العلم هو النظام الموثوق به بشكل أكثر من غيره في اكتساب المعرفة الجديدة، والعلم التشاركي هو المشاركة العامة في تحقيق واكتشاف تلك المعرفة العلمية الجديدة.
يستخدم العلم التشاركي القوة الجماعية للمجتمعات والجمهور لتحديد أسئلة البحث، وجمع البيانات وتحليلها، وتفسير النتائج، واكتشافات جديدة، وتطوير التقنيات والتطبيقات، وغيرها.
تخيل وفكر فيما يمكنك تحقيقه إذا كان لديك فريق يضم مئات أو آلاف أو حتى ملايين الأشخاص الذين يجمعون البيانات لدعم بحثك!!
يمكن أن يتضمن مشروع العلم التشاركي شخصاً واحداً أو ملايين الأشخاص الذين يتعاونون من أجل تحقيق هدف مشترك. وعادة يكون إشراك الجمهور في: جمع البيانات أو تحليلها أو الإبلاغ عنها. وقد تم تطبيقه في مجالات كثيرة مثل، البيئة، علم الفلك، الطب، علم الكمبيوتر، الإحصاءات، علم النفس، علم الوراثة، الهندسة….، وغيرها كثير.
إن التعاون الضخم الذي يمكن أن يحدث من خلال العلم التشاركي يسمح بالبحث على المستويات المحلية والقارية والعالمية وعبر عقود من الزمن، ويؤدي هذا إلى اكتشاف ما لا يمكن تحقيقه عبر باحث واحد أو مجموعة من الباحثين. وخلال العشرين سنة الماضية، استعانت آلاف المشاريع بملايين المشاركين في جمع أو توثيق أو تحليل البيانات ومعالجتها، حول العالم. ويتزايد عدد الدراسات البحثية التي تستفيد من العلم التشاركي كل عام.
إن العلم التشاركي أصبح علماً بحد ذاته، يدرس في الدراسات العليا وتجرى عليه الدراسات والبحوث والدورات التدريبية والتعليمية حول العالم.
يعتبر مشروع العلم التشاركي هام ومفيد في تحقيق أهداف المؤسسات التعليمية والبحثية والاجتماعية وبالتالي للمجتمع، وذلك من خلال مساعدتها في تحقيق أهدافها التعليمية والبحثية والثقافية والاجتماعية، وكذلك هو مشروع هام ومفيد للمشاركين من نواحٍ متعددة، يمكن اختصارها بجعل العلم وممارسته جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، منها على سبيل المثال:
- سيغير المشاركون من العامة في المشروع من تصرفاتهم وإدراكهم للعلم.
- سيتعلم المشاركون كيف يطبقون الحقائق العلمية على أنفسهم، وبالتالي سيتمكنون من تحسين صحتهم ونمط حياتهم والمحافظة على البيئة المحيطة بهم
- إذا تعلم المشارك كيفية إجراء البحوث بدءاً من الملاحظات والتجارب والضوابط والترابط والتكرار والمراجعات، إذن فهذا الشخص قد يكتسب طريقة التفكير العلمي ويستطيع فهم وتقييم الادعاءات والأخبار العلمية ويستطيع تقييم صحة ما يستقبله منها يومياً.
- سيتمكن العلم التشاركي من إعطاء الفرصة لغير المنتمين للقطاع العلمي من المشاركة في حل مشاكل تهمهم. وسينتقل أولئك الأفراد من جانب التلقي إلى جانب المشاركة الإيجابية.
- هو وسيلة هامة لتعزيز العلاقات بين العلم ومؤسساته والمجتمع.
- وهو وسيلة هامة لنشر الثقافة العلمية في المجتمع.
وتتنوع مشاريع العلم التشاركي حسب نوع المشاركة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
وهي المشاريع التي يقوم فيها متطوعون لم يكن لديهم تدريب رسمي كباحثين بجمع بيانات يمكن استخدامها في بحوث علمية نظامية. مثل مراقبة البيئة ورصدها، ومن أمثلة ذلك: دراسة الطيور المهاجرة، والحشرات مثل النحل والفراشات، أو الزواحف والنباتات البرية، والأحياء المائية، ورصد حالة المياه في المستنقعات والبحيرات والأنهار والبحار، النباتات الغازية…
وهذه المشاريع تحقق نتائج علمية مهمة، وتسفر عن زيادة وعي المشاركين.
