تمهيد
الحمد لله حمداً كثيرا، والصلاة والسلام على الذي أُرسل هادياً وبشيرا. عندما يبحث الإنسان في شيء ما حتى يخدم به الإنسانية يكون حذراً، فكيف إذا كان هذا البحث في دين الله الذي هو أغلى ما نملك. في هذه الورقة سأعرض فكرة حول الإشكال المتعلق بمواقيت الصلاة والصيام في بلاد الشمال التي يطول فيها النهار خلال الصيف بشكل كبير ولافت، وسأعرضها بطريقة يتخللها سرد لأن عناصرها كثيرة فلربما يكون هذا الأسلوب أنجع.
في كل عام في بلاد الشمال حيث أُقيم، عندما يبدأ فصل الصيف بالقدوم يبدأ معه حراك اجتماعي معيّن لا ينكره أحد، وأقصد كثرة الحديث عن كيفية الصيام، وتدور النقاشات هنا وهناك للبحث عن فتوى أو رخصة لتقليل ساعات الصيام، ويحتدم النقاش بين مؤيد ومعارض، وهذا الحراك "النقاشي" ملاحظ من خلال الأسئلة التي تُطرح على المشايخ في الفضائيات وملاحظ من كثرة المشايخ الذين تدخلوا في هذا الأمر (كما سيتبيّن)، وهذا الحراك ظاهرة لا بد من الوقوف عندها وتأمّلها. لماذا نتأملها؟ لأنك إذا نظرت في بلاد الجزيرة العربية أو بلاد الشام أو شمال إفريقيا أو الدول الإسلامية في شرق آسيا مثل أندونيسيا وماليزيا، فلن تجد مثل هذا الحراك النقاشي المتعلق بتقليل عدد ساعات الصيام أو تغيير مواقيت الصلاة، لا نقاش هناك البتة، لا أحد هناك يناقش أو يطالب بتغيير مدة الصيام مثلاً أو تغيير أوقات الصلاة، فيدل هذا المتأمل على أن هذه البلاد المذكورة سابقاً هي بلاد معتدلة وفيها توازن ما بين طول الليل والنهار، فلا شكوى إذاً، وبالمقابل يدل كذلك المتأمل أن بلاد الشمال النائية فيها خلل بين الليل والنهار واضح، هذا الخلل بين النهار والليل حثّ الناس المقيمين هناك حثّاً على الحراك النقاشي بشكل تلقائي، أي وكأن الطبيعة ذاتها تدعوهم لأن يشتكوا ويبحثوا. وهذه نقطة مهمة.
ومع هذا الحراك نشأ سؤال فكري مؤرّق رأيته خطيراً أشار إليه صديق لي، هذا السؤال متعلق بمبدأ هل الإسلام فعلاً صالح لكل زمان ومكان، فكانت الخشية أن يتسرب الشكّ حول الدين في الأجيال المقيمة في بلاد الشمال من زاوية النصوص الدينية المتعلقة في مواقيت الصلاة والصيام، فهذه النصوص لا يمكن تطبيقها في عموم الكرة الأرضية (كما سيتبين). تخيل أن سياسياً من بلاد الشمال (ينتمي لحزب "عنصري") استهزأ بالمسلمين وقال بما معناه: إذا أردنا التخلص من المسلمين علينا بإرسالهم إلى شمال السويد هناك لا تغيب الشمس فعندما يأتي رمضان سيبقون ممتنعين عن الطعام وسيموتون تلقائياً. فهل فعلاً ديننا الحنيف صالح للتطبيق في كل زمان ومكان؟ فالسؤال هو بالأحرى عن عالمية الدين الإسلامي، فهل هو فعلاً عالمي؟ ونحن نقرأ في اليوم سبعة عشرة مرة على الأقل "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فخص الله نفسه بمطلع فاتحة الكتاب أنه رب العالمين. من أجل ذلك كان لا بد من البحث الجاد وكان لا بد من توفيق الله.
صياغة المسألة
كشخص ولد ونشأ في الشرق الأوسط متجذّر في وجداني أن الصيام مرتبط بطلوع الفجر وغروب الشمس، وكذلك أوقات الصلاة، فقد اعتدت على ذلك لسنوات طويلة، فلا تنفك عن وجداني، فلا أستطيع تخيل أني أفطر في رمضان والشمس ما زالت مشعشعة في السماء، أو لا أستطيع أن أتخيل أني أصلي المغرب أو العشاء والشمس ما زالت لم تغب (أو أن أصلي الظهر والعصر في الليل). ولكن مع إلحاح ذلك السؤال الفكري المؤرّق بدأ العقل يأخذ طريقه في وسط الوجدان لأنه كان أولى بالتكلم في تلك الظروف.
