مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

قصتي مع حديث

الكاتب

الكاتب : علي موسى

دكتوراه في تاريخ الرياضيات

الوقت

02:51 مساءً

تاريخ النشر

22, مايو 2019

حوالي عام 2003 وقع بين يَدَي حديث شريف للرسول ﷺ قرأته وأخذ قلبي وفكري، وكنت حينها أول مرة أقرأ أحاديثاً نبوية من هذا النوع. والحديث الشريف هو: "خط النبي ﷺ خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط-، وهذا الذي هو خارجٌ أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" رواه البخاري. وسرعان ما أتتني الفكرة بحماس، من حسي الفني (كمهتم بالفنون عموماً)، أن أحوّل هذا الحديث إلى لوحة فنية مجردة، رغم أني لست رساماً ولا لي هواية بالرسم، ولكن لم أتوان في شراء الأدوات اللازمة، ولم أتوان بالجهد، ورسمتها بالاستعانة بأولادي على حائط الصالون عندي (على الحائط الكبير) لكي تكون واضحة أمام الجلوس. وأنجزناها بشكل لافت بخطوط عريضة وألوان مختلفة (لكل معنىَ من المعاني لون خاص) مع ظلال، تليق بمكانتها كلوحة نبوية، وكنا سعيدين بالنظر إليها. وكانت كذلك محط اهتمام الضيوف، وكان دائماً يدور معهم حولها حديث شيّق متشابك بأبعاد كثيرة (سأذكر طُرفة لاحقاً).

من المواضيع ذات الصلة التي يُفكر بها كل مسلم عندما يقرأ هكذا حديث هو علاقة الفن بالدين. والفن من المواضيع التي شغلت الفقه الإسلامي عبر العصور، وقد قيل فيه الكثير، وذلك ناتج لما في الفن من تشعبات وأنواع (مثل التصوير والغناء والموسيقى والتمثيل) وكثرة عناصره من ناحية، ولما في النصوص الثابتة من تأويلات من ناحية أخرى، فولد هناك خلاف كبير بين الفقهاء حول موضوع الفن وكيفية ربطه في التصور الإسلامي حول الإنسان والحياة والكون، فمنهم من تشدد في التحريم ومنهم من فرّط ومنهم من اتبع الوسطية (تحت عنوان الفن الهادف). وكان لهذا انعكاسات واضحة جعلت للحضارة الإسلامية سمة خاصة ميزت ثقافتها الفنية عن باقي الحضارات، بمثل ازدهار التزيين في داخل حركة العمران (في المساجد والقصور) وفن الخط، أو في الفنون الأدبية والحِكم، إلخ. وهذا حديث طويل لا يمكن حله في عجالة بصفحتين.

ولكن لو أخذنا نوعاً من أنواع الفن ألا وهو الرسم، والرسم فيه أشكال مختلفة ومدارس متنوعة عبر العصور، ولو نظرنا لفرع منه أقصد الرسم التجريدي، كما هو الحال في الحديث الشريف، فهذا النوع يمكن استخدامه والاستفادة منه دَعَوياً، وليس أدلّ على هذا أن الرسول ﷺ استخدمه كأحد أساليبه المتنوعة في التبيين، وكُتب الكثير عن تنوع أساليب الرسول ﷺ في التبليغ. وسنستفيد منه خصوصاً في هذا العصر الذي يطغى عليه عالم الفن والرياضية بشكل مخيف، فيمكن توظيف الشباب أولئك الذين عندهم موهبة الرسم في تقديم أفكار دينية بطريقة ملفتة. والحديث ليس فقط يمكن وضعه تحت الفن التجريدي ولكن لحسن الحظ هو متناغم تمام التناغم مع إحدى الفلسفات الفنية الحالية المهمة في هذا العصر، ألا وهي الـ Minimalism بما يخص البساطة والتقليلية.

وبعد مرور سنوات قليلة انتقلت من البيت ولم أستطع أن آخذ اللوحة معي للأسف، فكان ربما من الأفضل أن أرسمها على لوحة مستقلة وليس على حائط، فلم أحسب حساب هذا الاحتمال. وبعدها كذلك تبين لي من خلال البحث، أن الحديث النبوي الشريف تم رسمه مبكراً في الحضارة الإسلامية، وتم رسمه بنسخات مختلفة في كتب الحديث، وأن هذه اللوحة أُطلق عليها اسم "لوحة الأمل والأجل"، وكم كنت سعيداً بهذه المعرفة، والنسخة التي في شكل 1 هي قديمة، وهي الأقرب للصورة التي رسمتها مع فارق مهم، وهو أن الخطوط الصغيرة التي في الداخل (الأعراض) جعلتُها بأطوال مختلفة وليس بطول واحد كما في الشكل 1 (كناية عن اختلاف الأعراض وتأثيراتها، وهي كذلك في الواقع فليس كل الأعراض بنفس الوَقع على النفس البشرية)، وبالطبع بدون ذكر المعاني على اللوحة.

ومن المواضيع اللافتة التي كانت تستحوذ على النقاش وعلى تفكيري كذلك، هو موضوع الأمل، الذي تتناوله اللوحة نفسها، وهناك تأويلات لهذا المعنى، فالإنسان يعيش وأمله بالدنيا يكبر ويكبر فيأتي الأجل ولا يتحقق كل الأمل، أو لا يتحقق البتة، فقادني هذ للتفكير إلى أن الأمل الحقيقي هو فقط متحقق بعد الأجل (نسأل الله أن نكون من الفائزين)، وأن هذا لا يلغي أو يتعارض مع الأمل المحتمل والعمل في الدنيا، لأن بالأمل المحتمل والعمل على الصراط المستقيم يصل الإنسان بعد الأجل للأمل الحقيقي بأفضل حال، وللحق لقد انعكست هذه اللوحة وما فيها من معانٍ على أدائي في الحياة وعلى ما أكتبه من شِعر.

وعندما زارني أحد الأصدقاء الأعزاء أول مرة بعد رسم اللوحة، لفتت اللوحة انتباهه بشكل كبير وأخذ يسأل عنها، وشرحت له ما شرحت حولها، وقال لي بعفوية سائلاً وممازحاً، وما معنى هذا الخط الذي هو أطول خطوط الأعراض (المصائب) هل هو عندما يتزوج الإنسان؟ بسماع زوجته فضحكنا كثيراً حينها وكان نقاشاً رائعاً لا شك.

مدينة ڤايلي، الدنمارك
رمضان 2019 ميلادي

بعض الروابط

  1. https://hawamer.com/vb/hawamer2228183
  2. http://bigsta.net/media/1314464534195219760_3481468240
  3. https://www.pinterest.dk/pin/568649890447244860/

 

الملف بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة

 

البريد الالكتروني للكاتب: alimoussa67@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
05/24/2019 5:18 صباحًا
عنوان التعليق
رائع
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x