ساعدت الانترنت أيضاً في بزوغ نوع آخر من العلوم التشاركية لمعالجة البيانات وإيجاد الحلول، ومن المشارع المعروفة عالمياً: مشروع Galaxy Zoo والذي بدأ في 2007، حيث جُنّد الجمهور لتصنيف صور الفضاء التي تم التقاطها بواسطة تلسكوب هابل، حيث قام أكثر من مائة وخمسون ألف شخص في السنة الأولى فقط، بتصنيف أكثر من خمسين مليون صورة، وبديهي أنه لم يكن بإمكان العلماء انجاز كل هذا بأنفسهم حتى لو استعانوا بخوارزميات معقدة.
كما توجد مشاريع أخرى على نفس المنوال من تحليل الصور الفضائية أدّت إلى اكتشافات على سطح القمر. ومن أنواع تلك المشاريع، نمذجة مناخ الأرض باستخدام سجلات السفن والرحلات التاريخية. ورسم خارطة الخلايا العصبية في الدماغ البشري، وحل مسائل معقدة في الرياضيات.
المتطوعون غير مدفوعي الأجر والذين تحركهم رغبة ذاتية ودوافع اجتماعية ربما يكونون مصدراً هاماً لإنجاز هذه المشاريع خاصة أن تكلفتها هائلة. وبالمقابل تساعد المشاركين على زيادة فهمهم للعلم والانخراط فيه، وفهم أعمق وربما أمتع لهواياتهم.
- المشاريع القائمة على مناهج:
ونعني بها المشاركة في مشاريع قائمة محلياً أو عالمياً، أو تلك التي تصاغ حسب المناهج التعليمية ويشرف عليها المدرسون. مثل إشراك الطلاب في برامج الرصد البيئي العالمي أو التلوث ونحو ذلك. والميزة الرئيسية لهذه المشاريع القائمة على المناهج الدراسية هي الهيكلية الواضحة وطبيعة التدريب والمواد ودعم البرامج التي تسهل مشاركة الشباب.
مثال ذلك، مشروع GLOBE بين NASA & NSF والذي يربط الطلاب والمعلمين والعلماء والمواطنين من جميع أنحاء العالم لإجراء تحقيقات علمية حول بيئتهم المحلية. يشارك الطلاب في الأنشطة والتحقيقات متعددة التخصصات على مستوى تحصيلهم الدراسي لدراسة الغلاف الجوي والغلاف الحيوي والمائي والتربة. وقد وُجد أنه عند إشراف المعلمين المُدَرّبين على الطلاب، فإن الطلاب يكونون أكثر وعياً بالقضايا البيئية ويصبحون قادرين على استخدام البيانات العلمية في صنع القرارات، ويتعلمون الجديد من المفاهيم البيئية، كما أظهر الطلاب قدرتهم ومعرفتهم بأخذ العينات والقياس وتفسير البيانات واستخلاص النتائج أكثر من الطلاب الذين لم يشاركوا في المشروع.
مشروع آخر، WINGS، وهو مشروع وضعه متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي لإشراك الشباب في عملية جمع البيانات عن الفراشات.
هذا النوع من المشاريع القائمة على المناهج الدراسية، وإشراك المعلمين من المدرسين وغيرهم فيها، قد يكون مفيداً بشكل خاص لإشراك الطلبة الذين ليس لديهم اهتمام مسبق بالعلوم وجعلهم أكثر اهتماما. لكن لابد من تدريب كبير للمعلمين ولا سيما إذا كانت المشاريع تؤكد على التعلم القائم على الاستفسار.
من هو العالِم المشارك؟
هو فرد من المجتمع يساهم طوعاً بوقته وجهده والموارد اللازمة في البحث العلمي بالتعاون مع العلماء المتخصصين أو وحده. وهؤلاء الأفراد ليس لديهم بالضرورة خلفية علمية رسمية.
متى بدأ؟ وما الذي يجعله ينتشر؟
بدأ العلم التشاركي في منتصف التسعينات عندما ساهم أفراد من هواة مراقبة الطيور في جمع معلومات عن الطيور المهاجرة في أمريكا الشمالية ضمن مشروع بحثي يدرس تلك الهجرة تحت إشراف إحدى الجامعات الأمريكية، ولأن النتيجة كانت أفضل من المتوقع، فقد قررت الجامعة والعديد من الجامعات الأخرى تكرار التجربة.
