ماهو علم الذكاء الاصطناعي: يُعتبر الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence أحد فروع علم الحاسوب ويُشار له بالاختصار (AI)، إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا في العصر الحالي. ويُمكن تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الآلات والحواسيب الرقميّة على القيام بمهام مُعينة تُحاكي وتُشابه تلك التي يقوم بها الإنسان؛ كالقدرة على التفكير أو التعلُم من التجارب السابقة أو غيرها من العمليات الأُخرى التي تتطلب عمليات ذهنية. كما يهدف الذكاء الاصطناعي للوصول إلى أنظمة تتمتع بالذكاء وتتصرف على النحو الذي يتصرف به البشر من حيث التعلُم والفهم، بحيث تُقدم تلك الأنظمة لمُستخدميها خدمات مُختلفة من التعليم والإرشاد والتفاعل وما إلى ذلك.
ويعود تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى عام 1950م عندما قام العالِم آلان تورينج Alan Turing بتقديم ما يُعرف باختبار تورينج Turing Test الذي يُعنى بتقييم الذكاء لجهاز الكمبيوتر، وتصنيفه ذكياً في حال قدرته على محاكاة العقل البشري. وبعد ظهور اختبار تورينج بعام تم إنشاء أول برنامج يستخدم الذكاء الاصطناعي من قِبل كريستوفر ستراشي Christopher Strachey الذي كان يشغل منصب رئيس أبحاث البرمجة في جامعة أكسفورد-، إذ استطاع تشغيل لعبة الداما Checkers عبر جهاز الحاسوب وتطويرها. ثم قام أنتوني أوتنجر Anthony Oettinger من جامعة كامبريدج بتصميم تجربة مُحاكاة من خلال جهاز كمبيوتر لعمليّة التسوق التي يقوم بها الشخص البشري في أكثر من متجر بهدف محاكاة قياس قدرة الكمبيوتر على التعلُم. وكانت هذه أول تجربة ناجحة لما يُعرف بتعلُم الآلة Machine learning.
تمّ إعلان مفهوم الذكاء الاصطناعي بشكل رسمي عام 1956م في كليّة دارتموث، ولكنه لم يُحقق أي تقدّم على مدى عشرين عاماً تقريباً، وقد يعود سبب ذلك إلى القُدرات الحاسوبيّة المحدودة التي كانت متوفرة آنذاك. وفي عام 1997م تمكن أول جهاز حاسوب من التغلُب على مُنافس بشري في لعبة الشطرنج مما زاد وتيرة التسارع في علم الذكاء الاصطناعي في بداية القرن الواحد والعشرين حتى أصبحت الروبوتات التفاعليّة مُتاحة في المتاجر. بل إن الأمر تعدى ذلك ليصبح هناك روبوت يتفاعل مع المشاعر المختلفة من خلال تعابير الوجه، وغيرها من الروبوتات التي أصبحت تقوم بمهام صعبة كالروبوت نوماد Nomad الذي يقوم بمهمة البحث والاستكشاف عن الأماكن النائية في القطب الجنوبي، ويُحدد موقع النيازك في المنطقة.
تشخيص سرطان الثدي
يعد سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء، حيث تم تشخيص أكثر من مليوني حالة جديدة في العام الماضي 2019 وحده. ويمثل الفحص المنتظم للثدي أمراً مهما في اكتشاف العلامات الأولى للورم في المرضى الذين لا تظهر عليهم أية أعراض واضحة في البداية . ولذلك ينصح النساء فوق 50 سنة في بريطانيا بالحصول على تصوير الثدي بالأشعة السينية كل ثلاث سنوات، ويتم تحليل نتائجها من قبل اثنين من الخبراء كل على حده. وعادة ما يترك تفسير المسح الضوئي مجالاً للخطأ ، إيجابية خاطئة (أي تشّخص سيدة سليمة على أنها مصابة بالسرطان)، أو سلبي كاذب، (أي تشخص مريضاً بالسرطان على أنه غير مصاب بالمرض)، هذا بالإضافة إلى الوقت والتكلفة التي يحتاجها التشخيص من قبل خبيرين مستقلين.
