أثناء الحمل، يُحب الآباء أخذ نظرة خاطفة على الطفل الذي ينمو داخل جسم الأم. فالموجات الصوتية الخاصة ذات التردد العالي للغاية والتي لا تسمعها الأذن البشرية، تجعل هذا التصوير ممكناً. ولكن الموجات فوق الصوتية يمكن أن تفعل أكثر من ذلك بكثير، وهو ما دفع الباحثين إلى استكشاف ما إذا كان هذا النوع من الطاقة يمكن له التحكم في مرض السكري قبل أن يضر الجسم.
معظم الأشخاص المصابين بداء السكري، لا تستجيب أجسامهم بشكل طبيعي لهرمون الأنسولين، وفي البعض الآخر لا يصنع جسمهم الأنسولين نهائياً، فمهمة الأنسولين تتمثل في نقل السكر البسيط (الجلوكوز) المنتشر في الدم إلى الخلايا في جميع أنحاء الجسم، ويقوم الجلوكوز هنا بتغذية نمو ونشاط تلك الخلايا، وهنا تبرز أهمية الأنسولين فإذا لم يتمكن من القيام بوظيفته، فإن الجلوكوز يتراكم في الدم، ومع مرور الوقت يمكن أن يلحق الضرر بأعضاء الجسم.
مهندسة الطب الحيوي في جامعة جورج واشنطن Vesna Zderic تستخدم معرفتها الهندسية في حل المشكلات الطبية، وفي أحد مشاريعها ركزت على الخلايا التي تصنع الأنسولين وتطلقه، وهذه الخلايا تسمى خلايا بيتا (Bay-Tah)، تعيش في البنكرياس (PAN-Kree-Us) خلف المعدة، والذي يصل طوله إلى حوالي 15 سم، وذلك بعد أن أظهر باحثون آخرون أن الموجات فوق الصوتية يمكن أن تدفع خلايا الدماغ إلى إطلاق مواد كيميائية معينة. وهنا تساءلت Zderic وزملاؤها عما إذا كانت الموجات فوق الصوتية يمكن أن تؤدي بالمثل إلى تحفيز خلايا بيتا لإفراز الأنسولين، فالعديد من أدوية السكري تؤثر على خلايا بيتا بهذه الطريقة، ولكن هذه الأدوية يمكن أن تكون مكلفة، وخاصة بالنسبة للعلاج مدى الحياة، بالإضافة إلى أن عقاقير داء السكري لها آثار جانبية غير سارة دائماً.
وإذا استطاعت الموجات فوق الصوتية تحفيز خلايا بيتا لإفراز الأنسولين، فقد يؤدي هذا إلى وقف تطور مرض السكري. وهذا سيكون مهماً، لأن الأشخاص المصابون بالسكري، وخاصة في مراحله المتقدمة يمكن أن يتسبب في أضرار جسيمة لهم في القلب والكلى، وقد يؤدي إلى العمى، لأنه عند هذه المرحلة تكون العديد من خلايا بيتا قد ماتت، ولن يعود الجسم قادراً على إنتاج الكثير من الأنسولين، "هذا إن وجد"!، ولهذا أكتشف فريق Zderic طريقة لعلاج الخلايا داخل البنكرياس بالموجات فوق الصوتية، وفي الاختبارات الجديدة، أكد الباحثون أن هذه التقنية تعمل، على الأقل لدى الفئران.
Tania Singh مهندسة طبية حيوية في مختبر Zderic’s تقول " غالباً ما تؤثر أدوية السكري الشائعة على الجهاز الهضمي والكلى، ونأمل أن يوفر العلاج بالموجات فوق الصوتية وسيلة لتجنب الآثار الجانبية لهذه الأدوية".
الحاجة إلى إدارة الجلوكوز
في كل مرة تأكل فيها وجبة، يقوم جهازك الهضمي بتقسيم الطعام إلى كتل بحسب البناء الكيمائي لها، وواحد منها هو الجلوكوز، فمجرد إفرازه في القناة الهضمية ينتقل عبر الدم إلى جميع أجزاء الجسم التي تكون بحاجة إلى طاقة لتعمل. فعلى سبيل المثال، يتطلب ضخ القلب بمعدل 60 نبضة في الدقيقة، إمداداً منتظماً بالطاقة من مصادر الغذاء المختلفة، وفي جميع أنحاء الجسم الأخرى، تحتاج الخلايا إلى تناول الجلوكوز لتحويل الطاقة الكيمائية إلى شكل صالح للاستخدام، وهرمون الأنسولين هو بمثابة جهاز استشعار الجلوكوز، فمجرد ارتفاع الجلوكوز في الدم يعمل الأنسولين كمفتاح لفتح الخلايا والسماح بدخول الجلوكوز. وهذا يزيل السكر المنتشر من الدم، ولكن هذا النظام غير موجود لدى مرضى السكري.
ويبدو أن مرض السكري يتزايد بسرعة في سن المراهقة، ففي النوع الأول من السكري يقتل جهاز المناعة في الجسم خلايا بيتا المسؤولة عن صنع الأنسولين، وهذا يعني أن الجسم ليس لديه المفتاح لإدارة الجلوكوز، وفي النوع الثاني من السكري يصنع الجسم الأنسولين، لكن الخلايا لا تستجيب له كما ينبغي (المفتاح مسكور)، وعندما يكون مفتاح إزالة الجلوكوز مفقوداً أو مكسوراً سترتفع مستويات السكر في الدم إلى مستويات غير طبيعية، وربما مستويات عالية جداً يمكن أن تلحق الضرر بالأنسجة (يشخص الأطباء مرض السكري عندما تتجاوز مستويات الجلوكوز في الدم 125 ملليغرام لكل ديسيلتل بعد الصيام، والمستويات الطبيعية تكون 100 أو أقل).
