أظهرت نتائج دراسة علمية حديثة أن طبقات المياه الجوفية الرئيسية في الوطن العربي يمكن أن تُستنفد بشكل كبير في المستقبل بسبب الأنشطة البشرية إذا تواصل استنزافها بنفس الوتيرة الحالية. وستواجه نتيجة لذلك العديد من دول المنطقة عجزاً متزايداً في توفير المياه. وقد نشرت هذه الدراسة في دورية Global Environmental Change في شهر نوفمبر 2018.
وقال الباحثون إن الجزء القابل للاستغلال من طبقات المياه الجوفية الرئيسية في شبه الجزيرة العربية قد تُستنفذ بالكامل خلال الستين سنة القادمة أما تلك الموجودة في شمال أفريقيا فقد تستنفد خلال القرنين القادمين. وبينت نتائج الدراسة أن العجز المائي وارتفاع معدلات استنزاف طبقات المياه الجوفية في المنطقة يرجع إلى أسباب بشرية وليس إلى العوامل المناخية. وتوقعت الدراسة زيادة كبيرة في العجز المسجل في نصيب الفرد الواحد من المياه في بعض الدول العربية كمصر واليمن وليبيا. وشارك في إنجاز هذه الدراسة العالم المصري عصام حجي وباحثون من معهد البحوث حول الطاقة والمحيط في قطر ومن جامعة تورينو الإيطالية.
ولإنجاز هذه الدراسة طور الباحثون نموذجاً لتقدير كميات المياه وقياس العجز فيها وإعطاء توقعات حول استنزاف طبقات الرئيسية للمياه الجوفية الأحفورية العذبة القابلة للاستغلال في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية في ظل سيناريوهات مناخية واجتماعية واقتصادية مختلفة SSP بين عامي 2016 و2050.
وتشير نتائج الدراسة إلى أنه في ظل السيناريو الاجتماعي والاقتصادي للتغيرات المناخية الأكثر واقعية (SSP2-AVG)، ستشهد مصر وليبيا خلال العقود القادمة عجزاً حاداً في المياه بنسبة 45 % و90% على التوالي، من كميات المياه الحالية في عام 2050 بسبب زيادة حجم السكان والتنمية الزراعية. بينما قد تواجه الجزائر وتونس عجزاً أقل حدة يبدأ بحلول عام 2045. أما بالنسبة لشبه الجزيرة العربية، فمن المتوقع أن تواجه جميع البلدان عجزاً في المياه يتراوح من 20 % إلى ما يقرب من 190% للمملكة العربية السعودية. وتعاني البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات من نقص في المياه أو ستبدأ في مواجهة عجز في المياه بين عامي 2020 و2025، تتراوح قيمته بين 0.56 و 1.88 مليار متر مكعب في السنة.
ويرى الباحثون أنه في ظل هذا العجز الفادح والناتج عن الاستغلال البشري المفرط يمكن أن تصل غالبية طبقات المياه الجوفية الأحفورية الصغيرة والمتوسطة الحجم القابلة للاستغلال في شبه الجزيرة العربية إلى النضوب الكامل بحلول عام 2050. ويمكن أن تصل هذه الموارد إلى النضوب الكلي في غضون مدة تتراوح بين 60 و90 سنة القادمة. وخلال نفس الفترة الزمنية ستكون طبقات المياه الجوفية الأحفورية في شمال إفريقيا قد خسرت كمية قد تصل إلى 15% من حجم المياه العذبة القابلة للاستغلال. ومع زيادة معدلات الاستخراج توقع مؤلفو الدراسة أن تصل هذه الطبقات إلى النضوب التام خلال مدة تتراوح بين 200 و350 سنة. وأرجع الباحثون السبب الرئيسي للعجز المائي واستنزاف المياه الجوفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى العوامل البشرية وليس إلى العوامل المناخية.
وخلصت الدراسة إلى أن العجز المتوقع واستنزاف المياه الجوفية (أي الإجهاد المائي) قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج الغذائي محلياً، وهو ما قد ينجر عنه زيادة في أسعار المواد الغذائية المحلية اعتماداً على الأسواق الأجنبية. وهي عوامل إضافية لعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلدان منخفضة الدخل التي لا تستطيع التخفيف من تقلبات الأسعار في الأسواق. في المقابل، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بالإمكانات الاقتصادية لمواجهة هذه الزيادات في أسعار المواد الغذائية، على الرغم أن الآثار ستؤثر بشكل متفاوت على الأسر ذات مستويات الدخل المختلفة.
المرجع
– Forecasting water budget deficits and groundwater depletion in the main fossil aquifer systems in North Africa and the Arabian Peninsula
– https://apps.geodan.nl/igrac/ggis-viewer/viewer/tbamap/public/default
(مصدر صورة الخريطة في المقال)
البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين وليست، بالضرورة، آراء منظمة المجتمع العلمي العربي
يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة