تطوق المحيطات في الكرة الأرضية وتحتل مياهها حوالي 71% من مساحة سطحها تقريباً، وتحتوي المحيطات على 97% من مياه الأرض، وبحسب العلماء فلم يتم استكشاف سوى 5% فقط من تلك المحيطات. وتشكل محيطات العالم جزءاً لا يتجزأ من جميع أشكال الحياة المعروفة، حيث تعتبر الموئل لحوالي 230 ألف نوع من الكائنات المعروفة، ولكنها مازالت تخفي العديد من الأسرار المجهولة في أعماقها لأن معظم أعماقها لم يتم استكشافها بعد.
مؤخراً، أعلن العلماء في دراسة نُشرت تفاصيلها في دورية "سيل" يوم الخميس 25 إبريل/نيسان 2019 اكتشاف حوالي 200 ألف فيروس جديد تحت الماء خلال رحلة استكشافية من القطب إلى القطب تم تنفيذها لمسح الحياة البحرية بالمحيطات. يقول الباحثون أن الغالبية العظمى من الفيروسات المكتشفة والتي يصل عددها إلى 195,728 فيروساً لم يسبق لهم رؤيتها من قبل.
مهمة حقاً
قبل هذا الكشف الأخير، كنا نعرف بشكل قاطع حوالي 15 ألفاً فقط من فيروسات المحيطات هذه – لذلك تمثل هذه الدراسة قدراً هائلا من فهمنا لكوكبنا الأرضي. ويقول الباحثون إن النتائج يمكن أن تعلمنا المزيد عن كل شيء من تطور الحياة على الكوكب إلى العواقب المحتملة لتغير المناخ. يعتمد البحث على عينات تم جمعها بين عامي 2009 و2013 من قِبل طاقم على متن سفينة تارا، وقد أمضت هذه السفينة البحثية أكثر من عقد من الزمان على سطح المياه لدراسة علم المحيطات، والدلائل التي يمكن أن يوفرها لمعرفة كيف يتطور عالمنا.
يقول ماثيو سوليفان وهو أحد المتخصصين في علم الأحياء المجهرية من جامعة ولاية أوهايو "الفيروسات هي هذه الأشياء الصغيرة التي لا يمكنك رؤيتها، ولكن لأنها موجودة بأعداد هائلة،، فإنها مهمة حقاً. وأضاف "لقد طورنا خريطة توزيع أساسية لأي شخص يرغب في دراسة كيف تتلاعب الفيروسات بالنظام البيئي. كانت هناك أشياء كثيرة أدهشتنا حول النتائج التي توصلنا اليها". على الرغم من العدد الكبير من الفيروسات المكتشفة، والتعقيد الشاسع لمناطق المحيطات في العالم، تمكن فريق الباحثين من تقسيم الفيروسات إلى خمس مناطق بيئية متميزة – جميع أعماق القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية، القطب الجنوبي، وثلاثة أعماق مميزة من المناطق المعتدلة والمناطق الاستوائية.
في الواقع، تبين أن المحيط المتجمد الشمالي – حيث لم يكن الباحثون يتوقعون أنه أكبر المناطق في التنوع الحيوي – هو نقطة ساخنة غير متوقعة للحياة. كل هذا يضيف إلى فهمنا لكيفية انتقال الفيروسات في جميع أنحاء الكوكب. ويقول الباحثون في ورقتهم البحثية "تقود الميكروبات معظم النظم الإيكولوجية ويتم تعديلها عن طريق الفيروسات التي تؤثر على أعمارها، وتدفق الجينات، ونواتج التمثيل الغذائي. ولقد تجاهلت النماذج البيئية السابقة للمحيطات الميكروبات بشكل شائع، ونادراً ما شملت الفيروسات، ولكننا نعرف الآن أنها عنصر حيوي يجب تضمينه." بيد أنه لا يزال من الصعب تقييم آثار تنوع المجتمعات الفيروسية على مستوى النظام الإيكولوجي بسبب مشكلات التصنيف وقلة الجينومات المرجعية. ولهذا أسس الباحثون قاعدة بيانات عالمية من الأحماض النووية لفيرومات الفيروسات تتألف من 12 ضعف المجموعة الفيروسية المعروفة حالياً.
بحث شمولي
يُقدّر العلماء أن هناك عشرات الملايين من الفيروسات في المحيط، قد يوجد الكثير منها خارج الماء، وحتى في أجسامنا. والقدرة على تحديد المزيد منها يمكن أن تعلمنا المزيد عن الحياة نفسها، وليس عن الحياة تحت الماء فقط. لأغراض هذه الدراسة، بالإضافة إلى اكتشاف فيروسات جديدة موجودة في عينات من أعماق تصل إلى 4000 متر، حدد الباحثون أيضاً سلالات جديدة من الميكروبات الأخرى والكائنات الحية التي اتخذت من المحيطات موطناً لها. كما أن شمولية البحث الجديد أمر مهم لأنها تساعد العلماء على حساب توازن الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بشكل أكثر دقة – حيث تساعد الكائنات البحرية على إعادة تدوير الأكسجين، بينما تمتص المحيطات وتخزن الكثير من ثاني أكسيد الكربون أيضاً.
إن المزيد من الحياة تحت سطح الماء يعني المزيد من ثاني أكسيد الكربون الذي يتم تحويله إلى كربون عضوي وكتل حيوية، ويتم تخزينهما في أعماق البحر – بدلاً من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يزيد من حامضية المحيطات، ويتسبب في قتل الحياة البحرية على طول الطريق. إنها مجموعة دقيقة ومعقدة من الآليات. ويقول سوليفان: "إن وجود خريطة جديدة لمكان وجود هذه الفيروسات يمكن أن يساعدنا على فهم "مضخة " كربون المحيط هذه، وعلى نطاق أوسع، الكيمياء الجيولوجية الحيوية التي تؤثر على الكوكب".
المصادر
البريد الالكتروني للكاتب: tarekkapiel@hotmail.com – tkapiel@sci.cu.edu.eg