مقدمة
المياه الرمادية هي المياه المجمّعة من الاستعمالات المنزلية باستثناء تلك الناشئة عن المراحيض، حيث تسمى المياه السوداء [1]. إنَّ متوسط إنتاج المياه الرمادية لكل فرد يختلف من بلد إلى آخر؛ حيث تتراوح النسبة من 90 إلى 150 ليتر في اليوم الواحد، وذلك وفقاً للعمر والجنس ولمستويات المعيشة والعادات ونمط الحياة ودرجة وفرة المياه.
إنَ المناخ أيضاً يؤثر على إنتاج المياه الرمادية، فعلى سبيل المثال في بلدٍ حار مثل سلطنة عُمان، حيثُ يبلغ معدل إنتاج المياه الرمادية حوالي 150 ليتر للشخص في اليوم، وهو ما يعادل 82٪ من إجمالي استهلاك المياه العذبة، 56٪ منها من الاستحمام، 30٪ من المطبخ، 8٪ من غسيل الملابس و6٪ استهلاكات أخرى كالشطف مثلاً [2].
إعادة استعمال المياه الرمادية
بسبب الافتقار إلى المياه العذبة، طوّرت بعض البلدان ممارسات مختلفة لإعادة استخدام المياه الرمادية. فعلى سبيل المثال، إعادة استخدام المياه الرمادية في مدينة لوس أنجلوس يوفر من 12% إلى 65% من المياه العذبة المستخدمة للري [3]. أبحاث أخرى وجدت أنَّ استخدام المياه الرمادية لشطف المرحاض قد يوفر ما بين 29 و35 % من المياه المستهلكة للشرب [4-5]. كما ويمكن مزج المياه الرمادية المعالجة مع مياه الأمطار المجمّعة لزيادة إمكانيات الاستعمال.
إن التفكير بإعادة استعمال المياه الرمادية يتطلب أربعة أنواع من الدعم:
أولاَ: الدعم الحكومي عبر التشريعات والمراقبة.
ثانياً: الدعم المحلي (سكان المنطقة المعنية) وذلك عبر تحري رأي العامة واشراكهم في التخطيط والاعداد للمشروع من بدايته مما يعزز احتمالية نجاحه وسهولة إنجازه.
ثالثاً: الدعم الهندسي من أجل دراسة الطريقة المثلى لمعالجة المياه اقتصاديا وبيئياً.
رابعاٌ: الدعم المادي والذي قد يكون من الحكومة أو من بعض المانحين أو من جمعيات أخرى.
حالة دراسية
هذه الدراسة تمت في مدينة السويداء في الجنوب السوري قبل اندلاع الصراع المسلح أواخر عام 2011 [6] ولكن نظراُ لتدهور الأوضاع أمنياَ لم نتلقَ الدعم اللازم لتنفيذ مشروع تجريبي. في هذا البحث تم إجراء مسح ميداني للتحقق من القبول الاجتماعي لإعادة استعمال المياه الرمادية في مدينة السويداء ولمعرفة المعايير التالية عبر مقابلات شخصية: مكان المعيشة ومساحة الأرض المتوفرة وعدد أفراد العائلة واستعمالات المياه الشخصية وفواتير المياه.
معالجة المياه الرمادية
تم دراسة طريقتين لمعالجة المياه الرمادية:
1- طريقة الأراضي الرطبة الاصطناعية:
هذه الطريقة مناسبة للمباني والمنازل المنفصلة التي تملك أراضي متاحة حولها حيث تبلغ المساحة المطلوبة حوالي 0.8 متر مربع للشخص الواحد. تعتمد هذه الطريقة على النباتات حيث تقوم جذور النباتات بامتصاص الملوثات والمواد العضوية. يتم بعد ذلك تجميع المياه وتعقيمها لتستعمل لشطف المراحيض الشكل 1.