ومع توفر الانترنت والتوسع في استخدامها وامكانيات تطبيقات الأجهزة والهواتف الذكية توسع تطبيق فكرة مشاركة الجمهور في البحث العلمي وأصبح بالإمكان تطبيق هذا النوع من المشاركة في العلم في مجالات واسعة ومشاريع تتراوح بين علم الفلك ورصد النجوم إلى علم الحيوان والنبات والتربة والمياه، وبين مشاريع علمية تطبيقية وبين أفكار فلسفية ورياضية.
في شهر سبتمبر من عام 2014، أضيف مصطلح CITIZEN SCIENCE لقاموس أكسفورد الانجليزي، وجاء تعريفه كما يلي:
“scientific work undertaken by members of the general public, often in collaboration with or under the direction of professional scientists and scientific institutions.
إذن، فعلم المواطن أو "علم العامة" أو "العلم التشاركي" أو "علوم الهواة" أو "العلم الجماعي" وكلها أسماء تطلق على هذا النوع من ممارسة العلم، يعني أعمالاً ومساهمات علمية يقوم بها أشخاص من العامة، غالباً تكون بالتعاون مع علماء متخصصين ومؤسسات علمية وتحت إشرافهم.
وفرص المشاركة في العلم التشاركي لا حدود لها اليوم، وهناك مشروع يتوافق مع أي هواية أو اهتمام أو فضول. والمشاركة سهلة في كثير من الأحيان، ربما يكون استخدامك لهاتفك المحمول أو عبر الانترنت يمكّنك من جمع وتقديم الملاحظات والبيانات وكذلك لرؤية النتائج. ويوفر موقع Scistarter على سبيل المثال، قاعدة بيانات لأكثر من 1500 مشروع وحدث قابل للبحث والفحص والمشاركة.
ومن هذه المنصات الناشئة والمتاحة للجمهور على سبيل المثال، مساعدة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة في قياس هزات الزلازل، أو الانضمام إلى جهود ناسا في عد الشهب التي تمر، أو المساعدة في رصد الضوضاء والتلوث الضوئي في المناطق المختلفة.
وتوجد منصات توفر تطبيقات الجوال مجاناً للمشاركين لتبادل الصور والملاحظات حول الحياة البرية والطبيعة، سواء في فناء المنزل أو في الشارع أو في القرى النائية أو المدن. ومن أمثلتها:
الفكرة وراء هذه المشاريع هي أن أي شخص وفي أي مكان يمكن أن يشارك في بحث علمي ذي مغزى.
- كيف سيؤثر ذلك على مستقبل البحث العلمي؟
- سد الفجوات: يسد العلم التشاركي الثغرات من خلال تسخيره قوة الناس الذين يحفزهم الفضول أو الرغبة في دفع البحوث أو القلق بشأن الظروف البيئية في مجتمعاتهم، ثم ربطهم بالمشاريع التي تستفيد من طاقتهم وتفانيهم.
- النطاق: في الماضي، كان جمع عينات كبيرة من البيانات للبحث أكثر المهام صعوبة في أي مبادرة أو مشروع بحثي، أما اليوم ومع العالم المترابط، فإن آلاف من الناس من جميع أنحاء العالم يمكنهم المساهمة عن بُعد في دراسة ما، حيث يمكنهم أن يوفروا أو يحللوا أو يبلغوا عن بيانات ومشاهدات يمكن للباحثين استخدامها. فالمشاركة العامة تُمكِّن من إجراء تحقيقات لا يمكن تحقيقها بدون ذلك.
- كيف يتم إضفاء طابع رسمي على العلم التشاركي؟
ولتقنين العمل، تأسست جمعيات لهذا النوع من ممارسة العلم في العديد من الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والدول الأوروبية، وتأسست رابطات تجمع تلك الجمعيات كالرابطة الأوروبية لعلم المواطن التي تجمع كل الجمعيات لكل دولة على حدة، وتقام سنوياً المؤتمرات لهذه الجمعيات وتتبادل الخبرات والأفكار وتتطور المفاهيم.
ومن أمثلة تلك الجمعيات:
- Citizen Science Association (CSA), US.
- European Citizen Science Association (ECSA), EU.
- Australian Citizen Science Association (ACSA), Australia.
ولكن يمكن البدء كما بدأوا في كثير من تلك الدول بمشاريع صغيرة تكبر وتتأسس مع الوقت.
أتمنى أن تجد فكرة مساهمة المجتمع في البحث العلمي مكاناً لدى جامعاتنا العربية ومؤسساتنا البحثية والتعليمية، والله الموفق.
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
جائزة منظمة المجتمع العلمي العربي