لا بد من التنويه بدايةً أن هناك الكثير من الفتاوى التي تجيز للمسلمين المقيمين في بلاد الشمال بتقليل عدد ساعات الصيام أو القياس (التقدير) على أوقات مكة المكرمة أو غيرها. من علماء الدين، الذين أفتوا بجواز القياس، كان قديماً العلامة الشيخ محمد عبده، والعلامة الشيخ محمد رشيد رضا، وشيخ جامع الأزهر الأسبق محمود شلتوت، وشيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق عام 1982 ميلادي في رسالة أرسلها لأهل النرويج، وكذلك فضيلة الشيخ عبد اللطيف حمزة عام 1984 في فتوى لأهل ألمانيا الاتحادية، وفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً، والعلامة الأستاذ مصطفى الزرقا في فتوى مهمة وسلك مسلكه الشيخ محمد حميد الله وعيّن الحد الأدنى للنهار 8 ساعات والحد الأقصى 16 ساعة تتوزع فيها مواقيت الصلاة. وكذلك علماء دين كثيرون في الوقت الحاضر من مصر وخصوصاً دار الإفتاء المصرية حديثاً، ومن السعودية كالشيخ المغامسي والطريفي، ومن بلاد الشام كالشيخ بسام جرار. وموجودة هذه الفتاوى على الإنترت وسهل الوصول إليها عن طريق البحث (في نهاية المقال هناك بعض الروابط لبعض المراجع).
والمُفتون بجواز القياس على مكة المكرمة مثلاً يبنون آراءهم معتمدين على القاعدة "أن النادر لا يدخل بالعموم" وأن هذه المناطق الجغرافية النائية هي من المناطق المسكوت عنها شرعاً ويجوز فيها الاجتهاد، أي أن النصوص الدينية تخص مناطق الاعتدال وما عداها هو قابل للاجتهاد. وكذلك يبنون آراءهم مستندين على سماحة الدين الإسلامي وما فيه من رحمة في التشريع كما صرّحت به الآية الكريمة: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" الحج 78، والآية الكريمة: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" البقرة 286، والآية الكريمة: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" البقرة 185، وغيرها من الآيات، وكذلك يستندون على أحاديث شريفة صحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وقوله: "سدّدوا وقاربوا"، وكذلك على الحديث الصحيح عن خبر الدجال وفيه يقول عليه الصلاة والسلام عن اليوم الطويل: "اقدروا له قدرَه".
القارئ لهذه الفتاوى وتبريراتها أو المستمع لها بالتسجيلات يقتنع بجواز القياس أي بجواز الإفطار في رمضان والشمس طالعة، وكذلك يقتنع بجواز صلاة المغرب والعشاء والشمس طالعة.
ولكن سرعان ما يتراجع هذا الاقتناع أو يختفي تماماً إذا ما قرأ القارئ آراء المخالفين لهذه الفتاوى أقصد المشايخ الذين لا يجيزون القياس، ومنهم فضيلة المفتي الشيخ حسنين محمد مخلوف في فتوى سنة 1952، ومن الوقت الحديث، فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ومن معه من فقهاء في هيئات أو منظمات هو داخل فيها، فعندهم الإفطار لا بد أن يكون بعد غروب الشمس، أي لا يصح الصيام عندهم إلا إذا ابتدأ من الفجر واستمر حتى غروب الشمس، وإلا على المرء أن يفطر ويصوم في يوم ثانٍ معتدل، فهؤلاء المشايخ حجتهم تبدو أقوى فهم يعتمدون على آية قرآنية صريحة تتحدث عن بدء الصيام وانتهائه، وعلى حديث شريف صريح يتحدث عن وقت انتهاء الصيام، وحديث آخر يتحدث عن مواقيت الصلاة بكل وضوح، وهذه نصوص كلها قطعية الثبوت. ولا ننسى أن الوجدان يدعم رأي هؤلاء المشايخ، لأن المسلمين يمارسون هذه الطقوس من مئآت السنين ومتجذّر في الوجدان غروب الشمس كموعد للإفطار ومن الصعب فكه عنه. والآية الكريمة هي: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" البقرة 187. والحديث الشريف الأول هو: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". والحديث الشريف الآخر: "وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ".
إن الفريق الأول الذي يجيز القياس حجّته مبنية على قواعد عامة مثل رفع الحرج والتيسير في الشريعة، أو اعتبار هذه المناطق مناطق نائية مسكوتاً عنها يجوز فيها الاجتهاد. أما الفريق الثاني الذي لا يجوز عنده القياس (أي لا يجوز عنده الإفطار والشمس طالعة) يعتمد على نصوص دينية صحيحة تحدد الأوقات ولذلك حجّته تبدو أقوى وتحاكي الوجدان وعامة الناس.
