انخفاض بنسبة 15-30 % في الوفيات المرتبطة بالقلب والأوعية الدموية وغيرها من المسببات، وفي حالات الإصابة بأمراض القلب التاجية ومعدلات حدوث السكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني وسرطان القولون والمستقيم، كما أظهرت التجارب السريرية أيضاً انخفاضاً في وزن الجسم وضغط الدم الانقباضي والكوليسترول الكلي.
كانت هذه النتائج لدراسة تحليلية لتجميع بيانات قرابة 135 مليون شخص من 185 دراسة استطلاعية و58 تجربة سريرية مع 4635 مشاركًا بالغًا في التحليلات عند مقارنة بيانات أشخاص من مستهلكي الألياف الغذائية بشكل كبير مع أولئك الذين هم أقل استهلاكاً لها.
نُشرت هذه الدراسة في فبراير 2019 في مجلة لانسيت (THE LANCET)، ويقول مؤلفوها: "المراجعات المنهجية السابقة والتحليلات التلوية التي تشرح العلاقة بين نوعية الكربوهيدرات والصحة، عادةً ما تكون قد درست مؤشراً واحداً وعدداً محدوداً من النتائج السريرية. نحن نهدف وبشكل أكثر دقة إلى تحديد الإمكانات التنبؤية لعدة مؤشرات، ولتحديد أيها الأكثر فائدة وتأثيراً، وإنشاء قاعدة أدلة للتوصيات الكمية لاستهلاك الألياف الغذائية".
وتشيرُ منحنيات الاستجابة للحصة اليومية إلى أن تناول كميات أكبر من الألياف الغذائية يمكن أن يوفر فائدة أكبر للحماية من أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني وسرطان القولون والمستقيم وسرطان الثدي. كما لوحظت نتائج مماثلة لتناول الحبوب الكاملة. وتم العثور على مؤثرات بسيطة إن لم تكن معدومة، من بيانات المراقبة عند مقارنة آثار الوجبات الغذائية التي تتميز بمؤشر وحمولة سكرية منخفضة بالعالية.
ولقد تم تقييم يكاد يصل إلى درجة اليقين في الأدلة المتعلقة بالعلاقات بين نوعية الكربوهيدرات والنتائج الصحية الخطيرة، وهو أنها معتدلة بالنسبة للألياف الغذائية، ومن منخفضة إلى معتدلة بالنسبة للحبوب الكاملة، ومنخفضة إلى منخفضة للغاية بالنسبة لمؤشر السكري والحمولة السكرية. أي أن نوعية الكربوهيدات لها الأثر الأكبر، وأن ادخال الألياف الغذائية على الوجبات الغذائية له أهمية أكبر في الوقاية من الأمراض المذكورة والإصابة بمتلازمة الأمراض الاستقلابية.
المقدمة
الكربوهيدرات الغذائية هي مجموعة متنوعة من الجزيئات التي تتراوح من السكريات البسيطة إلى السكريات شديدة التعقيد، مثل النشا والألياف الغذائية. ولا يمكن التقليل من أهمية الكربوهيدرات في تغذية الإنسان؛ فهي مصدر الطاقة الرئيسي لدى معظم المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وغالباً ما يُنظر إليها على أنها حشو طاقة محايد للصحة، يُستخدم لتعويض محتوى الطاقة في النظام الغذائي بدلاً من الدهون الغذائية. حيث يعد استبدال الكربوهيدرات بالدهون الغذائية استجابةً لإرشادات الصحة العامة بشأن تجنب أمراض القلب التاجية، فكثيراً ما نسمع أن الدهون تسبب الإصابة بأمراض القلب والشرايين!!
منذ منتصف الخمسينات ازداد الوعي بتأثير الكربوهيدرات على صحة الإنسان وبخطورة السكر (خاصة السكروز أو سكر المائدة) وعلاقته بتسوس الأسنان، وفي الستينات تم الترويج بأن المشروبات المحلّاة بالسكر وتناول الطاقة الغذائية المفرطة يعتبر مسبباً رئيسياً للسمنة والنوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب.
