جاء علم النانو ليحدث ثورة علمية مذهلة. فكثيراً ما نسمع عنه وعن تطبيقاته فيما يسمى بالنانوتكنولوجي أو تكنولوجيا النانو، فما هو هذا العلم، وما المقصود بالمواد النانوية؟
أصل كلمة النانو وماهية وخصوصية علم النانو
لقد تم اشتقاق كلمة "النانو" من الكلمة الإغريقية "نانوس" والتي تعني القزم أي الشيء الصغير. ودراسة الخواص الأساسية أو الظواهر العلمية للجزيئات والمركبات التي لا يتجاوز قياسها 100 نانو متر، هي ما يسمى "علم النانو"، الذي يتعامل مع تجمعات ذرية تتراوح بين خمس ذرات إلى ألف ذرة، وهي بذلك تقل كثيرا عن أبعاد البكتيريا والخلية الحية. ومن هنا كانت خصوصية علم النانو في أنه أحد مجالات علوم المواد التي تتصل بدورها بالفيزياء والهندسة الميكانيكية والهندسة الحيوية والهندسة الكيميائية.
هوية النانو
هوية النانو تتضح جلية في الضآلة المتناهية. النانومتر يساوي جزء من ألف مليون من المتر، أو جزء من الألف من الميكرومتر. ولنا أن نتصور مدى هذه الضآلة عندما يكون قطر شعرة الرأس يساوي تقريبا 75000 نانومتر، كما أن حجم خلية الدم الحمراء يصل إلى 2000 نانومتر وطول فيروس الإيبولا على سبيل المثال 1500 نانومتر، بينما يبلغ عرضه 50 نانومتر. وكأننا أمام ثورة علمية مذهلة جاءت لتفصل وبقوة بين عالم الذرات والجزيئات وعالم الماكرو من خلال عالم النانو.
أين تكمن أهمية النانو؟ ومن أين تنطلق؟
تكمن أهمية النانو في ظهور جيل جديد من المواد التطبيقية بخواص مميزة وفريدة سواء على المستوى الكيميائي أو الفيزيائي ….. ألخ، مقارنة بالمواد الأخرى الغير نانوية. ولقد تأتى كل هذا عن طريق صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها البعض بشكل لا نتخيله وبأقل كلفة ممكنة، والتي جاءت لنا بحواسيبَ خارقة الأداء يمكن وضعها على رؤوس الأقلام والدبابيس، كما أظهرت لنا أسطولاً من روبوتات النانو الطبية والتي يمكن لنا حقنها في الدم أو ابتلاعها لتعالج الجلطات الدموية والأورام والأمراض المستعصية.
ولكن من أين تنطلق هذه الصفات المذهلة للمواد النانوية؟ في الحقيقة انطلقت أهمية النانو من الزيادة الواضحة في نسبة مساحة سطح المادة إلى حجم ذارتها أو جزيئاتها. حيث أن مدى كفاءة وانتقائية أي مادة يعتمد وبشكل أساسي على عدد وطبيعة المراكز النشطة الموجودة على سطح المادة، فهذه المراكز هي التي تحدد خاصية كيميائية أو فيزيائية لهذه المادة. وللتوضيح، لنا أن نتصور مجموع مساحة سطوح عدة قطرات صغيرة من الزئبق ( الشكل1) بالنسبة لمساحة سطح قطرة كبيرة من الزئبق تم تقسيمها للحصول على هذه القطرات الصغيرة. سنجد أن مجموع مساحة سطوح القطرات الصغيرة أكبر بكثير من مساحة سطح القطرة الكبيرة (القطرة الأم) وبالتالي ستصبح المساحة المعرضة لأي تفاعل يؤدي لمنتج معين أكبر، وعليه سوف تزداد الكفاءة والانتقائية، أو بمعنى آخر كمية المنتج المتحصل عليها. أي أن نسبة المساحة الكلية لقطرات الزئبق إلى الحجم الكلي تكون كبيرة جداً مقارنة بنسبة المساحة الكلية لقطرة الزئبق الأم إلى الحجم الكلي، فالحجم يبقى ثابتاً في كلٍ من قطرة الزئبق الأم وقطرات الزئبق الناتجة بعد التقسيم في حين أن المساحة الكلية هي التي تختلف وتكون أكبر بكثير للقطرات الناتجة عن التقسيم مقارنة بتلك لقطرة الزئبق الأم. من هنا تظهر كفاءة المواد الصغيرة.
النانوعلم وتكنولوجيا
يأخذنا علم النانو نحو العمق، حيث يغوص بنا في دراسة ومناقشة الظواهر العلمية أو الطبيعة الأساسية للجزيئات والمركبات ذات الأبعاد الأقل من 100نانومتر. في حين النانوتكنولوجي أو تقنية النانو أو تكنولوجيا النانو تأخذنا إلى شمولية الأشياء المتمثلة في دراسة تطبيقات الأشياء الصغيرة جداً (المواد النانوية) والتي يُمكن أن تُستخدم في مجالات مختلفة وواسعة من العلوم والهندسة وحتى علوم الحياة. ومن هذا المنطلق نجد أن المادة النانوية هى حجر الزاوية واللبنة الأولى والأساسية في علم النانو وتكنولوجيا النانو.