والذي ستقدمه هذه الورقة هو الاستدلال بهذه النصوص التي يستخدمها الفريق الثاني الذي لا يجيز القياس لصالح الفريق الأول الذي يجيز القياس، أي سأستخدمها نفسها للتدليل على صحة الإفطار في هذه المناطق والشمس طالعة أو على صحة صلاة المغرب والعشاء والشمس طالعة في الصيف، وسيتبين أن هذه النصوص هي حقيقةً ضد الفريق الثاني. لقد كنت وأنا أقرأ تبريرات الفريق الأول الذي يجيز القياس ألاحظ عدم قدرة المشايخ على الالتفاف على هذه النصوص الصريحة ومعاناتهم في البحث عن أدلة، وكأن هذه النصوص كانت تسد عليهم طريق الاستدلال، فيأتي أي إنسان "بسيط" وينسف كل ما قالوا بسهولة بسرده لهذه النصوص، ويستطيع أن يشيّج الناس ضد الفريق الأول خصوصاً لأن الوجدان العام يدعمه، وهذا لاحظته بالمعايشة أكثر من مرة خلال تواجدي في بلاد الشمال. ونقطة الوجدان نقطة مهمة سأعود لها لاحقاً.
وقبل الشروع في الكلام لا بد من ذكر ثلاثة أمور حتى تكتمل عناصر صياغة المسألة. الأمر الأول هو أن الآية الكريمة: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" البقرة 185، تفرض صوم رمضان في وقته، فشهر رمضان لا يمكن نقله من وقته إلى وقت آخر فلا بد أن يصام في حينه.
الأمر الثاني هو أني لن أُقدم فتوى بجواز القياس في هذه المناطق النائية شمالاً أو جنوباً من الكرة الأرضية، فالفتوى موجودة منذ أمدٍ بعيد ومن علماء دين عديدين ومعتبرين كما تبين، ولكني فقط سأُقدم تبريراً آخر للفتوى بالاستناد إلى نصوص الفريق الثاني. والهدف ليس دحض رأي المخالفين، ولكن إزالة ذلك الشك المتعلق بالسؤال المؤرّق فكرياً لي كمسلم حول صلاحية تطبيق تعاليم الدين في عموم المعمورة.
الأمر الثالث هو أنه تم ذكر فريق أول وفريق ثانٍ، والفريق الأول يأخذ بالقياس، والفريق الثاني لا يأخذ بالقياس وعلى المتضرر الصيام في وقت آخر، ولكن هناك فريق ثالث مهم، وهو الفريق الذي يلغي الصلاة والصيام، أي تسقط فريضة الصلاة في هذه المناطق التي لا تتحدّد أوقاتها فيها وكذلك الصوم، وهو رأي له اعتباره، ولكن هذا الفريق الثالث هو أبعد في الفكر من فريق القياس، ولذلك فالقياس داخل فيه، والمنطلق لهما واحد ألا هو إثبات أن النصوص لا تخاطب تلك المناطق النائية في الشمال أو الجنوب. فأصبح الآن بالإمكان صياغة المسألة. حول مواقيت الصلاة والصيام في المناطق النائية شمالاً من الكرة الأرضية، أو النائية جنوباً، لأن كل الذي يقال عن الشمال يقال عن الجنوب، هناك فتوى من علماء دين معتبرين في عصور مختلفة. هذه الفتوى تجيز للمسلمين المقيمين في تلك المناطق بالقياس مثلاً على أوقات مكة المكرمة، أو أقرب مكان يكون فيه توازن بين الليل والنهار، دون أي اعتبار لحركة الشمس وموقعها في السماء. ولكن لم تشفِ غليلي تمام الشفاء تلك التبريرات التي قدمها المشايخ في شرحهم للفتوى، فلا أستطيع أن أعتمد عليها لإزالة الشك في السؤال المؤرّق، فكان لا بد من إيجاد تبرير متماسك يستند إلى تلك النصوص الدينية الثابتة ذاتها التي تحدد مواقيت الصلاة والصيام.
التبرير
المعلومات جميعها التي سترد هنا يعرفها معظم الناس إن لم يكن كلهم، فربما ليس في المعلومات كمعلومات منفصلة أي جديد، ولكن في تجميعها بنسق بحيث تقدم تبريراً متامسكاً يصلح لإزالة أي شك.
