئة، والذي يتم التعبير عنه بقوة لدى الرجال (مقارنة بالنساء) ولدى الآسيويين (مقارنة بـأعراق أخرى)؛ يؤدي تثبيت المصاب على ACE2 إلى تعبير مفرط Overexpression مما يؤدي إلى تلف خلايا الرئة.
ولكن، لا يبدو من خلال نتائج هذه الدراسة أن هناك مجموعات من البشر مستهدفة من الفيروس أكثر من غيرها من المجموعات. فالفيروس يهاجم جميع البشر بنفس الطريقة. كما أن فترة تطوره القصيرة نسبيا والتي لا تتجاوز 20 سنة لا تكفي لأن يكتسب بعض الأفراد أو المجموعات مناعة ضده.
- موقع "بايو آركسيف" ينتمي للموجة الجديدة من مواقع النشر التي تعتمد على نشر الورقات العلمية بشكل مفتوح ليتمكن القراء من التعليق عليها وإبداء آرائهم في النتائج التي تم التوصل إليها، عوضا عن عرض المقالة على لجنة علمية لتقييمها وتتفادى بالتالي احتكار مؤسسات النشر للورقة العلمية التي تعرضها بمقابل.
- الدكتور حسام الدين عثمان هو باحث في مجال المعلوماتية الحيوية حاصل على الدكتوراه من المعهد الوطني للعلوم التطبيقية بتونس وعمل باحثا في معهد باستور بتونس قبل الانتقال لمعهد سيدني برنر للعلوم البيولوجية الجزيئية التابع لجامعة ويتواتر سراند في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا. في رصيده 21 مقالا علمياً.
المصادر
البريد الالكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com