قد يساعد الامتناع عن الطعام الناس على فقدان الوزن، ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن البقاء لفترة بدون أكل قد يسبب زيادة النشاط الاستقلابي لدى البشر وزيادة إنتاج المواد المضادة للأكسدة، ويساعد في عكس بعض الآثار المترتبة على الشيخوخة. العلماء في معهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا في جامعة (OIST) وجامعة كيوتو عرفوا 32 مادة لم يسبق ذكرها، وجدوا أنها تزيد أثناء الصوم، وتشير إلى مجموعة متنوعة من الفوائد الصحية. ووجدوا وعلى عكس المتوقع، أن الصيام يحفز ويزيد من نشاط التمثيل الغذائي (الأيض).
توفر الملامح الأيضية لدم الإنسان معلومات قيّمة عن الحالات الفسيولوجية في الجسم الحي، والتي تتأثر بالعوامل الوراثية، اللاوراثية، الفسيولوجية، ونمط الحياة. والدراسة التي نحن بصددها هنا والتي نشرت يوم 29 يناير 2019 في مجلة التقارير العلميةScientific Reports ، قدمت تحليلاً كاملاً للدم البشري، البلازما وخلايا الدم الحمراء، مستمد من أربعة أفراد شباب متطوعون صائمون لمدة 58 ساعة، لم يتناولوا خلالها أي سعرات حرارية، وكانوا يشربون المشروبات الخالية من السعرات الحرارية. وقد رصد الباحثون مستويات متغيرة من نواتج الأيض (المُستقلَبات) وهي المواد التي تتشكل خلال العمليات الكيميائية للأيض والتي تمنح الكائنات الحية الطاقة والسماح لها بالنمو. كشفت النتائج عن أربعة وأربعين مُستَقلَباً، منها 32 لم تكن معروفة من قبل، والتي زادت بشكل عام يتراوح بين 1.5 إلى 60 ضعف خلال 58 ساعة من الصيام فقط.
هذه المجموعة البحثية تدرس الشيخوخة منذ سنوات، ومن المواضيع التي تدرسها هي علاقة الطعام واستقلابه مع الشيخوخة. وفي البحوث السابقة لهم حول الشيخوخة والاستقلاب، تم تحديد مستقلَبات مختلفة تنخفض كمياتها مع التقدم في السن، بما في ذلك ثلاثة أحماض معروفة بأسماء leucine، آيسولوسين Isoleucine و Ophthalmic Acid. في حالة الصائمين، ازداد مستوى هذه المُستقلَبات، مما يوحي بأن الصوم يمكن أن يساعد في مقاومة الشيخوخة وبالتالي في زيادة طول العمر. ويقول الباحثون إن نواتج الأيض هذه هامة جداً للحفاظ على نشاط العضلات ومضادات الأكسدة، وتشير هذه النتيجة إلى إمكانية تأثير الصوم على عمليات التجديد للخلايا، وهذا لم يكن معروفاً من قبل.
نتائج الأيض تعطي مؤشرات على الآلية والآثار الصحية
الدراسات العلمية التي تُعنى بالنواتج الصغيرة لعمليات الأيض (الاستقلاب) في الكائن الحي والتي تسمى Metabolomics، تمثل واحداً من مجالات الكيمياء الحيوية التي تتطور بسرعة، وتوفر أداة فعّالة في البحث عن علامات تشخيصية أو حيوية مفيدة. إنها تسمح بإجراء تقييم شامل لآليات التمثيل الغذائي للاستجابات الفسيولوجية والأمراض وللآثار البيولوجية للأدوية والغذاء والضغوط البيئية.
جسم الإنسان يميل إلى الاستفادة من الكربوهيدرات في حال توفرها، للحصول على الطاقة السريعة. وعندما يفتقر الطعام للكربوهيدرات، يبدأ الجسم باستهلاك مخازن الطاقة البديلة لديه. استخدام "الطاقة البديلة" يترك أدلة عليه، وهي نواتج الأيض المعروفة باسم بوتيراتيس butyrates، وكارنيتينيس carnitines، والأحماض الأمينية متفرعة السلسلة. هذه العلامات المعروفة لاستخدام بدائل الطاقة تبين أنها تتراكم خلال الصيام.
