تم بعد ظهر يوم أمسٍ الأربعاء التاسع من شهر أكتوبر 2019 الإعلان عن أسماء الفائزين بجائزة نوبل في الكيمياء، وقد تم منحها في مجال تطوير البطاريات الكيميائية المشهورة باسم (بطاريات أيون الليثيوم) والتي لا تتصور حياتنا المعاصرة من دون استخدامها في هاتف الجوال المتنقل.
الأمر الأكثر صعوبة في تقنية البطاريات هو جعل حجم ووزن البطارية أقل ما يمكن، وأن تكون عملية (إعادة الشحن Recharge) تتم بكفاءة عالية وفي أقصر فترة زمنية. والأهم من ذلك (والأصعب ولهذا استحق ذلك الاختراع جائزة نوبل) هو أن لا تتسبب عملية إعادة الشحن في تلف البطارية مع كثرة الاستخدام. ما يهمنا هنا أن جائزة نوبل التي تم الإعلان عنها لها خصوصية استثنائية وسوف تدخل التاريخ لفترة طويلة قادمة، والله أعلم.
في الواقع، تم منح جائزة نوبل لأكبر شخص في التاريخ على الإطلاق يحصل عليها وهو عالم الكيمياء الأمريكي جون غودإينف Goodenough الذي يبلغ من العمر 97 سنة (وبالعمر الهجري له 100سنة). ولا شك أن منحه هذه الجائزة المرموقة قد تسبب (بإعادة شحنه) بروح الأمل وطاقة الانتصار وشحنة السعادة. ينقل عن الأديب الفرنسي البارز الاسكندر دوما قوله البليغ "تتلخص الحكمة الإنسانية في كلمتين … الانتظار والأمل" ولعل حال العالم الأمريكي غودإينف Goodenough الذي بلغ من العمر أرذله Oldenough
تعكس بحق تلك المقولة، فهو في هذا العمر المديد ربما ثابر على انتظار الفوز بجائزة نوبل واستمر به الأمل حتى حازها ونال بالإضافة لذلك الحكمة والمعرفة..
الغريب في الأمر أن أطول شخص عمراً كان قد فائز بجائزة نوبل حتى العام الماضي هو عالم الفيزيائي الأمريكي آرثر أشكين الذي كان في سن ٩٦ وهذا ما يعزز الاتهام المتزايد في السنوات الأخيرة أن جائزة نوبل أصبح لا يفوز بها إلا الأشخاص المعمرين و(الختيارية). على خلاف ما كان من حال الجائزة في سنواتها الأولى، لدرجة أن من شبه المستحيل الآن أن تتكرر حالة عالم الفيزياء البريطاني ويليام براغ والذي نال الجائزة في سن صغير جداً لا يتعدى الخامسة والعشرين.
بقي أن أقول إن فوز (شيخ الكيميائيين المعمر) بالجائزة هذا الأسبوع سوف يربك علينا نحن معشر أهل صنعة الكيمياء افتخارنا السابق أن علم الكيمياء يعتبر نسبياً أسرع العلوم للحصول على جائزة نوبل. بعض الإحصائيات المنشورة في هذا المجال تشير إلى أن عالم الكيمياء المتميز جداً في المتوسط يحتاج إلى حوالي عشرين سنة ليحصل على جائزة نوبل بعد أن يكون نشر بحث علمي من الطراز الأول. في حين أن عالم الفيزياء يحتاج في المتوسط إلى ثلاث وعشرين سنة، بينما للحصول على جائزة نوبل في الطب ربما تمر في المتوسط فترة 21 سنة من لحظة التوصل للاكتشاف العلمي الفريد حتى الحصول على الجائزة السويدية المرموقة.
وأخيرا خيبة أمل إضافية تتعلق بأن العالم المغربي الأصل والفرنسي الجنسية رشيد اليزمي والذي حصل على جوائز دولية مرموقة بحكم كونه أحد أبرز الرواد في مجال تطوير بطاريات الليثيوم، تم استبعاده من جائزة نوبل الحالية. ومع ذلك، هذا الأمر ليس بمستغرب كثيراً، فبعد يوم واحد فقط من الإعلان هذه السنة عن جائزة نوبل في الفيزياء 2019 (في يوم الثلاثاء) توالت ردود الأفعال والانتقادات الصاخبة من عدد من العلماء أن لجنة تحكيم جائزة نوبل وإن كانت اختارت علماء بارزين إلا أنها قد تكون أخفقت في تكريم علماء آخرين قد يكونون أكثر استحقاقاً من الأسماء المعلنة. في الواقع الأمر ومنذ السنوات الأولى لجائزة نوبل (على الأقل ومنذ منح جائزة نوبل في الفيزياء عام 1914م) دائماً ما يثار وبشكل متكرر أن الجائزة أخفقت في اختيار العلماء (الأكثر) جدارة بالتكريم في مجال علمي معين. وهذا ما أفرز ما يسمى مشكلة (الفائز الرابع) حيث أن أنظمة وقواعد جائزة نوبل تسمح كحد أقصى بمنح الجائزة في التخصصات العلمية لثلاثة فائزين فقط. ومن هنا تظهر دائماً الاحتجاجات أن العالم الفلاني أو المخترع العلاني كان ينبغي أن يشارك الفائزين الثلاثة في تقاسم جائزة الجوائز ودرة المفائز.
البريد الإلكتروني للكاتب: ahalgamdy@gmail.com