هو أحد أبرز الكفاءات العلمية العربية في المهجر. في رصيده أكثر من 550 براءة اختراع ومئات الورقات العلمية في مجال تطوير بطاريات الليثيوم. إنه العالم والباحث الجزائري كريم زغيب الذي اتخذ من تطوير تقنيات بديلة للوقود الأحفوري المستخدم في وسائل النقل وأحد الأسباب الرئيسية للتلوث البيئي، تحديا شخصيا منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.
امتدت مسيرته العلمية والبحثية على أكثر من ثلاثة عقود تنقل خلالها من الجزائر إلى فرنسا ثم اليابان ليحط الرحال في كندا قبل عقدين ونصف حيث يرأس اليوم أحد أهم مراكز البحث في العالم في مجال كهربة النقل وتخزين الطاقة. وهو كذلك زميل في الأكاديمية الكندية للهندسة وأستاذ زائر في جامعة ماك جيل.
حصل البروفيسور زغيب على العديد من الجوائز العلمية الدولية كان آخرها جائزة "ليونيل-بوليه" في مجال البحث والتطوير في الصناعة أحد أرفع الجوائز العلمية في كندا تمنحها حكومة كيبيك. كما حصل زغيب على العديد من الجوائز العلمية الأخرى إضافة إلى إدراج اسمه ضمن قائمة لأهم العقول العلمية المؤثرة في العالم. وهذا التمييز يُمنح للعلماء الذين لديهم تأثير استثنائي في مجال أبحاثهم.
في هذا الحوار مع موقع منظمة المجتمع العلمي العربي يحدثنا الدكتور زغيب عن مسيرته العلمية وآرائه حول كيفية تطوير البحث العلمي العربي.
حدثنا عن مسيرتك العلمية وبداية شغفك بالبحث العلمي في مجال بطاريات الليثيوم
أتذكر في سنوات المراهقة، كنت داخل سيارة في ازدحام مروري لعدة ساعات، استنشقت اثناءها الكثير من أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، مما جعلني طريح الفراش لعدة أيام بسبب إصابتي بالربو.
الموقف الثاني كان عام 1983، عندما كنت أتابع مرحلة الدراسات العليا المتخصصة في الكيمياء الكهربائية في جامعة سطيف (الجزائر) قدم أستاذ فرنسي من معهد البوليتكنيك في غرونوبل (في إطار التعاون بين المؤسستين) محاضرة عن البطاريات كان لها وقعا كبيرا على نفسي. التحقت بعد ذلك بفرنسا لمواصلة دراستي في الكيمياء الكهربائية. وبعد أن حصلت على شهادة الدراسات المعمقة ثم على الدكتوراه في الكيمياء الكهربائية في معهد التقنيات المتعدد (البوليتكنيك) بغرونوبل، بدأت في عام 1990 فترة تدريب لما بعد الدكتوراه على بطاريات الليثيوم أيون، لا سيما البحث عن الأنودات القائمة على الكربون والجرافيت بتمويل من وزارة الدفاع الفرنسية ومؤسسة "سافت" لصنع البطاريات.
في العام الموالي لتسويق أول بطارية ليثيوم أيون في العالم من طرف شركة "سوني" لاستخدامها في أجهزة التصوير والهواتف الجوالة (1991)، دعتني وزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية إلى الانضمام إلى برنامج أبحاث أيونات الليثيوم في إطار مشروع "نيو صن شاين" New Sunshine Project (أحد أكبر المشاريع الرائدة في مجال تطوير تكنولوجيا الطاقات المتجددة)، أمضيت ثلاث سنوات (1992-1995) في معهد أوساكا الوطني للأبحاث (ONRI) في تطوير تقنيات بطاريات الليثيوم أيون لتطبيقات الأجهزة المحمولة والسيارات الكهربائية. لقد كانت واحدة من أفضل الفترات في مسيرتي العلمية، والتي سمحت لي بإقامة العديد من أوجه التعاون مع شركات مثل سوني وسانيو وميتسوبيشي وغيرها.
كيف انتقلت للعمل في كندا؟
قامت شركة "هيدروكيبيك" الكندية بتوظيفي مباشرة في اليابان عام 1995 لتأسيس نواة بحث وتطوير لتقنيات بطاريات الليثيوم أيون، حيث مازالت أعمل إلى اليوم. لتمتين الحلقة المعرفية الرابطة بين الكيمياء الكهربائية وفيزياء الحالة الصلبة، عدت إلى جامعة باريس السادسة لإعداد شهادة التأهيل لقيادة البحث في الفيزياء، علوم الخيار للمواد، أعلى شهادة في النظام الفرنسي، والتي حصلت عليها في عام 2002.