المواد النانوية
من أين لنا بالمواد النانوية؟ وكيف يتم تحضيرها وإنتاجها؟ لابد من سلوك أحد طريقين أساسين يمثلان الخطوط العريضة لتحضير المواد النانوية والتي ينبثق منهما العديد من الطرق وهذين الطريقان هما (الشكل 2):
- الطريق الأول والذي يبدأ من القاعدة إلى القمة أي من أسفل إلى أعلى حيث يتم بناء المادة النانوية انطلاقاً من ذرات وجزيئات يتم ترتيبها بآلية معينة حتى نصل إلى الشكل والحجم النانوي المرغوب فيه. وهذا الطريق غالباً ما يكون قائماً على آليات أو طرق كيميائية مثل طريقة الترسيب والترسيب المتزامن والاحتراق الذاتي…..ألخ. وتمتاز هذه الطرق بصغر حجم المواد الناتجة، وقلة الفاقد والحصول على روابط قوية للمادة النانوية المحضرة.
- الطريق الثاني والذي يبدأ من القمة إلى القاعدة أي من أعلى إلى أسفل على عكس الطريق الأول تماماً حيث يتم تكسير المادة الأصلية (الكبيرة) شيئاً فشيئاً حتى الوصول إلى الحجم النانوي. ومن آليات هذا الطريق الحفر الضوئي ، القطع ، الكحت والطحن.
وان كنا قد تحصلنا على المادة النانوية؟ فمن أين لنا أن نتأكد أن هذه المادة يقع حجمها في المدى النانوي المطلوب؟ لن يكون هذا إلا من خلال العديد من تقنيات التوصيف التي سوف تعطينا الصورة الكاملة للمواد النانوية كتقنية حيود الأشعة السينية وتقنية المجهر الإلكتروني الماسح والنافذ وتقنية مجهر القوى الذرية….ألخ. تختلتف الطرق وتتعدد لإنتاج المواد النانوية، وفي تعددها واختلافها فائدة بل فوائد كثيرة جاءت لنا بالأشكال المختلفة للمواد النانوية فوجدنا أشكال الأنانبيب والكرات والأسلاك …. ألخ. ونجد في كل هذا أشكالاً وخواصاً مختلفة وزيادة حقيقة للقيمة المضافة للمادة النانوية على الصعيد الصناعي والبيئي ناهيك عن الصعيد الاقتصادي. وهنا نجد سؤالاً يطرح نفسه على الساحة: هل نفس المادة النانوية بنفس المكونات يمكن أن تعطي مواداً نانوية أخرى؟ وهنا نجد المفاجأة مع العملاق الصغير هذا النانو الخطير وعلومه التي أخبرتنا بأن ترتيب نفس ذرات وجزيئات المادة بآليات مختلفة سوف يؤدي إلى أشكال وأحجام نانوية مختلفة وبالتالي مواد نانوية مختلفة، وخير دليل على هذا هو عنصر الكربون المكون لسن قلم الرصاص وكذلك قطعة من الماس وقطعة أخرى من الفحم علاوة على عمود الجرافيت في البطارية الجافة.
هيكلة المادة النانوية
من أهم ركائز المادة النانوية هي مساحة السطح والحجم المؤدي إلى شكل المادة النانوية وبالتالي هيكل هذه المادة (الشكل 3). ومن هنا تم هيكلة المواد النانوية إلى مواد أحادية البعد النانوي (الأغشية الرقيقة وأسلاك وألياف النانو) ومواد ثنائية البعد النانوي (أنابيب الكربون أحادية الجدار وعديدة الجدر) وأخرى ثلاثية البعد النانوي (الصَدَفَة النانوية وكرة البوكي). وبالطبع لكل من هذه الهياكل النانوية تطبيقات فريدة ومميزة ومختلفة عن بعضها البعض.
تطبيقات المواد النانوية
لقد اقتحمت النانوتكنولوجي أو تطبيقات علم النانو كافة مجالات الحياة صغيرها وكبيرها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كان لها عظيم الأثر الإيجابي فيما يلي:
- زيادة كفاءة الأجهزة الإلكترونية وفي نفس الوقت تصغير حجمها والحد من الطاقة المستهلكة لتشغيل تلك الأجهزة. ويتضح هذا جلياً في أجهزة المحمول والكمبيوتر وشرائح تخزين المعلومات.
- تطوير وتحسين عالم الغذاء، بداية من زراعة الحبوب وحتى تعبئتها بالإضافة إلى العمل على زيادة جودة الطعام وتعظيم فائدته والحفاظ على سلامته.
- العمل على نقل الدواء مباشرة إلى الخلايا المصابة بالأمراض.
- تخزين الطاقة من خلال تحسين كفاءة البطاريات.
- صناعة مركبات فضائية خفيفة الوزن وذات كفاءة عالية.
- تنقية الهواء ومعالجة المياه وخصوصاً مياه الصرف الصحي والصناعي.
مخاطر وعيوب المواد النانوية
مع كل هذه المميزات لهذه الثورة التكنولوجية، توجد سلبيات يجب أن تكون في دائرة الضوء. فضآلة حجم الجزيئات النانوية يؤهلها وبقوة من التسلل وراء جهاز المناعة في الجسم البشري، كما يمكنها أيضاً أن تتسل من خلال غشاء خلايا الجلد والرئة، وما هو أكثر إثارة للقلق أن بإمكانها أن تتخطى حاجز دم الدماغ. علاوة على هذا، نجد عيوب تجمع الحبيبات الصغيرة مما يقلل من مساحة السطح المستفاد منه. كل هذا يجبر الباحثين على محاولة ايجاد الحلول لتلافي كل هذه المشاكل، والأخذ في الاعتبار السلبيات قبل الايجابيات كي تكون الاستفادة من المواد النانوية عظيمة وذات أثر محمود على كل المستويات الصناعية والبيئية والاقتصادية.
البريد الإلكتروني للكاتب: nmderaz@yahoo.com