الذكاء الاصطناعي وتشخيص سرطان الثدي
وللمساعدة في حل هذه الإشكالية، قامت دراسة حديثة، تم نشرها في مجلة Nature المعروفة علمياً والتي لا تنشر إلا الأبحاث التي لها مدلول علمي كبير، باستخدام علم الذكاء الاصطناعي لتصميم برنامج يقوم بعملية تشخيص سرطان الثدي تفوق تشخيص الخبراء البشر. وقد تم إجراء البحث لتقييم دقة التشخيص على مجموعة بيانات كبيرة من المملكة المتحدة وأخرى من الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى ثلاثين ألف شريحة من الصور الإشعاعية المأخوذة من المرضى. وقد أظهرت الدراسة انخفاضًا في التشخيص الإيجابي الخطأ بنسبة 5.7% في عينات الولايات المتحدة الأمريكية و1.2% في عينات المملكة المتحدة، عند استخدام الذكاء الاصطناعي. أما بالنسبة للتشخيص السلبي الكاذب فقد أظهرت الدراسة انخفاضًا بنسبة 9.4% في عينات الولايات المتحدة الأمريكية و2.7% في عينات المملكة المتحدة. وهكذا تقدم الدراسة دليلاً على قدرة برنامج الكمبيوتر هذا في كلا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على التشخيص الدقيق والتنبؤ بمرض السرطان. فهل تستفيد بلادنا من هذه التكنولوجيا التي يقدمها لنا الذكاء الاصطناعي؟
وتكمن أهمية التطبيقات السريرية المحتملة لهذه التكنولوجيا في استخدام النتائج التي تم إجراؤها بواسطة برنامج الذكاء الاصطناعي في تقليل عبء العمل الذي تنطوي عليه عملية القراءة المزدوجة المستخدمة في المملكة المتحدة وأمريكا، مع الحفاظ على مستوى الرعاية. فقد تم محاكاة هذا السيناريو من خلال حذف القارئ الثاني في التشخيص وحساب أي تحكيم تالٍ يتفق فيه قرار نظام الذكاء الاصطناعي مع قرار القارئ الأول. في هذه الحالات، تم التعامل مع رأي القارئ الأول على أنه نهائي. أما في حالات الخلاف مع القارئ الأول، يتم الاحتجاج برأي القارئ الثاني. وقد وجد أن لهذا المزيج من قراءة الإنسان والآلة أداء مكافئ لأداء عملية القراءة المزدوجة التقليدية، لكنه يوفر 88% من جهد القارئ الثاني، وبالتالي تقليل الوقت والجهد والتكلفة والدقة والسرعة لكثير من المرضى. كما أنه من الممكن أيضا استخدام هذا البرنامج من نظام الذكاء الاصطناعي في توفير تغذية مرتدة وتحليلات فورية تلقائية لنتائج الفحص لآلاف المرضى في وقت قصير
أنواع الذكاء الاصطناعي
يُمكن تصنيف الذكاء الاصطناعي تِبعاً لما يتمتع به من قدرات إلى ثلاثة أنواع مُختلفة هي:
- الذكاء الاصطناعي المحدود أو الضيق الذي نستطيع من خلاله القيام بمهام مُحددة وواضحة، كالسيارات ذاتيّة القيادة، أو برامج التعرُف على الكلام أو الصور، ويُعتبر هذا النوع من الذكاء الاصطناعي أكثر الأنواع شيوعاً وتوفراً في وقتنا الحالي.
- الذكاء الاصطناعي العام وهو النوع الذي يُمكن أن يَعمل بقدرة تُشابه قدرة الإنسان من حيث التفكير، إذ يُركز على جعل الآلة قادرة على التفكير والتخطيط من تلقاء نفسها وبشكل مُشابه للتفكير البشري، إلا أنه لا يوجد أيّ أمثلة عمليّة على هذا النوع.
- الذكاء الاصطناعي الفائق والذي من الممكن من خلاله القيام بعمليات معقدة قد تفوق مستوى ذكاء البشر، بحيث يقوم بمهام بشكل أفضل مما يقوم به الإنسان المُتخصص وذو المعرفة. ولذلك فإن لهذا النوع العديد من الخصائص التي لا بد أن يتضمنها؛ كالقدرة على التعلُم، والتخطيط، والتواصل التلقائي، وإصدار الأحكام.
ولأن مفهوم الذكاء الاصطناعي الفائق يُعتبر مفهوماً افتراضياً ليس له أي وجود في عصرنا الحالي، فأننا إذا نظرنا إلى برنامج الذكاء الاصطناعي الذي طوّره هذا الفريق البحثي في التشخيص الدقيق لأورام الثدي بدرجة أدق من الأطباء القارئين لفحص أشعة الثدي من الأصحاء ومرضى السرطان، فقد يُعدّ هذا الاكتشاف العلمي نوع من الذكاء الاصطناعي الفائق. بهذا نرى أن الانسان استطاع أن يطور بنفسه تكنولوجيات جديدة تستطيع أن تتفوق عليه في التفسير الطبي مما يعد تحولا مهما في تاريخ الطب والعلاقة بين الطبيب والمريض والآلة وخاصة الكمبيوتر.
