{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية 138 من سورة البقرة
ما علاقة الصيام بالتقوى؟
في عز الحر والعطش وأنت صائم، تشعر بالجفاف في حلقك، تشتهي الماء كأشد ما يكون.. تحين الصلاة، فتدخل للوضوء في مكان مغلق وفم مغلق على ما فيه، تدخل الماء إلى أقرب مسافة من البلعوم، وليس بينك وبين إدخاله وشربه وتحقيق ما تشتهي سوى إرادة البلع… والتي لو حدثت لن يعلم بها أحد.. ولكنك لا تفعلها! لماذا؟ لأنك صائم. وتعلم يقينا أن الله اللطيف الخبير يعلمها ومطلع على عملك ونيتك.
هذا يجسد معنى الشعور بمراقبة الله والإحساس بوجوده سبحانه معك في كل حال وآن. هذا الشعور إذا تمكن من الإنسان بلغ به مراتب الإحسان والذي عرّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث جبريل الذي رواه البخاري: "…أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
وهذا أهم ما تتدرب عليه في الصيام، وتتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه. المراقبة والخوف من الجليل ومقاومة الهوى وضبط النفس تصب جميعاً في معنى التقوى، وهي مقصود الصيام، فإن لم تحصل على التقوى من صيامك فقد خسرت الكثير.
هذه التقوى تنعكس على سلوك الإنسان في كل أمر. وكل عمل تؤديه وأنت تستشعر مراقبة الله لك فيه وتتقي غضبه ومخالفته هو عبادة لله تؤجر عليها. فلا يعقل أن يعلم مؤمن أن ربه لا تخفى عليه خافية، ثم يخون الأمانة ويغش في العمل، ففي صحيح مسلم "من غشّ، فليس مني" وفي حديث آخر صححه الألباني: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، فكيف يكون مؤمناً من يغش ويخون ويكذب؟
والغش، كما تعلم، يمكن في كل عمل. سواء كنت أستاذاً أو باحثاً أو طالباً، مهندساً أو طبيباً، نجاراً أو حداداً أو كهربائياً، موظفاً أو حارساً أو حاكماً أو وزيرا، أو غير ذلك…، "فالدين النصيحة"، والنصيحة كما فسرها العلماء: (النصيحة هي الدين، وهي الإخلاص في الشيء، والصدق فيه، حتى يؤدّى كما أوجب الله، هي الإخلاص في الشيء والعناية به، والحرص على أن يؤدى كاملًا تامًا لا غش فيه ولا خيانة ولا تقصير، يقال في لغة العرب: ذهبٌ ناصح، أي ليس فيه غش. ويقولون أيضا: عملٌ ناصح، يعني ليس فيه غش. وهكذا يجب أن يكون المؤمن في أعماله ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
من هنا، فإن الصيام وشهر رمضان المبارك مدرسة تدريبية على معاني التقوى والإحسان والصدق والنصح وإتقان العمل، "فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". وفي نهاية المدرسة هناك ناجح متفوق حصل على التقوى، وهناك من لم يلق من صيامه إلا الجوع العطش، والناس مراتب، "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري.
كما أن من الشعور بعلم الله، أنك لا تستطيع أن تبرر تقصيرك عنده لأنه أعلم بك، وقد أمرنا بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وهو يعلم قدر استطاعتنا بالضبط، لذلك وجب الاجتهاد بالطاقة القصوى في اتقان العمل والنصح فيه..
ولأننا نهتم بالمجتمع العلمي والبحوث العلمية، فأرجو أن يكون شهر الصيام مراجعة كل منا لنفسه، هل يتقن البحث العلمي؟ هل هو صارم فيه؟ هل يزوّر النتائج؟ هل يتغاضى عن أخطاء؟ هل ينسب لنفسه جهد غيره؟ هل يبذل كل جهده لإنتاج بحث علمي رصين نافع ومفيد؟
- هل يتقي الله الباحث في بحوثه ونتائجه؟
- هل يتقي الله الأستاذ والمعلم في طلابه، وينصح لهم في تعليمه إياهم؟ هل يبذل ما يستطيع لرفع مستواه العلمي ليكون أهلاً وجديراً بالتعليم؟
- هل يتقي الله الطالب في دراسته واختباراته ونتائجه؟ هل يحرص ويبذل ما في وسعه لاكتساب العلم الصحيح؟
- هل يتقي الله الطبيب في علاج مرضاه؟ هل يبذل ما يستطيع لرفع مستواه العلمي والتعرف على آخر ما توصل إليه الطب في مجال تخصصه ليكون أهلاً لممارسةالطب؟
- هل يتقي الله المهندس في هندسته؟
ما أعظم هذا الدين.. الحمد لله على نعمة الإسلام
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتقين ومن عباده المحسنين، آمين
المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة
البريد الإلكتروني للكاتب: mmr@arsco.org
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة