بدأ تفشي فيروس إيبولا الذي أحدث دماراً كبيراً شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في 1 أغسطس 2018. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فقد أصيب أكثر من 2418 شخص بالفيروس منذ بدء الفاشية، وتوفي ما يقرب من 1582 شخص حتى تاريخ 15 يوليو 2019.
قد تتقلب الأرقام بشكل مفاجئ بسبب العديد من العوامل، بما في ذلك المتابعة المستمرة والتحقق من الحالات المشتبه بها وإعادة تصنيف الحالات. وتُعد هذه الفاشية العاشرة التي تضرب البلاد منذ عام 1976 عندما تم اكتشاف الفيروس لأول مرة. وهي ثاني أكبر فاشية على الإطلاق بعد وبائية غرب افريقيا (2014-2016) التي أصابت 28،616 شخصاً بشكل رئيسي في غينيا وليبيريا وسيراليون، وتسببت في وفاة حوالي 11310 شخص.
يصيب فيروس الإيبولا البشر عن طريق الاتصال الوثيق بالحيوانات المصابة، بما في ذلك الشمبانزي وخفافيش الفاكهة وظباء الغابات، ثم يمكنه الانتشار بعد ذلك بسرعة كبيرة إما مباشرة عن طريق الاتصال بكميات صغيرة من السائل الجسدي للمصابين، أو بشكل غير مباشر من خلال الاتصال مع البيئات الملوثة. ومن أهم طرق الانتقال في التفشيات السابقة كان عبر التعامل مع جثث المتوفيين بالمرض.
يتسبب الفيروس بداية في حمى مفاجئة وضعف شديد وآلام في العضلات والتهاب في الحلق، ثم تتطور الأعراض لتشمل القيء والإسهال ونزيف داخلي وخارجي. ويميل المرضى إلى الموت بسبب الجفاف وفشل تام في العديد من أجهزة الجسم الأمر الذي يؤدي إلى الوفاة في نسبة كبيرة من الحالات.
نسبة الوفيات المرتفعة والتي قد تزيد عن 50% من الحالات المصابة تشكل هاجساً عالمياً لكل السلطات والمنظمات الصحية العاملة. ففي حال انتشار الوباء إلى خارج البلدان المعهودة وانتقال الفيروس إلى مختلف القارات سيدعم سيناريو الجائحة العالمية، وهو سيناريو مفزع واّثاره ستفوق كل التوقعات والتخيلات خاصة وأن غالبية البشر ليس لديهم مناعة مسبقة لهذا الفيروس.
قبل أيام قليلة من كتابة هذا المقال، أكدت جمهورية الكونغو الديمقراطية أول حالة إصابة بفيروس إيبولا في مدينة غوما الشرقية ذات التعداد السكاني الذي يبلغ أكثر من مليوني نسمة، والتي تستضيف مطاراً دولياً، وتُعتبر مركزاً تجارياً وثقافياً رئيسياً على حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية مع رواندا حيث يتنقل الناس بحرية تامة بين مدينتي جيزيني في رواندا وغوما في الكونغو، مما يزيد المخاوف من انتشار فيروس إيبولا في رواندا وبالتالي صعوبة قمع الفيروس والسيطرة عليه.
مريض الإيبولا الذي تم تشخيصه مؤخراً كان قد سافر من بوتيمبو (قلب الوباء الحالي) إلى غوما بالحافلة وتم نقله إلى عيادة صحية تشرف عليها منظمة أطباء بلا حدود حيث أكد فحص الدم أنه مصاب بفيروس إيبولا. عُزِل المريض بسرعة ثم نُقل إلى بوتيمبو ليتلقى الرعاية الصحية، ولكنه مات في وقت لاحق. كما تم تعقب سائق الحافلة و 18 راكباً كانوا على متنها ليتم تطعيمهم، وتمت مراقبة ذوي المريض وجميع من كان على اتصال مباشر به. الجدير بالذكر أن وزارة الصحة أشارت في بيان لها أن هناك خطورة منخفضة لانتشار المرض نظراً للسرعة التي تم بها تحديد هوية المريض وعزله، وكذلك تحديد هوية السائق وجميع الركاب، كما تم بالفعل تحصين حوالي 3000 عامل صحي في المدينة.
وأكَّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في اجتماع رفيع المستوى في جنيف بسويسرا على ضرورة عقد اجتماع للجنة الطوارئ للنظر فيما إذا كان الوباء في جمهورية الكونغو الديمقراطية يحتاج إلى اعلانه كحالة صحية عامة وطارئة تثير قلقاً دولياً Public Health Emergency of International Concern PHEIC ، وهي تسمية يمكنها حشد الدعم الدولي ولكن يمكنها أيضاً عزل دولة عندما تفرض دول أخرى حظر السفر كما حدث في وبائية غرب افريقيا، خاصة أن غوما تعتبر بوابة للمنطقة والعالم.
وقد اجتمعت اللجنة بالفعل مؤخرا لمناقشة الموضوع، وهو الاجتماع الرابع منذ بدء تفشي المرض في أغسطس 2018. كان قد رُفض رفع مستوى الوباء إلى حالة PHEIC في المرات الثلاث الأولى ، ولكن بعد الاجتماع الأخير، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحفي عُقد في 17 يوليو 2019 أن مرض فيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية يمثل حالة صحية عامة و طارئة تثير قلقاً دولياً. وأشارت المنظمة إلى أن إعلان الطوارئ يعكس الحاجة إلى مزيد من التنسيق الدولي كاستجابة للفاشية، كما أن المنظمة لا توصي بفرض أي قيود على الحدود أو التجارة في المنطقة؛ ذلك لأن هذه القيود يمكنها أن تجبر الناس على استخدام المعابر الحدودية غير الرسمية وغير الخاضعة للمراقبة، مما يزيد من احتمالية انتشار المرض.
و قد أتت الدعوة الأخيرة لإجراء تقييم جديد لمستوى الوباء بعد أيام من رفض جمهورية الكونغو الديمقراطية استخدام أي لقاحات إضافية ضد الايبولا – إلى جانب لقاح ميركMerck vaccine الذي يتم نشره على نطاق واسع – خلال هذا الوباء، خاصة لقاح لا يزال تجريبي تم صنعه بواسطة . Johnson & Johnson حيث أعلن وزير الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن رفض حكومته السماح باستخدام لقاح J&J أو أي أدوية أخرى. وأشار إلى عدم وجود أدلة علمية كافية حول فعالية وسلامة اللقاحات الأخرى، كما أنه يرفض التورط في إرباك السكان.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تم إعطاء لقاح ميرك لنحو 161 ألف شخص في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك 3000 عامل صحي في غوما. وتقول ميرك إن لديها 245 ألف جرعة لقاح إضافية جاهزة للشحن، وقدرة على إنتاج 900 ألف جرعة أخرى خلال الأشهر الستة إلى 18 شهراً القادمة. لكن يخشى الخبراء أن هذا ليس كافيا. وقال جوزي جولدينج، رئيس قسم الأوبئة في ويلكوم ترست في لندن أنه قلق من أن إمدادات لقاح ميرك المستخدم حالياً سوف تنفد قبل أن ينتهي هذا الوباء، والذي سيكون له عواقب وخيمة، و أكَّد أن هناك حاجة ماسة لنشر لقاح ثانٍ، كما طالب بإعادة النظر في قضية لقاحJ&J .
وقال بول ستوفيلز ، كبير المسؤولين العلميين في J&J أنه يحترم قرار وزير الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية فيما يتعلق بدراسات لقاح الإيبولا في البلاد، وأكَّد أنهم على استعداد لتعبئة مواردهم إذا طُلِبوا للمساعدة في جهود الاستجابة لتفشي المرض. وتقول الشركة أن لديها ما يكفي من اللقاحات المخزنة لتطعيم حوالي 1.5 مليون شخص.
للمزيد:
البريد الإلكتروني أ.د. عبدالرؤوف على المناعمة: elmanama_144@yahoo.com
البريد الإلكتروني روان حسن ريدة: rawaaan10001@gmail.com