ولكن يبدو أن للصوم تأثيرات أبعد من استهلاك بدائل الطاقة، فقد لاحظ الباحثون من خلال تحليلهم الشامل للدم البشري، علامات الصيام المؤكدة تلك وغيرها الكثير. على سبيل المثال، وجدوا زيادة شاملة في المواد التي تُنتج في دورة حمض الستريك، (وهي عملية إطلاق الكائنات الحية للطاقة المخزنة في الروابط الكيميائية في الكربوهيدرات والبروتينات والدهون)، وهذه الزيادة الملحوظة تدل على أنه خلال الصيام، فإن محطات توليد الطاقة الصغيرة داخل كل خلية يزيد نشاطها.
الصوم بدا أيضا أنه يعزز استقلاب البيورين purine وبيريميدين pyrimidine، وهي المواد الكيميائية التي تلعب أدواراً رئيسية في التعبير الجيني وتخليق البروتين. النتائج توحي بأن الصيام قد يعيد برمجة الخلايا البروتينية، أيها تُبنى ومتى، ومن ثم تعديل وظيفتها. هذا التعديل قد يعزز التوازن في الخلايا، أو يعمل على تحرير التعبير الجيني كاستجابة للتأثيرات البيئية.
استقلاب البيورين وبيريميدين يزيد من إنتاج الجسم للمواد المضادة للأكسدة. فقد وجدت زيادة كبيرة في العديد من مضادات الأكسدة، مثل ارجوثيونيني وكارنوزين، خلال فترة الدراسة ( 58 ساعة) . و المواد المضادة للأكسدة تعمل على حماية الخلايا من الجذور الحرة التي تنتج أثناء عملية التمثيل الغذائي بالتالي إبطاء الشيخوخة. منتجات مسار الأيض المسماة "مسار فوسفات البنتوز" أيضا توقف آثاراً ضارة للأكسدة، وبالمثل لوحظت زيادة فيها أثناء الصوم، ولكنها لوحظت فقط في البلازما.
الفوائد الصحية المكتشفة حديثا للصيام
يرى الباحثون أن هذه الآثار المضادة للأكسدة قد تمثل استجابة الجسم الرئيسية للصوم. الدراسة السابقة للمجموعة البحثية تقدم أول دليل على أن وجود المواد المضادة للأكسدة كعلامة صيام. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم الدراسة فكرة جديدة مفادها أن الصيام قد يعزز إنتاج العديد من نتائج الاستقلاب المرتبطة بالسن، التي تكون وفيرة في الشباب، ولكنها تقل بشكل كبير مع التقدم في العمر.
أظهرت الدراسات الحديثة حول الشيخوخة أن لتقليل السعرات الحرارية والصيام أثر في إطالة عمر حيوانات التجارب، ولكن الآلية التفصيلية ما تزال غير معروفة. ولابد من التحقق من كل آثار الصيام الأيضية على مضادات الشيخوخة.
تزيد هذه النتائج الأفكار الراسخة حول ما يمكن أن يفعله الصوم لصحة الإنسان. والخطوة التالية ستكون لتكرار هذه النتائج في دراسة أكبر، أو اكتشاف كيف يمكن إحداث التغيرات الاستقلابية بوسائل أخرى غير الصيام.
يهتم الناس بمعرفة ما إذا كان يمكنهم الانتفاع من آثار الوقاية من الأمراض الاستقلابية وإطالة أمد العمر الافتراضي بتقليل السعرات الحرارية أو الصيام، كما هو الحال مع الحيوانات النموذجية. إن فهم التغيرات الاستقلابية الناتجة عن الصيام يُتوقع أن يعطينا الحكمة والكياسة للحفاظ على صحتنا.
المرجع
- akayuki Teruya, Romanas Chaleckis, Junko Takada, Mitsuhiro Yanagida, Hiroshi Kondoh.
Diverse metabolic reactions activated during 58-hr fasting are revealed by non-targeted metabolomic analysis of human blood. Scientific Reports, 2019; 9 (1) DOI: 10.1038/s41598-018-36674-9
البريد الإلكتروني للكاتب: info@arsco.org