التطبيقات الطبية الحالية للذكاء الاصطناعي
هناك الكثير من التطبيقات لبرامج الذكاء الاصطناعي في الطب، منها نظام التصوير في مجال معالجة الأمراض الجلدية والذي يمثل ثورة حقيقية في هذا المجال. ونظام التصوير هذا هو عبارة عن أداة مبتكرة يتم الاعتماد عليها لتحليل وتصوير الجلد لرصد وجود أي شامات أو بقع سوداء أو عيوب أو آثار أخرى غير طبيعية. وتتميز هذه التكنولوجيا الجديدة بدقتها العالية في رصد الأمراض مقارنة بمناظير الجلد التقليدية، حيث توفر مستويات عالية وغير مسبوقة من الوضوح، الأمر الذي يساعد على اكتشاف التغيرات المرضية في أسرع وقت ممكن، مما يساهم في إنقاذ حياة المرضى بشكل كبير. وتستخدم برامج الذكاء الاصطناعي أيضا في تسجيل تاريخ العائلة المرضي والقيام بتحليل الصور التشخيصية والأعراض والبيانات الجينومية ونتائج المختبرات كلها بشكل جماعي وكامل وبوتيرة متسارعة، الأمر الذي لا يمكن إنجازه وفق القدرات البشرية بنفس المستوى من الدقة والسرعة.
كما يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في إجراء العمليات الجراحية، فعلى سبيل المثال في عمليات الركبة استطاعت بعض الشركات وعن طريق مجسات توضع أثناء العملية على جانبي الركبة تحديد المناطق المتوجب إزالتها من العظم وبالتحديد لتلبيس المفصل الاصطناعي وإعطاء فرص ثبات واتزان أكبر للمفصل بعد أن كانت تعتمد بشكل رئيسي على خبرة الجراح. وتم إدخال الذكاء الاصطناعي لفحص شبكية العين عبر تصوير قاع العين، والاستفادة من بنك المعلومات والتفاصيل الخاصة بالمريض، وأصبح تحليل تلك البيانات، وتشخيص الحالة عن طريق الذكاء الاصطناعي، وأيضاً قراءة الصورة وتحليلها، وتقديم تقرير مباشرة عن الحالة، في وقت قياسي.
وقد تمتد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المستقبل لأكثر مما نتصور. فقد نرى كبسولة يتم زرعها في جسم مريض السكري لتتولى القيام بمهمة تحليل الدم بشكل دوري وقياس نسبة الأنسولين في الدم، وإرسال هذه المعلومات للطبيب المعالج، ومن ثم تقوم بضخ الأنسولين في جسم المريض بالقدر الذي يحتاجه الجسم بحسب النسبة الناقصة. كما يمكن إرسال آلاف الكبسولات الدقيقة لمهاجمة الخلايا السرطانية ومحاربتها والقضاء عليها من دون تعريض المريض لجلسات الكيماوي والإشعاع المرهقة.
التحدي الذي يواجه الذكاء الاصطناعي
ويبقى التحدي الأكبر الذي يقابل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب هو احتمالية اختراق هذه الأنظمة مما يشكل خطراً على الإنسان طالما أن جسمه موصل لاسلكياً بأجهزة خارجية وكذا على المعلومات الخاصة به. وللتغلب على ذلك، تم استحداث تقنية أمن المعلومات لتوقع الإنذار المبكر، وحماية مستخدمي التكنولوجيا، عن طريق إيجاد مناعة صناعية تحاكي مناعة جسم الإنسان الطبيعية. ولتحقيق هذه المناعة يتم تطعيم الجهاز الذي يدخل جسم الإنسان لحمايته من الاختراق من قِبل أي فيروس الكتروني عن طريق خدمة (Cewps)، وهي خدمة متوفرة عبر السحابة الحاسوبية تسمى «خدمة التطعيم» التي تخلق مناعة قوية للجهاز الذي سيزرع في جسم الإنسان دون الاعتماد على خدمة الواي فاي.
وفي النهاية، نتوقع أن يقدم علم الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء Internet of Things (IOT) وسائل مختلفة تساعد الإنسان على تحسين حياته دون أن تلغي وظيفة الطبيب أو المهندس أو المبرمج، ولكنها ستغير ملامح ومهام هذه الوظائف، كما أنها ستوجد وظائف أخرى جديدة مثل المهندس الذي يقوم بصنع هذه الأدوات والمبرمج الذي يدخل البرمجيات والطبيب الذي يغذي بالمعلومات الطبية ويتخذ القرارات، من خلال نظام متكامل.
المرجع
البريد الإلكتروني للكاتب: Mohamed.abib@science.tanta.edu.eg