أظهرت دراسة علمية جديدة أن ري أشجار الزيتون بالماء المالح خلال فترات الجفاف قد ينقذها من الموت في غياب المياه العذبة. كما يساعدها على استعادة نشاطها الفيسيولوجي بشكل أفضل من الأشجار التي لم تروَ بالمياه المالحة. ونُشرت الدراسة في مجلة "إدارة المياه الزراعية" في شهر مارس من العام الجاري 2019.
يترك الجفاف والملوحة آثاراً واضحة على نمو شجرة الزيتون ونشاطها الفيسيولوجي، وهذه التأثيرات قد تكون مؤقتة أو دائمة وتؤثر على استدامة إنتاج الزيتون، خاصة في مناطق جنوب البحر المتوسط. وتتمتع تونس بمناخ البحر الأبيض المتوسط الذي يتميز بارتفاع درجات الحرارة وندرة هطول الأمطار في الصيف. وهو ما يزيد في مشاكل الإجهاد المائي لأشجار الزيتون المزروعة وقد تؤدي هذه الظروف إلى شح في توفر مياه الري ذات النوعية الجيدة واللجوء إلى استخدام المياه المالحة. ورغم أن أشجار الزيتون تملك القدرة على تحمل انخفاض توافر المياه وجودتها وتطوير تكيفات فسيولوجية للتعامل مع الإجهاد المائي والملحي، إلا أن استراتيجيات التكيف هذه محدودة ويمكن ملاحظة أثر الأضرار الدائمة على أوراق الزيتون بسبب الجفاف، كما أن آثار الري باستخدام المياه المالحة مازالت غير معروفة جيدا.
ويهدف هذا البحث إلى دراسة الخصائص الفيسولوجية لأشجار الزيتون خلال فترات الجفاف بمقارنة أداء أوراق الزيتون بعد الجفاف الشديد بالري وبدونه وتأثير سقيها بالمياه المالحة (EC=7.5 ds m-1). إضافة إلى تقييم قدرة شجر الزيتون على استعادة نشاطها الفيسيولوجي بعد نهاية الجفاف.
يقول الباحث كمال القرقوري من معهد الزيتونة للبحوث المشارك في إنجاز الدراسة "هذه أول مرة يتم فيها قياس نسب تأثير الري بالمياه المالحة على أشجار الزيتون خلال فترات شح مياه الأمطار"
ويضيف "في هذه الدراسة قمنا بقياس تأثر النشاط الفيسيولوجي لثلاث مجموعات من أشجار الزيتون في جهة صفاقس (جنوب تونس) خلال فترة جفاف امتدت على عدة أشهر بين أكتوبر 2015 وسبتمبر 2016. وفي الوقت الذي تركت فيه المجموعة الأولى من أشجار الزيتون دون ري، تم ري المجموعة الثانية بالمياه المالحة أما المجموعة الثالثة فقد سقيت بالمياه الري العادية".
وقد أنجزت هذه الدراسة في إطار إعداد رسالة دكتوراه وشارك فيها باحثون من مخبر استدامة انتاج الزيتون والأشجار المثمرة في المناطق الجافة وشبه الجافة بمعهد الزيتونة للبحوث ومن المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس إضافة إلى باحثين من جنوب أفريقيا.
وأظهرت نتائج البحث أن المياه المالحة تساهم في تخفيف وطأة الجفاف على أشجار الزيتون وتساعدها في استعادة حالتها الطبيعية بسرعة بعد انتهاء فترة الجفاف وذلك على خلاف الأشجار التي تركت تواجه مصيرها دون ري.
ووجد الباحثون أن أشجار الزيتون غير المروية أظهرت انخفاض في إجمالي محتويات الكلوروفيل، بينما قلل الري بمياه مالحة من هذا الانخفاض لكنه لم يبلغ المستويات المرصودة لدى الأشجار المروية بالمياه الصالحة للري.
وقال الباحث القرقوري في تصريح لمنظمة المجتمع العلمي العربي " لقد وجدنا أن التمثيل الضوئي للأشجار التي تركت دون ري خلال الجفاف انخفض بنسبة تصل إلى 97.8 بالمائة أقل من الأشجار المروية بالمياه العذبة. بينما خفض الري بمياه مالحة هذه الفجوة لدى المجموعة الثانية من أشجار الزيتون. لكن النشاط الضوئي لديها ظل دون النشاط الطبيعي بحوالي 20.3 بالمائة ".
بعد هطول أمطار غزيرة بلغت 68.8 ملم ونهاية فترة الجفاف، لاحظ الباحثون أن مجموعة الأشجار غير المروية لم تسترجع سوى جزء من نشاطها البيولوجي لكنه لم يصل إلى نفس مستوى نشاط الأشجار المروية بمياه مالحة. ورغم أن أشجار الزيتون كانت قادرة على مقاومة ضغوط نقص المياه والملوحة إلا أنها لم تتمكن من استعادة أدائها الفسيولوجي بالكامل.
بعد إعادة الري، استعادت مجموعة الأشجار غير المروية 55 بالمائة فقط من نشاط التمثيل الضوئي الطبيعي بينما استعادت الأشجار المروية بمياه مالحة كامل نشاطها مقارنة بالأشجار المروية بالمياه العذبة.
واستنتج الباحثون في نهاية الدراسة أن المياه المالحة يمكن استعمالها خلال فترات الجفاف لري أشجار الزيتون لتقليص وطأة الجفاف عليها.
غير أن المياه المالحة تؤثر بشكل متفاوت على التربة، ففي الوقت الذي لا تمثل فيه المياه التي تحتوي على أملاح السيلفات والكاربونات خطورة كبيرة على التربة عندما لا يكون تركيزها عاليا، فإن المياه ذات التركيز العالي من أملاح أخرى ككلوريد الصوديوم تشكل خطرا على التربة لسميتها الشديدة كما يقول كمال القرقوري.
المرجع
البريد الالكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com