سابقاً، قام فريق مختبر Zderic’s ، بجعل خلايا بيتا تنمو في طبق مع خمس دقائق من شعاع مستمر من الموجات فوق الصوتية، وهذا عزز إطلاق خلايا الأنسولين، وبناء عليه قام الباحثون بالإبلاغ عن النتائج قبل عامين، وبدأ العمل على الخطوة التالية، وهي اختبار ما إذا كانت خلايا بيتا ستفعل الشيء نفسه في الفئران السليمة، وقد أختار الفريق هذا الحيوان لأن بنكرياس الفئران يشبه بنكرياس الإنسان.
للاختبار، تعامل الفريق مع مجموعة واحدة من الفئران بالموجات فوق الصوتية، فيما تركت المجموعة الثانية دون علاج، وبعد تخدير الفئران، قام الفريق بقياس مستويات الأنسولين في دم كل حيوان. ثم وضعت المجموعتين على ناقلات صغيرة ووضع مسباراً فوق صوتياً على بطونها. ثم قام الفريق بقيادة Tania Singh بتشغيل الموجات فوق الصوتية في مجموعة العلاج لمدة خمس دقائق. بعد ذلك، قام مرة أخرى بقياس مستويات الأنسولين في الدم للمجموعتين، وكانت النتائج رائعة، حيث ارتفعت مستويات الأنسولين بنحو 20%، وكانت هذه النتائج مماثلة لنتائج خلايا بيتا التي تم اختبارها في الطبق سابقاً. وفي الوقت نفسه، انخفضت مستويات الأنسولين في المجموعة الثانية، وزادت الموجات فوق الصوتية من درجة حرارة الأنسجة المحيطة. لكنها لم تسبب أي حروق جلدية للفئران. ولم يصب البنكرياس والأعضاء القريبة بأي أذى، وقد طرح الفريق نتائج دراسته في اجتماع الجمعية الصوتية الأمريكية في مايو الماضي في لويزفيل، كنتاكي.
طريقة جديدة تحتاج إلى المزيد من الاختبار
هذه النتائج مُثيرة للاهتمام، كما تقول Gabriela Da Silva Xavier والتي تعمل في جامعة برمنغهام في إنجلترا، وتدرس كيف يؤثر مرض السكري على الاستجابة الطبيعية من الخلايا إلى الجلوكوز والأنسولين، وتعتقد أن على الباحثين الإجابة على العديد من الأسئلة. فخلايا بيتا تشكل 1 إلى 2% فقط من الخلايا في البنكرياس، ومن المهم كما تقول Da Silva Xavier says التحقق ما إذا كانت الموجات فوق الصوتية تؤدي إلى إطلاق المواد الكيميائية من أي خلايا أخرى، فبعد كل شيء تلك الخلايا تؤدي مهام مهمة وتنتج بعض الهرمونات الأخرى.
وهذا الشيء يمكن أن يحدث إذا كانت الموجات فوق الصوتية تؤثر على الغشاء الخارجي للخلايا، فإذا كانت الخلايا عبارة عن فقاعة صابون فإن الغشاء هو طبقة الصابون، وقد تطلق خلايا بيتا الأنسولين لأن اهتزازات الموجات فوق الصوتية تجعل الأغشية متسربة. وإذا حدث ذلك في أغشية الخلايا الأخرى في البنكرياس فقد يؤدي إلى تسرب محتوياتها أيضاً.
وحول هذا الموضوع تقول Julianna Simon وهي خبيرة في الصوتيات بجامعة ولاية بنسلفانيا ولم تشارك بالمشروع أن هناك آلية مختلفة قد تفسر تأثير الموجات فوق الصوتية على الأنسولين، وتعتقد أن العلاج يقوم في الأساس على تدليك البنكرياس، وهو ما يؤدي إلى بعث طاقة في شكل موجة من الضغط في الجسم، وبالتالي توسع الأنسجة، وقد يسبب تدليك البنكرياس إلى إفراز الأنسولين دون تغيير غشاء الخلية.
حالياً، يقوم فريق Zderic باختبار العديد من النظريات حول تأثير الموجات الصوتية على الخلايا في البنكرياس. وسيقوم الباحثون أيضاً بدراسة كيفية استهداف خلايا بيتا فقط. كما سيقوم الفريق بقياس المدة التي يحتاجونها لخفض مستويات السكر في الدم.
ويخطط الفريق لاختبار الطريقة مراراً وتكراراً على الفئران التي تعاني بالفعل من السمنة المفرطة أو السكري، ومن شأن ذلك أن يساعد على علاج الأشخاص الذين تم تشخيصهم مؤخراً بمرض السكري، ويأمل الباحثون في دراسة وتطبيق هذه الطريقة على الحيوانات الكبيرة، مثل الخنازير، وإذا سارت جميع هذه الاختبارات بشكل جيد، فقد يبدأ فريق Zderic في إجراء دراسات على المتطوعين من البشر لاحقاً.
ما هي رؤية الفريق على المدى الطويل؟
تقول Singh قد يكون من الممكن زرع جهاز على البنكرياس حيث يكون هذا الجهاز مرتبطاً بجهاز مراقبة نسبة الجلوكوز في الدم، وعندما يكشف المستشعر مستويات الجلوكوز المرتفعة، يطبق الجهاز الموجات الصوتية لتحرير الأنسولين، وعندما تعود مستويات الجلوكوز إلى وضعها الطبيعي يتوقف. كما تقول Says Da Silva Xavier أن القدرة على تطبيق ذلك سيكون رائعاً جداً.
المصدر:
البريد الإلكتروني للكاتب: dawoud.b.tarawa@gmail.com