بعد الدخول في التفكير وأنا أقرأ سورة "القدر"، وللتذكير سورة القدر تتحدث عن ليلة من ليالي رمضان وهي ليلة القدر، فالسورة داخلة في صلب الموضوع، توقفت فجأةً عند قوله تعالى: "حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ" وسألت نفسي لماذا يطلع الفجر، فقلت لا بد لأنه كان مخفياً أو مغطى ثم طلع، أي سبقه سواد كان يكمره. ذلك لأن لو لم يكن يسبقه سواد لما طلع لأنه سيكون طالعاً بالأصل. فسارعت حينها إلى الآية في سورة البقرة لأتفحص مفرداتها وقرأتها وما إن قرأتها بدأت أمسك طرف الخيط، والآية هي: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ". فإذاً هناك تأكيد في هذه الآية على السواد الذي يغطي الفجر، وأخذت أفكر في قوله تعالى: "أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" وسألت سؤالاً مهماً للغاية هو المفتاح، لماذا قال "أتموا الصيام إلى الليل" ولم يقل أتموا الصيام إلى غروب الشمس؟ سيتبين لاحقاً.
فتكونت فكرة في ذهني أن لليل في القرآن مفهوماً خاصاً، فهو يبدأ بالغروب ثم الشفق ثم السواد أو الظلمة ثم الفجر ثم الشروق، وأن أهم قسم فيه هو السواد وهو المحدد للمفهوم، بدون هذا القسم يسقط المفهوم أو يتغير، وبدأت بالفعل أبحث عن تعريفه في القرآن. وجمعت كل الآيات التي ذُكر فيها لفظ الليل، وهي أكثر من سبعين آية بقليل، وجدت أن لفظ الليل بالقرآن مقرون دائماً بألفاظ تدل على التقاسيم السابقة، ومن هذه الألفاظ: آناء، سكن، جنّ، غشى، محا، لبس، غسق، غطش، عسعس، سجى، وسق، وغيرها، وهي كلها معانٍ تدل لغةً على السواد أو الظلمة والطول والتأخير، أي فيها متسع للأحداث، وللتنويه، فإن الطول أو التأخير يثبت وجود القسم المظلم من الليل، لأنه لا يكون سواد في الليل إلا إذا كان فيه طول ومتسع للأحداث، فبين الكلمتين تناسبية. فتجد أن المفردات القرآنية في وصف الليل يسند بعضها بعضاً لتثبت جميعها أن الليل لا بد أن يكون فيه ظلمة أو سواد. وتذكرت حينها أن في القرآن سورة اسمها "الليل"، وكأنني أول مرة أعرف أن في القرآن سورة اسمها الليل، وذهبت مباشرة لسورة الليل لأنها هي الأولى بتعريف الليل، بكل بساطة لأن اسمها الليل. وقرأت أولها: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى". وفتشت فوراً في المعاجم والتفاسير عن معنى "يغشى" وإذ بها تدعم بقوة ما ذهبتُ إليه، فمن معانيها التغطية، فالليل يُغطّي ويستر، ولا يكون هذا إلا بالسواد أو الظلمة، فاتضح لي تعريف الليل تماماً.
هذا الليل الذي فيه سواد سميته إذا صح التعبير "الليل الغاشي"، ولو كان هذا الليل الغاشي كائناً، فهناك كائن مخالف له سميته "النهار الجَلِيّ"، وأخذت هذا الاسم من آيات القرآن الكريم، كما في سورة الليل نفسها: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)"، وكذلك في سورة الشمس "وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)". وهذان الكائنان يعيشان ويتواجدان في نفس اليوم طول السنة، فقط في المنطقة المعتدلة أو شبه المعتدلة من الكرة الأرضية (المنطقة التي كانت فيها الرسالات)، سأبيّنها لاحقاً ويعرفها القارئ. والقول "طول السنة" مهم لأن الصلاة ورمضان هي شعائر تدور مع السنة، فأي يوم فيه خلل، ولو يوماً واحداً لا يمكن تطبيق النصوص فيه، يصبح هناك حيرة، ويعود السؤال الفكري المؤرق للوجود. ففي المنطقة النائية شمالاً أو جنوباً، هناك أيام في السنة يموت فيها أحد هذين الكائنين، فيكون هناك ليل غاشٍ بدون نهار جليّ أو يكون هناك نهار جليّ بدون ليل غاشٍ.
إذا كانت الظلمة هي عمدة الليل الغاشي وأصل تعريفه، فكيف نعرّف النهار الجليّ شرعاً؟ هذه نقطة مهمة وسأعود لها في الخاتمة.