مقدار هائل من البيانات جُمعت من الاختبارات والدراسات والتجارب السريرية منذ تلك الملاحظة المبكرة، وبناء على مراجعات منهجية لها وتحليلات واسعة، قامت منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام 2015 بنشر توصيات تفيد بأهمية تقليل الأفراد من استهلاكهم للسكر إلى أقل من 10% من إجمالي الطاقة. ونشروا أيضا توصية مشروطة تشير إلى أنه يمكن تحقيق فائدة أكبر إذا كان السكر يمثل أقل من 5% من إجمالي الطاقة. وقد قدمت توصيات مماثلة من قِبل الحكومات الوطنية والمنظمات المهنية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك زيادة الضرائب على الأطعمة والمشروبات عالية السكر.
لقد مر أكثر من نصف قرن منذ أن أشارت دراسات الملاحظات المرضية) إلى حد كبير في إفريقيا (أن معالجة الأطعمة القائمة على الحبوب مع إزالة ما أصبح يسمى الألياف الغذائية، وليس الإفراط في تناول السكر، كانت من العوامل الرئيسية المسببة لكلٍ من أمراض القلب والشرايين وأمراض الأمعاء الغليظة. ومع ذلك وحتى وقت قريب نسبياً، تم إعطاء القليل من الاهتمام للنشويات المعقدة والألياف الغذائية مع أنها المكونات الرئيسية الأخرى للكربوهيدرات الغذائية.
على الرغم من أن إرشادات التغذية الصادرة عن العديد من الحكومات والمنظمات المهنية تشجع على زيادة استهلاك الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقول والتي تعد مصادر غنية بالألياف الغذائية وبعض النشويات وكذلك غيرها من المواد الغذائية التي تعزز الصحة، إلا أن هناك القليل من الإرشادات حول الكمية الموفرة لمصادر الألياف الغذائية والنشا. حيث أن المراجعات المنهجية والتحاليل التلوية التي تفحص العلاقة بين النشويات والألياف الغذائية ونتائجها الصحية كانت تدرس عادة مؤشراً واحداً لنوعية الكربوهيدرات وعددا محدودا من الأمراض الناتجة، وبالتالي، لم يكن من الممكن تحديد المدى الذي تنطبق عليه إمكانية التنبؤ لهذه المؤشرات عبر طيف الأمراض غير المعدية، ولا أيها أكثر فائدة في إرشادات التغذية أو عند التوصية بخيارات الغذاء، وبالتالي كانت التوصيات الكمية المتعلقة بالألياف الغذائية لا تملك اساساً قوياً لأدلتها.
هذه الدراسة التي نستعرضها في هذا المقال عن مؤشرات نوعية الكربوهيدرات والأمراض غير المعدية (NCD) والوفيات وعوامل الخطر، ضرورية في هذا الوقت بسبب الاهتمام المتزايد في مجال التغذية والأمراض غير المعدية، وتنامي المعرفة بتأثير تناول الكربوهيدرات على الصحة العامة. وقد كلفت منظمة الصحة العالمية الباحثين لإجراء هذا البحث لتطوير توصيات محدّثة بشأن تناول الكربوهيدرات.
الأهمية التي يضيفها هذا البحث
لقد قام فريق البحث بمراجعة منهجية وتحليلات تلوية للدراسات والتجارب السريرية التي أظهرت العلاقة بين أكثر المؤشرات التي تمت دراستها على نطاق واسع لنوعية الكربوهيدرات (أي الألياف الغذائية، الحبوب الكاملة، البقول، مؤشر السكري أو الحمولة السكرية) وعلاقتها بالوفيات والإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض غير المعدية وعوامل الخطر الخاصة بها. وقد أتاح النظر الموازي للدراسات والتجارب السريرية استكشاف مدى تماشي التغيرات في عوامل الخطر المرتبطة بالأمراض القلبية والمرتبطة بحد ذاتها بتغيير كمية الكربوهيدرات الغذائية مع تأثير نوعية الكربوهيدرات على مخاطر الأمراض التي لوحظت في تلك الدراسات. كما تم إنشاء منحنيات استجابة للجرعة وحساب الفوائد من كميات مختلفة من الألياف الغذائية الكلية.
