يشير المصطلح "معدن ثقيل" إلى أي عنصر معدني طبيعي يتميز بكثافة عالية نسبيًا تتجاوز خمسة غرامات في السنتيمتر المكعب، مثل الزئبق والكادميوم والزرنيخ والكروم والثاليوم والزنك والنيكل والنحاس. توجد هذه المعادن على نطاق واسع في قشرة الأرض غالباً بتركيزات منخفضة، وهي غير قابلة للتحلل في الطبيعة. يمكن لهذه العناصر أن تدخل الجسم البشري عن طريق الهواء والماء والطعام. تلعب بعض المعادن الثقيلة دورا أساسيا في عملية التمثيل الغذائي للإنسان والحيوان بكميات ضئيلة للغاية ولكن تركيزها العالي قد يسبب سميّة ومخاطر صحية.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن ما يقرب من مليار شخص لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة، وكثير من تلك المياه تكون ملوثة بوجود نسب مرتفعة من العناصر الثقيلة، والتي توجد فيه بسبب ذوبانها من قشرة الأرض أو استخدام المعادن الثقيلة في العمليات الصناعية الذي زاد من تعرضنا للمواد السامة في الماء، خاصة في الدول النامية التي لا تملك التقنيات المناسبة لإزالتها من مياه الشرب. لذلك يسعى الباحثون إلى تطوير تقنيات ناجعة وغير مكلفة لإزالة هذه المعادن ذات المخاطر الصحية والبيئية.
في هذا الإطار، نشر باحث تونسي ورقة علمية جديدة سلط فيها الضوء على نتائج بحثه حول آثار السيليكات على إزالة المعادن الثقيلة من المحاليل المائية من خلال تحديد تأثير هذه المادة على أداء عينات من الحجر الجيري في إزالة تلك الشوائب. حيث أظهرت نتائج الدراسة أنه يمكن استخدام الحجر الجيري الطبيعي لإزالة المعادن الثقيلة بكفاءة عالية من المياه الملوَّثة وقد تبين أن العينات التي تحتوي على نسبة عالية من السيليكات تتميز بكفاءة أكبر. يقول الباحث على سديري، أستاذ محاضر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس ومخبر "الماء والمحيط والطاقة" ومؤلف الدراسة "يعتبر هذا العمل كتقرير تأليفي يندرج ضمن أنشطة البحث على مدى خمسة عشر عاماً كان الهدف منها تثمين المواد الأولية الطبيعية من ناحية وإيجاد استعمالات غير تقليدية لحل معضلة التلوث الناتج عن المعادن الثقيلة من ناحية أخرى". وقام الباحث باستخدام أربع عينات من الحجر الجيري الطبيعي تم أخذها من مناطق مختلفة من تونس، تحتوي على كميات متفاوتة من السيليكات كمادة للامتزاز وإزالة أربعة معادن ثقيلة هي الرصاص والكادميوم والنحاس والزنك.
يقول مؤلف الدراسة إن تلوث البيئة بالمعادن السامّة ينتج عن العديد من الأنشطة البشرية، مثل طلاء المعادن وصناعة الأسمدة وعمليات التعدين والمعادن وصناعة البطاريات والصباغة في صناعات النسيج. عندما يتم إلقاء هذه المعادن في الأنظمة المائية، يمكن أن تظل في المحلول كأيونات حرة أو مرتبطة بمواد مذابة أو في شكل ملح قابل للذوبان، مسببة مشاكل بيئية خطيرة. وعلى الرغم من أن بعض المعادن مثل النحاس والزنك ضرورية للحياة، فإن معادن أخرى مثل الرصاص والكادميوم ليست ضرورية وتعتبر سامة جدا ويمكن أن تحدث تأثيرات ضارة على الكائنات الحية.
وقد أدّى التصنيع السريع والتوسع الحضري إلى تدهور نوعية المياه والهواء والتربة فتلوثت مصادر المياه الطبيعية بالمعادن الثقيلة الناتجة عن نفايات التعدين والتصريفات الصناعية. كما أدّت الزيادة الهائلة في استخدام المعادن الثقيلة على مدى العقود القليلة الماضية إلى زيادة انتشار هذه المواد غير القابلة للتحلل في الطبيعة مما جعلها مصدر خطر على البيئة وصحة الإنسان. وتُعد أيونات معادن الرصاص والنحاس والزنك والكادميوم من أهم المعادن السامّة في كل أشكالها الكيميائية المركبة. وقد أثبتت دراسات سابقة أن التعرض لهذه الملوثات يلحق أضراراً بيئية وصحية حتى في تركيزات منخفضة، كما تقول الدراسة.
حققت عينات الحجر الجيري الأربعة المدروسة إزالة عالية للمعادن الثقيلة الرصاص والكادميوم والنحاس والزنك. وأظهرت عينة الحجر الجيري، المأخوذة من شمال تونس وتحتوي على نسبة كبيرة من السيليكات في حدود 23 بالمائة، إزالة أفضل بكثير من باقي العينات حيث تقارب 100 بالمائة، ويرجع ذلك" إلى ارتفاع محتويات السيليكا والحديد وأكسيد الألومنيوم، وهي عناصر مهمة تساهم في تحسين مساحة العينة وبالتالي عملية الإمتزاز"، كما يقول الدكتور سديري في تصريح لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي.
أما عينات الحجر الجيري عالية النقاء والتي تحتوي على كميات صغيرة من معادن السيليكات فقد سجلت قدرات متغيرة تراوحت نسب إزالتها بين 37 بالمائة و77 بالمائة للنحاس وبين 14.5 بالمائة و59 بالمائة للكادميوم. وهي نسب أقل من الإزالة التي تم تحقيقها باستخدام العينة التي تحتوي على نسبة عالية من السيليكات.
لا يستبعد الباحث وجود العديد من الآليات لإزالة المعادن الثقيلة بواسطة الأحجار الجيرية التونسية. فعلى سبيل المثال، تقوم عينات الحجر الجيري النقي بإزالة الكاتيونات المعدنية عن طريق الترسيب، في حين أن عينات الحجر الجيري منخفض النقاء قد يشمل عمليات أخرى مثل الامتزاز الكيميائي والفيزيائي. وبالتالي، فمن الطبيعي أن يسجل معدل إزالة أعلى من عينات الحجر الجيري النقي. كما أكد أن الكادميوم لا يمكن إزالته بشكل فعّال بواسطة كربونات الكالسيوم بسبب الامتزاز المقيد لشحن المواقع.
وقد لوحظ أن المعادن الثقيلة المدروسة تتفاعل مع الحجر الجيري بطرق مختلفة، مما يؤدي إلى تركيز متغير للكالسيوم في المحلول. على سبيل المثال، يكبح وجود الكادميوم عملية تحلل الكالسيت التي تسبق مرحلة التفاعل بين العينة والعنصر المراد إزالته. لذلك، قد يكون السلوك التفاعلي مع المادة (مثل الحجر الجيري) لصالح آلية محددة اعتمادا على عوامل مختلفة (مثل، الظروف التجريبية، الكاتيونات المعدنية، الخاصيات الفيزيوكيميائية للمنظومة ككل… إلخ).
ويستنتج الباحث أن التأثيرات التآزرية لمعادن السيليكات والكربونات لها تأثير إيجابي على فعالية إزالة المعادن المدروسة. لذلك، يمكن استخدام الحجر الجيري كمادة منخفضة التكلفة لإزالة الملوثات المعدنية من المحاليل المائية.
المراجع
البريد الالكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com