إلى هنا ولم يكتمل التبرير بعد. فما زال هناك الحديث الشريف الذي يحدد موعد الإفطار بغروب الشمس، غروب الشمس بشكل صريح، وليس كما الآية الكريمة التي ذكرت الليل. وللحق بأني كنت أحفظ الحديث طول حياتي بهذا الشكل المجزوء: "إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم"، لا أدري لماذا ربما ناجم عن استدلال المشايخ بهذا الجزء فقط للاختصار، ولكن عندما رجعت لأبحث في صحة الحديث، فربما يكون ضعيفاً أو موضوعاً لا يُستشهد به فأرتاح، تفاجئت أن الحديث الشريف نصه هكذا: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". فانجذبت بشكل كبير لإصرار الرسول الكريم على ذكر الليل والنهار معاً في الحديث، وإلا كان اختصر لعدم الإطالة وقال فقط "إذا غربت الشمس أفطر الصائم"، ولكن الإعجاز أنه لم يفعل. وكأنّ الرسول الكريم يقول: إذا كان هناك ليل، الذي هو الليل، وكان هناك نهار، الذي هو النهار، في هذه الحالة يكون غروب الشمس علامة للإفطار. فغروب الشمس ليس شرطاً دائما للإفطار، ولكنه علامة مشروطة بوجود الليل والنهار ككائنين بنفس اليوم طول السنة، وهذا لا يتحقق في المناطق النائية حيث يكون النهار طويلاً جداً أو الليل طويلاً جداً، فغروب الشمس هو علامة للإفطار فقط بشرط وجود الليل والنهار بنفس اليوم، وإذا انتفى هذا الشرط تسقط العلامة. أصبح الآن من السهل على من يقرأ الحديث الشريف الثاني عن مواقيت الصلاة (والأحاديث المشابهة له كحديث جبريل) أن يربطه بهذه المنظومة من الفهم وفي الحديث: "وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ".
بعد هذا، كان لا بد من التفكير في متى يختفي جغرافياً السواد من الليل صيفاً، أي على أي خط عرض شمالاً، ورجعت حينها من خلال صديق لي إلى المعهد الدنماركي للأرصاد الجوية، وأخبرونا حينها بالجواب، وهو تقريباً من فوق خط عرض 49 درجة شمالاً (وسالب 49 درجة جنوباً). وأخبرونا أن هذه الليالي التي يختفي فيها السواد تسمى عرفاً بـ "الليالي المضيئة" Lyse Nætter واصطلاحاً تسمى بـ "ليالي الشفق الفلكي" Astronomisk Tusmørke وهي الليالي التي يكون الضوء ممتداً فيها طول الفترة من المغيب للشروق، وتعريفاً هي الليالي التي لا تنزل الشمس فيها عن درجة 18 تحت الأفق بعد المغيب، وهو الحد لبدء صلاة العشاء، فقبل أن يبدأ حد صلاة العشاء (أي اختفاء ضوء الشفق) تبدأ الشمس بالصعود فيكون هكذا امتد الضوء فلا تحس بطلوع الفجر إطلاقاً ويكون قد اختفت علامات صلاة العشاء والفجر.
الشكل 1 (صورة الكرة الأرضية فيه مأخوذ من الإنترنت) يحدد هذه المنطقة النائية شمالاً والتي فيها ظاهرةُ الليالي المضيئة. على الخط الأحمر يكون عدد الليالي المضيئة ليلة واحدة في السنة بضوء خفيف طول الليل، وكلما ذهبت شمالاً كلما ازداد عدد هذه الليالي المضيئة وازداد ضوؤها، فمثلاً في المدينة التي أعيش فيها هناك حوالي 100 يوم من هذه الليالي المضيئة (تبدأ من الخامس من مايو حتى الثامن من أغسطس) بضوء واضح، ويبقى يزداد عدد هذه الليالي ويزداد ضوؤها حتى تصير نهاراً كاملاً على مدى 6 شهور خلال السنة عند القطب الشمالي في الصيف. والمناطق التي تقع تحت الخط الأحمر ليلُها فيه سواد طول أيام السنة وهي المنطقة المسماة بالاعتدال أو شبه الاعتدال.
فالآية الكريمة لو كانت هكذا "أتموا الصيام إلى غروب الشمس" لكنا حقيقة وقعنا في إشكال فكري عميق، فالآية ستكون حاشا لله خطأ، فليس كل غروب يأتي بعده سواد. والحديث الشريف لو كان هكذا "إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم" لكانت نفس المعضلة. فالله ذكر الليل وذكر السواد ولم يذكر غروب الشمس، والرسول ذكر غروب الشمس كعلامة للإفطار بشرط وجود الليل والنهار، وفي حديث توقيت الصلاة ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، الليل وعلامة صلاة العشاء التي تسبق السواد بشكل واضح. ومن هنا تكشّفت خيوط الإعجاز في النصوص وانسجامها مع بعضها البعض وكيف أنها من مصدر واحد عن علم، وكيف أنها بوضوح تخاطب منطقة معينة من الأرض، وهذه النصوص "بريئة" من المناطق النائية التي يشق فيها الصيام ويُخلخل بنية المجتمع، أو تشق فيها الصلاة وتخلخل كذلك بنية المجتمع (سأرجع لهذا عند الحديث عن الوجدان).