ما هي آخر الابتكارات التي توصلتم إليها ضمن فريقكم البحثي؟
لقد قمنا بتطوير أكثر تقنيات بطاريات الليثيوم أيون أمانا في العالم بسعة 1.2 ميجاوات في الساعة مع 15 ألف دورة شحن سريع لا تستغرق سوى وقت قصير للغاية يتراوح بين 5 دقائق وساعة واحدة لتخزين الطاقة.
أسندت جائزة نوبل للكيمياء لهذا العام لعلماء رواد في مجال تطوير بطاريات الليثيوم من بينهم الكندي John Goodenough كيف ترون أثر ذلك على البحث العلمي في هذا المجال في المستقبل؟
نعم، أنا أعرف البروفيسور جون غودنوث منذ حصولي على درجة الماجستير في فرنسا منذ عام 1986، بدأت التعاون مع جون منذ عام 1996. وقد شاركته في كتابة العديد من المنشورات. كما نظمت على شرفه في عام 2010، في مونتريال، المؤتمر العالمي حول بطاريات الليثيوم. سيكون لمنح جائزة نوبل في الكيمياء لجهود تطوير بطاريات الليثيوم تأثير كبير نحو الحد من الوقود الأحفوري وتسريع كهربة النقل (السيارات الكهربائية والحافلات الكهربائية)، والحد من غازات الدفيئة وتأثير إيجابي على ظاهرة الاحتباس الحراري. إضافة إلى تطوير استخدام الطاقات المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
هل أنتم مطلعون على واقع البحث العلمي في الجزائر والوطن العربي بصفة عامة؟
نعم، يجب على حكوماتنا الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا مع مؤشرات وأهداف واضحة لكل باحث وأستاذ. يجب أن ننظر إلى الصين قبل 20 عاما، كان من غير المعتاد رؤية منشورات صينية عالية الجودة حول بطاريات الليثيوم أيون. في المقابل، تصنف اليوم الجامعات الصينية ضمن المراتب الثلاثة الأولى في العالم من حيث المنشورات العلمية. المثال الثاني هو سنغافورة، التي نجحت في المواءمة بين البحوث في العلوم الأساسية والمجلات التطبيقية وإنشاء شركات ناشئة.
هل عملت مع باحثين عرب في هذا المجال؟
نعم ولكن ليس كثيرا، معظم شركائي من اليابان والولايات المتحدة وكندا وفرنسا وإسبانيا وسنغافورة.
مسيرتكم في البحث العلمي كانت في فرنسا ثم في كندا هل كان ذلك اختيارا من جانبكم أم اضطرارا؟
بالطبع أنا مهتم بالتعاون مع المؤسسات الجزائرية. وأقترح استخدام بطاريات الليثيوم أيون للتخزين عند استخدام الطاقة الشمسية وخاصة في الصحراء. هذه فرصة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز ونشر شبكات كهرباء مستقلة (تعتمد على الطاقات المتجددة وغير مرتبطة بالشبكة الرئيسية لتوزيع الكهرباء). كما يجب إنشاء نظام متكامل لاستغلال الموارد الطبيعية وتطويرها وتحويلها عبر الطاقات المتجددة.
حسب رأيك ما هي أسباب عزوف الطلبة (الجزائريين والعرب) المتفوقين المبتعثين للدراسة في الخارج عن العودة إلى أوطانهم بعد نهاية الدراسة؟
في الخارج، يتم تقدير الأشخاص قبل كل شيء، على أساس كفاءاتهم والمهارات التي يملكونها مع فتح جميع الآفاق أمامهم. بينما تعاني (بلدان المنشأ) من نقص الموارد، وغياب تحديد الأولويات الاجتماعية والاقتصادية.
يمثل سكان الدول العربية 5 بالمائة من سكان العالم بينما لا تتجاوز مساهمتهم في البحث العلمي 2.2 بالمائة من عدد الأوراق المنشورة كما أن جودتها هي عموما دون المستوى العالمي، حسب رأيكم كيف يمكن أن نحسن من مردود نظم البحث العلمي في الوطن العربي كما وكيفا؟
أقترح التفكير في خطط استراتيجية لإعادة العلم والتكنولوجيا كركيزة أساسية للتنمية (في الدول العربية) والانطلاق في عملية واسعة لتحفيز الابتكار والتجديد بالتعاون خاصة مع الجامعات الغربية (التي لها خبرة في هذا المجال).
جائزة نوبل لعالم عربي في رصيده 550 براءة اختراع ومئات الورقات العلمية هل تراها ممكنة؟
لقد وجدت طريقي كباحث في بطاريات الليثيوم، وهدفي هو أن أفعل شيئا مفيدا للعلوم والمجتمع والإنسانية. وإذا تم ترشيحي لنيل جائزة علمية فلن أقول لا.
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com