2- طريقة المرشح البيولوجي:
المرشح البيولوجي هو منتج تجاري يباع ككتلة واحدة. العديد من الشركات العالمية تنتج مثل هذه الأنظمة التي تعالج المياه الرمادية في أربع خطوات: الترسيب، الترشيح، الامتزاز، والتعقيم عبر الأشعة فوق البنفسجية أو بالمواد الكيميائية. هذه الأنظمة لا تحتاج إلى أي تدخل من المالك وتعطي مياه ذات جودة مقبولة للاستعمالات المنزلية.
كلتا الطريقتين تعطي مياه آمنة للاستعمال المنزلي ولكن ليس للشرب أو الاستحمام. وقد تمت دراسة الجدوى الاقتصادية لها، حيث أوضحت الدراسة بأنَّ النظام الفردي الذي يخدم منزل واحد غير مجدٍ اقتصادياً لذا وجب إنشاء أنظمة جماعية لأكثر من شقة سكنية حسب ما هو موضح بالشكل 2، حيث يتم تجميع المياه الرمادية في خارج المبنى ليتم معالجتها وضخها إلى خزان علوي ليتم توزيعها لشقق المبنى لشطف المراحيض. أوضحت الدراسة أن متوسط إنتاج المياه الرمادية في منطقة حضرية سورية نموذجية كان حوالي 46% من إجمالي استهلاك المياه. أي أنَّ نصف الاستهلاك المحلي للمياه يتحول إلى مياه رمادية. وبالتالي، تمثل هذه الكمية مورداً كبيراً إذا تمت إعادة استخدامها بأمان. ومن ناحية أخرى، استهلكت عملية شطف المراحيض حوالي 35% من استهلاك المياه المنزلي.
علاوة على ذلك، تبين أن 83% من الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات أيدوا استعمال المياه الرمادية المعالجة. كما أظهرت الدراسة أنَّ أكثر من 10% من المنازل تستخدم المياه الرمادية غير المعالجة في الري وتنظيف المنزل. لذلك ، فإن زيادة الوعي العام حول إعادة استعمال المياه الرمادية مسألة حيوية يجب أن تؤخذ في الاعتبار في مختلف المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
الخاتمة
ليس فقط مدينة السويداء بل معظم المناطق الحضرية في الشرق الأوسط تعاني من نقص المياه. ولذلك، ينبغي اقتراح سياسة مائية جديدة على وجه السرعة للتغلب على هذه المشكلة. وتعد إعادة استعمال المياه الرمادية إحدى أفضل البدائل التي ينبغي أن يوصي بها متخذي القرار. ومن المفضل القيام بتمويل بعض المشاريع التجريبية للتأكد من الجدوى وتعميم النتائج على المناطق الحضرية في الوطن العربي.
المراجع
- Eriksson, E., Auffarth, K., Henze, M., Ledin, A., 2002. Characteristics of grey waste-water. Urban Water 4 (1), 85-104.
- Jamrah, A., Al-Futaisi, A., Prathapar, S., Al Harrasi, A., 2008. Evaluating greywater reuse potential for sustainable water resources management in Oman. Environ Monit Assess. 137, 315–327.
- Sheikh, B., 1993. The city of Los Angeles grey water pilot project shows safe use of grey water is possible. In: Water Management in the 90s: a Time for Innovation. American Society of Civil Engineers, New York, NY, p. 681.
- Ghisi, E., Ferreira, D.F., 2007. Potential for potable water savings by using rainwater and greywater in a multi-storey residential building in southern Brazil. Build. Environ. 42, 2512–2522.
- Mourad, K.A. 2012. Marginal and Virtual Water for Sustainable Water Resources Management in Syria. Academic thesis submitted in partial fulfilment of the requirements for the degree of Doctor of Philosophy (Ph.D. Engineering, Lund University).
- Mourad, K.A., Berndtsson, J.C. and Berndtsson, R., 2011. Potential fresh water saving using greywater in toilet flushing in Syria. Journal of Environmental Management, 92(10), pp. 2447-2453.
البريد الالكتروني للكاتب: mourad.khaldoon@cme.lu.se