الآن بفضل الله نستطيع تقديم هذه النصوص الدينية قطعية الثبوت (أقصد النصوص التي تحدد مواقيت الصلاة والصوم) مع هذا الفهم لرفع الحرج، لا رفع الحرج من الإرهاق في الصوم، ولكن أولاً لرفع الحرج الفكري الذي هو برأيي أعتى وأشد، ودون الحاجة إلى التبريرات المذكورة سابقاً التي ساقها علماء الدين لتبرير مشروعية القياس (مع أهميتها كتبريرات مساعدة تحدّد أُطر التعامل العام في الدين خصوصأ حديث "اقدروا له قدره"). فالأخوة الذين يصرّون على تفسير الآية الكريمة "أتموا الصيام إلى الليل" على أنها تعني حرفياً غروب الشمس أخاف أن يكونوا ظلموا الدين ظلماً كبيراً بطرحهم هذا، أو إذا سردوا حديث الرسول مجتزءاً بمعنى "إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم" فأخاف كذلك أن يكونوا ظلموا الدين ظلماً كبيراً من حيث لا يدرون. فبما سلف أصبحت الآية الكريمة والحديثان الآن هي نصوص ضد اتخاذ الشمس علامة ثابتة.
أعود للوجدان، الوجدان المتجذّر فينا بأن غروب الشمس هو علامة لصلاة المغرب أو للإفطار، لأن التلاعب بالوجدان كان عاملاً ريئساً لتجييش عامة الناس ضد رأي لصالح رأي. ولكن كيف يمكن لي أن أخترق هذا الوجدان؟ عندما أتيت إلى هذه البلاد في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، قادماً من الشرق الأوسط، وأنا شاب صغير، لاحظت في أول سنة لي ظاهرة كانت مضحكة بالنسبة لي، وهي أن الناس هنا في الصيف يذهبون للنوم قبل أن تغيب الشمس، فهذا شيء مستغرب لأناس مثلنا ومستهجن فليس موجوداً بمخزون الوجدان. وشاءت الأقدار أن تمضي السنين وأستخدم هذه الظاهرة في بحث ديني. فالوجدان القائم هنا في هذه البلاد غير ذلك الذي عندنا. فماذا يعني أن يذهبوا للنوم قبل أن تغيب الشمس؟ يعني بكل البساطة أنهم لو كانوا مسلمين أنهم صلوا المغرب والعشاء وأفطروا إن كانوا صائمين والآن أتى موعد النوم. كيف سأقنع هؤلاء الناس إن كانوا مسلمين أن يبقوا صاحين حتى الساعة الـ 12 بعد الغروب لصلاة العشاء أو تخيّل حتى الساعة الواحدة بعد الغروب لصلاة التراويح. إذاً هناك وجدان قائم للتعامل مع هذه البيئة عند أصحاب هذه الأرض متجذر فيهم، ما علينا إلا أن نسير عليه وسيصير هو الوجدان بخصوص مواقيت الصلاة والصيام للمسلمين في هذه البلاد، فإذاً هناك وجدان قائم يتعامل مع الشمس.
عليه، في هذه المناطق التي لا يمكن تطبيق النصوص الدينية فيها (والنصوص لا تخاطبها) وضع نظام توقيتي للصلاة والصيام يخص هذه المنطقة، يمكن أن يكون مثلاً القياس على مكة المكرمة أو القياس على آخر نقطة في الأرض فيها سواد في الليل طول السنة، أقصد خط 49 عرضاً، ويُعمل بهذا النظام طوال السنة دون النظر إلى موقع الشمس في السماء البتة، وسوف يتكوّن مع السنين وجدان بين المسلمين المقيمين هناك عبر الأجيال، غير ذلك الوجدان الموجود في المناطق المعتدلة، وهذا تنوع وإثراء يُحسب للدين الإسلامي الحنيف وعالميته. لماذا أقول طوال السنة، لأنه يقابل طول النهار بالصيف، ذاك الطول المفرط، طول في ليل خلال فصل الشتاء، كذلك طول مفرط لا يبقى فيه للنهار قيمة عملية (تزداد وتنقص حسب خط العرض)، فيختفي معه النهار الجليّ. وهذه من الأمور القابعة في الوجدان هنا، أننا في الشتاء نذهب للعمل بالظلام ونعود بالظلام للبيت خلال فصل الشتاء، وفي الصيف بالطبع نذهب والشمس طالعة ونعود مهما تأخرنا والشمس طالعة.