إن النتائج المكملة لبعضها المستمدة من الدراسات والتجارب السريرية تبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن تناول كميات أكبر من الألياف الغذائية أو الحبوب الكاملة مرتبط بانخفاض خطر الوفاة وحدوث مجموعة واسعة من الأمراض غير المعدية وعوامل الخطر الخاصة بها. وتوفر الأدلة المقنعة توصيات غذائية لاستبدال الحبوب الكاملة بالحبوب المكررة، وزيادة الألياف الغذائية إلى 25-29 غرام على الأقل في اليوم مع فوائد إضافية محتملة ان تمت الزيادة عليها. بالنظر في الأدلة الحالية، قد يكون المؤشر السكري أو الحمولة السكرية* أقل فائدة كمقاييس عامة لجودة الكربوهيدرات من الألياف الغذائية ومحتوى الحبوب الكاملة.
الحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات
تتشابه نتائج أطعمة الحبوب الكاملة مع تلك الخاصة بالألياف الغذائية. فقد أظهرت الدراسات انخفاضاً في الوفيات الناجمة عن مرض القلب التاجي ووفيات السرطان ومرض السكري من النوع الثاني ووفيات السكتة الدماغية بحوالي 20 % ، مع علاقة واضحة مع كمية الحصة اليومية. كما أظهرت التجارب والدراسات أن الزيادة في تناول الحبوب الكاملة يؤدي إلى انخفاض في وزن الجسم والكوليسترول، وقد تكون الآثار المفيدة للحبوب الكاملة بسبب محتواها العالي من الألياف الغذائية.
للفواكه والخضروات أيضاً مساهمة هامة في تناول الألياف الغذائية. لا تُعرف على وجه التحديد العلاقة بين استهلاك الفاكهة والخضروات والأمراض غير المعدية، ولكن لوحظ وجود علاقة عكسية بين تناول التفاح والكمثرى والحمضيات والخضروات الورقية مع أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات الناتجة عن أمراض القلب والسكري والجلطات والسرطانات. بالإضافة إلى الألياف، تحتوي الفواكه والخضروات على العديد من العناصر الغذائية الأخرى التي يحتمل أن تكون وقائية وتمنع بعض المخاطر.
في الجهاز الهضمي
لقد تم دعم فوائد الألياف بواسطة أكثر من 100 عام من البحث في الكيمياء والخصائص الفيزيائية وعلم وظائف الأعضاء والآثار الأيضية. وينصح بمضغ الأطعمة المحتوية على الألياف قبل أن تصل إلى المعدة ثم إلى الأمعاء الدقيقة، فمن المرجح أنها بذلك تؤثر على الإحساس بالشبع من خلال آليات مختلفة مما يؤدي إلى فقدان الوزن وتحسّن الاستجابة للجلوكوز وإفراز الأنسولين وامتصاص الدهون.
في الأمعاء الغليظة، وبرغم أن الألياف لا تهضم أو تمتص في القناة الهضمية للإنسان، إلا أنه يتم تفكيكها تقريباً بالكامل بواسطة البكتيريا المقيمة في الأمعاء الغليظة من خلال سلسلة من التفاعلات اللاهوائية المعروفة باسم التخمير. تلعب الميكروبات المعوية (الميكروبيوم) العديد من الأدوار المهمة في صحة الإنسان، بما في ذلك الحماية من مسببات الأمراض وتطوير الجهاز المناعي للأمعاء وصناعة الفيتامينات واستقلاب xenobiotics ، ويمكن أن يكون لها دور أيضاً في التواصل المعقد بين الأمعاء والدماغ. ومع ذلك، فإن الوظيفة الرئيسية للميكروبيوم هي هضم الألياف والكربوهيدرات الأخرى التي تنجو من التحلل في الأمعاء الدقيقة. وتوافر الألياف في النظام الغذائي هو الذي يهيمن على عملية الأيض في ميكروبيوم الأمعاء ويؤدي إلى الحماية من حالات مثل سرطان القولون والمستقيم. هذا الجمع بين العمل الوبائي والتجريبي على الألياف يسمح باستخلاص استنتاجات مفادها أن زيادة تناول الألياف يؤدي إلى تحسين صحة الإنسان بشكل عام.