التبرير بسؤال رياضي
إضافةً إلى ما مر، لقد ألهمني الله إلى طرح سؤال بسيط وصلت من خلاله إلى تبرير القياس بطريق يسير وسهل. ولكن قبل طرح السؤال لا بد من توضيح جغرافي. داخل المنطقة النائية في الشمال هناك منطقة حدها من خط عرض 66 ونصف درجة تقريباً، من بداية هذه المنطقة، والمسماة بالدائرة القطبية The Arctic Circle، تبدأ ظاهرة عدم غروب الشمس خلال اليوم في الصيف، أو عدم شروق الشمس في الشتاء خلال اليوم، انظر الشكل 2 (صورة الكرة الأرضية فيه مأخوذ من الإنترنت)، محددة بالخط الأصفر. وهذه المنطقة الجغرافية من الأرض فيها سكان، ليست فارغة، فهناك أناس يعيشون هذه الظواهر الطبيعية الغريبة. طبعاً في هذه المنطقة النائية جداً يتفق جميع الفقهاء على أن القياس واجب، لأن الشمس لا تغيب، أو لا تشرق. مع الإجماع على رخصة القياس داخل الدائرة القطبية وُلد السؤال التالي: إذا كنا موجودين في تلك المنطقة التي لا تغيب فيها الشمس صيفاً (أو لا تشرق شتاءً) ونزلنا في الكرة الأرضية إلى الجنوب فإلى أي حد تنتهي هذه الرخصة؟ أي ونحن نتحرك جنوباً متى نستطيع القول أنه على خط العرض كذا تنتهي الرخصة؟ السهم الأزرق في شكل 2 يوضح السؤال.
السؤال له أهميته لسببين، السبب الأول هو أن حركة الشمس حركة مستمرة أو متواصلة Continuous، فأقصد بالاستمرارية المصطلح الرياضي، أي حركة ليست متقطعة أو منفصلة، فالشمس لا تظهر في منطقة ثم تختفي وتظهر فجأة في منطقة أخرى، كلا، ليست هكذا خلقها الله، لذلك طول النهار أو طول الليل يتغير مع الوقت بالتدريج المتواصل المستمر، قليلاً قليلا. والسبب الثاني هو البحث عن الحد Limit، والحد هو كذلك مصطلح رياضي. فالذي لا يفطن لأهمية السؤال من المتصدرين للحديث عن الموضوع أخاف أن يكون قد ظلم نفسه. فما هو هذا الحد الذي تنتهي عنده هذه الرخصة ونحن نتحرك جنوباً والذي يأخذ بعين الاعتبار النصوص؟ لا أريد أن أطيل وسأجيب بسؤال: هل يمكن أن يكون هذا الحد قبل الخط الأحمر؟ أترك الإجابة للقارئ الكريم.
الخاتمة
يرتكز الكلام السابق على فكرة أن النصوص الدينية المحددة للمواقيت بشكل معجز متناغمة مع بعضها وتخاطب المنطقة من الأرض التي يكون فيها ليل فيه سواد ونهار جليّ طول أيام السنة وهذه هي المناطق التي تُطبّق فيها النصوص. والمنطقة المحددة بالخط الأحمر التي فيها الليالي المضيئة هي منطقة لا تخاطبها النصوص وغير معنية بها، ولذلك القياس فيها جائز وموقع الشمس في السماء لا معنى له، ولكن هذه المنطقة التي فيها الليالي المضيئة هل هي الوحيدة غير المعنية بالنصوص أم علينا التحرك للجنوب أكثر من الخط الأحمر لتنتهي الرخصة؟ فقد ترك لي هذا البحث موضوعاً شيقاً للبحث هو الإجابة على السؤال عن إيجاد الحد الذي تنتهي عنده الرخصة ونحن نتحرك جنوباً.
الجواب ربما يتعلق بإيضاح معنى النهار الجليّ شرعاً. فكما هناك ليالٍ مضيئة (أي ليالٍ تختفي فيها علامة العشاء والفجر) يقابلها هناك نهارات غير جلية. ففي المناطق النائية تشرق الشمس في الأفق وتبقى في الأفق وتغيب وهي بالقرب من الأفق، تسير على قوس دائري صغير، أي لا ترتفع في السماء الارتفاع الكافي بحيث تصبح الشمس جلية، فهي تبقى في وضع شمس عند المغيب أو وضع شمس الأصيل. هذه النهارات بالتأكيد ليست جلية. ومن هنا يتم طرح ذات السؤال المهم السابق: إلى أي حد سنتحرك جنوباً لنستطيع إيجاد خط العرض الذي تحته يكون هناك نهار جلي طول السنة؟ وما هي المحددات لهذا النهارات؟ هل هناك محددات طبيعية أخرى مخلوقة في الطبيعة مثل خط الليالي المضيئة أو مثل خط الدائرة القطبية؟ أو محدد آخر تماماً ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث ألا وهو لون الشمس، ولم يذكره اعتباطاً حاشاه، بقوله "حتى تصفر الشمس"، فعلى هذا المحدد كتفكير أوّلي يمكن مثلاً اعتبار النهار الجلي هو النهار الذي تمر فيه الشمس بألوانها كلها وهي تتحرك في السماء. أسأل الله أن أجد حلاً لهذا الإشكال لاحقاً، ولكن هدف هذه الورقة كان هو تحديد المنطقة الحمراء وجواز القياس فيها وأن النصوص لا تخاطبها ولا تُطبّق فيها.
من عظمة الدين الإسلامي أنه ليس فقط صالح للتطبيق في كل زمان ومكان، ولكن كذلك لأنه يترك أموراً للاجتهاد تتكشف مع الزمن كامنة في نصوصه المعجزة، ولا تنتهي، ليبقى هناك دائماً حراك علمي وثقافي داخل المجتمع، حتى داخل الرأي الواحد، فرغم تحديد المنطقة التي يمكن القياس فيها، فسيبقى هناك مسألة خلافية وهي كيفية القياس، أي على أي مدينة نقيس، وهكذا. فأرجو أن يستمر هذا الاجتهاد في الدين الذي يخاطب العصر الذي نعيشه حتى يرتقي التفكير الديني لمستوى عظمة الإسلام ونصوصه المعجزة.
أرسلت حينها صيف عام 2010 محتوى هذا البحث بشكل مختصر إلى كثير من المراكز الدينية في أوروبا والشرق والأوسط ولمشايخ بعينهم، ولاحظت من حينها والحمد لله أن مصطلح "الليالي المضيئة" ومصطلح "انعدام تطبيق النصوص" بدأ بالانتشار. ليس المقصود من هذا البحث هو التبرير لفتوى القياس بخصوص الصيام فقط، بل الذي يجب أن يكون في البال هو الصلاة، لأن الصلاة عندنا كمسلمين هي الأهم، أولاً من حيث الدين فهي الركن الثاني، وثانياً من حيث القيادة، لأن أوقات الصيام تابعة لأوقات الصلاة، فالصيام يبدأ مع أذان صلاة الفجر وينتهي مع أذان صلاة المغرب. فإذا حدّدنا نظاماً لأوقات الصلاة يكون وقت الصيام تحدد تلقائياً. فالحديث موجّه بالدرجة الأولى للتبرير لإيجاد نظام لأوقات الصلاة غير تابع لموقع الشمس في السماء.
ولكن الحراك النقاشي الذي ذكرته في البداية الذي يحتدم مع قرب قدوم رمضان، كان هذا النقاش يخص الصوم ويتغافل عن الصلاة تماماً، ذلك لأن الناس يحسون بالحرج والمشقة في الصوم فتبدأ الشكوى للبحث عن فتوى لرفع الحرج، وهم معذورون. وهذا تفكير خاطئ في فهم الناس للدين، ويزعج حقيقةً كل مَن هو حريص على الدين وتعاليمه وتصوره وعالميته، فكان الأولى أن ينصب الحديث دائماً وأبداً على الصلاة ومواقيتها، وفي اللحظة التي نجد فيها حلاً للصلاة سيُحل وضع الصيام تلقائياً. فلقد بلغ التهاون بمواقيت الصلوات مبلغاً كبيراً، فكل جماعة مهما صغرت تفتي بالمواقيت كما تشاء في تلك البلاد النائية، وبغض النظر قاسوا في رمضان أم لم يقيسوا، وما أكثر الجماعات، فهذا الذي يجمع الظهر مع العصر بأوقات معينة ولا يجمعها بأخرى، وذلك الذي يجمع المغرب مع العشاء حسب الراحة، وذلك الذي يقدم وقت صلاة الفجر كثيراً، وذلك الذي يؤخرها كثيراً، ويحدث الشيء نفسه مع صلاة الظهر والعصر والمغرب في الشتاء، وتتغيير التواقيت حسب المزاج أحياناً، وبشكل عشوائي لا يخضع لمنطق معيّن، كأن الفوضى هي النظام، فقد بلغت الأمور في مواقيت الصلاة مبلغاً محزناً ومضحكاً معاً للأسف. وليس هناك جهد واضح المعالم لوضع نظام موحّد للصلاة، هذا على الأقل في البلد الذي أعيش فيه. انظر للسيرة النبوية العطرة (على صاحبها الصلاة والسلام) كيف سرعان ما وُضع نظام للصلاة مُوحَّد ليكون إطاراً لحركة الفرد والمجتمع.
مدينة ڤايلي، الدانمرك
صيف عام 2010 ميلادي
بعض الروابط المفيدة
- فيديو الشيخ المغامسي
- فيديو الشيخ الطريفي
- فيديو الشيخ بسام جرار
- فيديو فتوى دار الإفتاء المصرية
- رسالة الشيخ جاد الحق
- الشيخ مصطفى الزرقا
- فتاوى متفرقة
الملف بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة
البريد الالكتروني للكاتب: alimoussa67@gmail.com