تساهم هذه الدراسة بمجموعة متزايدة من الأدلة على أن نوعية الكربوهيدرات تحدد النتائج الصحية الرئيسية. ويجب ترجمة هذه النتائج المتعلقة بالألياف الغذائية والحبوب الكاملة إلى نصائح غذائية.
توجد الألياف الغذائية كما هو محدد بواسطة الدستور أو المرجع الغذائي Codex Alimentarius بشكل طبيعي في الأطعمة، ولكن يمكن استخراجها من الأطعمة أو صناعتها وإضافتها إلى الأطعمة المصنعة.
لقد تغير مفهوم أطعمة الحبوب الكاملة أيضا بشكل ملحوظ، فيجب أن تحتوي على تركيبة مغذية مماثلة لتلك الموجودة في الحبوب الأصلية، بغض النظر عن درجة المعالجة. الكثير من حبوب الإفطار وغيرها من منتجات الحبوب الكاملة المصنعة يتم معالجتها بدرجة أكبر مما كانت عليه في الماضي، وتوجد أدلة نادرة ولكنها تلفت النظر، إلى أن استهلاك الحبوب الكاملة التي خضعت للمعالجة الزائدة يمكن أن يؤدي إلى تدهور العديد من المؤشرات الحيوية لأمرض القلب والأوعية الدموية. وبما أن هذه تطورات حديثة نسبياً، لا يوجد دليل وبائي على عواقب مثل هذه التغييرات في الغذاء وأنها تؤثر على النتائج السريرية والوفيات، وإلى أن يتوفر دليل، فمن المناسب أن تركز النصيحة الغذائية على فوائد الألياف الغذائية الموجودة بشكل طبيعي في الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه التي تمت معالجتها بالحد الأدنى.
بسبب نوعية هذه الدراسة فإنها لم تأخذ بعين الاعتبار تحديد أنواع المخاطر المرتبطة بالألياف الغذائية. ومع ذلك، قد يرتبط استهلاك كميات كبيرة منها بأضرار صحية على الأشخاص الذين يعانون من نقص الحديد أو المعادن، فقد يؤدي استهلاك كميات كبيرة من الحبوب الكاملة والألياف إلى زيادة خطورة حالتهم.
النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي يدعمها الكثير من العمل التجريبي، تبين أدلة دامغة على أن الألياف الغذائية والحبوب الكاملة من العوامل الرئيسية المحددة لنتائج صحية عديدة وينبغي أن تشكّل جزءاً من سياسة الصحة العامة. وأن الكميات التي تتراوح بين 25 إلى 29 غرام يومياً من الألياف الغذائية كافية، وأن الكميات التي تزيد عن 30 غراماً في اليوم تمنح فوائد إضافية. ولكن الحكمة في الإعتدال.
*المؤشر السكري: هومقياس ومؤشر لنوعية النشويات
عملية الهضم تختلف في سرعتها وتأثيرها باختلاف نوع الغذاء، وتختلف باختلاف نوع النشويات والتي هي صور معقدة من مركبات السكر، فهناك نشويات تتحلل بسرعة خلال عملية الهضم، واستجابة جلوكوز الدم لها سريعة وعالية، أي أن الجلوكوز في مجرى الدم يزداد بسرعة بعد تناول تلك النشويات. هذا النوع من الأغذية لها قيمة مؤشر سكري عالية.
بالمقابل، الأغذية التي تحتوي على نشويات تتحلل ببطء، وتحرر الجلوكوز في مجرى الدم بالتدريج، لها قيمة مؤشر سكري منخفضة.
إذن، المؤشر السكري يصف نوع النشويات في الأغذية. إنه يشير إلى قدرة النشويات على رفع مستويات جلوكوز الدم. الأغذية ذات المؤشر السكري العالي تحتوي النشويات التي تسبب ارتفاعاً حاداً في مستويات جلوكوز الدم. بينما الأغذية منخفضة المؤشر السكري تحتوي النشويات التي تحدث تأثيراً أقل.
الحمولة السكرية لغذاء هي حساب رياضي. تقدر بواسطة ضرب المؤشر السكري لغذاء معين في كتلة الغذاء بالجرام، مقسوماً على 100.
الحمولة السكرية = (المؤشر السكري x كمية النشويات) ÷ 100
المرجع:
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org