مقدمة
تأسست الجمعية الطبية المصرية في 16 كانون الثاني 1920، حيث تولّت تنظيم اجتماعاتها السنوية في عطلات عيد الأضحى في مختلف المدن المصرية أو إحدى العواصم العربية.
وكان أول اجتماع سنوي لها عام 1928 في مدينة القاهرة. في عام 1931 عقدت اجتماعها في مدينة بيروت، ومن بعدها في مدينة القدس عام 1933، ثم قامت بعقد اجتماعها السنوي في دمشق عام 1935. وأما في العراق، فقد تأسست في تاريخ 14 آب 1920 تحت اسم "الجمعيه الطبية البغدادية"، وكان أعضاؤها خليط من الأطباء العراقيين والعرب والأجانب من البريطانين. لقد كان من ثمرة جهود الجمعية، إصدار المجلة الطبية عام 1925، و تأسيس الكلية الطبية العراقية عام 1927، و إنشاء المكتبة الطبية. وبعد مضي عدة أعوام من تأسيسها تزايد عدد الأطباء العراقيين حيث تحوّل اسمها إلى "الجمعية الطبية العراقية"عام 1935. وفي عام 1937/1938 جرت الانتخابات السنوية، وفازت بها اللجنة الإدراية برئاسة الدكتور شوكت الزهاوي وسكرتارية الأطباء صبيح الوهبي وعبد الجبار الريزه لي بالتناوب.
الدعوة والتحضيرات
في تلك المرحلة فاتحت الجمعية الطبية المصرية، الهيئة الادارية للجمعية الطبية العراقية عن رغبتها في عقد مؤتمرها السنوي العاشر في مدينة بغداد في فترة عيد الاضحى المبارك 9-13 شباط 1938، حيث رحبت الجمعية العراقية بالاقتراح و عقد الاجتماع، لاسيّما أنّ أعضائها من المشاركين في المؤتمرات الطبية الدولية، و كانت غاية أمانيهم عقد مؤتمرات طبية عربية. وبعد الموافقة الأولية، تشكّلت اللجنة التحضيرية للمؤتمر، و تقديم رئيس الجمعية الطبية العراقية الدكتور شوكت الزهاوي طلباً إلى مدير الصحة العام الدكتور سامي شوكت، راجياً منه المساعدة في هذا الموضوع، حيث أشاد الأخير بدوره في عقد المؤتمر الطبي العربي، و كان مما قاله مرحّباً بهذه المناسبة: العيد عيدان عيد الأضحى و عيد العروبة.
وقد أدرك كافة المسؤولين آنذاك أهمية المؤتمر في تاريخ العراق الحديث و إنعقاده لأول مرة بهذا الحجم والعدد في مدينة بغداد، حيث تقرر حشد كل الجهود و الطاقات وإبداء التعاون بين الجمعيه و مديرية الصحة العامة وعمادة الكلية الطبية وكوادر المستشفى الملكي وموظفيها، وذلك في سبيل إنجاح المؤتمر و تحقيق أهدافه المنشوده. وفي إحدى جلسات اللجنة التحضيرية، إقترُح تبديل اسم الإجتماع إلى المؤتمر الطبي العربي، وتمت مفاتحة الجمعية الطبية المصرية التي أعلنت موافقتها على ذلك بشرط الإحتفاظ بتسلسل المؤتمرات الطبية المصرية، حيث تحولت التسمية الجديدة إلى " المؤتمر الطبي العربي الأول والعاشر للجمعية الطبية المصرية ".
اللجنة التحضيرية
وقد ضمّت اللجنة التحضيرية للمؤتمر كلاً من السادة الأطباء شوكت الزهاوي رئيس الجمعية الطبية العراقية، والدكتور صائب شوكت عميد الكلية الطبية ومدير المستشفى الملكي، الدكتور سامي شوكت مدير الصحه العام والدكتور ابراهيم عاكف الآلوسي من مديرية الصحة العامة، بالاضافة الى الكوادر الناشطة و التي تتمثل بالأطباء صبيح الوهبي وعبد الهادي الباججي وحنا خياط وعبد الجبار الريزه لي وادور بصمه جي و فتح الله عقراوي و عبد المجيد القصاب. كما انضّم تحت لواء اللجنة، عدد من الأطباء الشباب كان منهم الدكتور عبد الرحمن الجوربجي وكمال السامرائي وعلي البير واسماعيل ناجي وحسن الحسني وغيرهم كثيرون.
رؤساء الوفود العربية
لقد بلغ عدد المشاركين في المؤتمر أربعمائة طبيب عربي نصفهم من دولة مصر والنصف الآخر من فلسطين وسوريا و لبنان والعراق. وقد تولى رئاسة الوفد المصري الأستاذ الجراح علي براهيم باشا عميد كلية طب القاهرة ومرافقة الدكتور محمد صبحي بك أستاذ أمراض العيون والأستاذ عبد الواحد الوكيل والاستاذ العشماوي. كذلك مشاركة ثلاثه من الأدباء غير الأطباء، وهم الشاعر المصري الكبير علي الجارم أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة، ووكيل وزارة المعارف المصرية ومندوب المجمع اللغوي المصري، وذلك لمناقشة إحدى المواضيع الرئيسية في المؤتمر وهي (توحيد المصطلحات الطبية في اللغة العربية). وأما رؤساء الوفود العربية بالإضافة إلى الوفد المصري، فقد كان الدكتور إلياس الخوري أمين سر الجمعية الطبية اللبنانية، والدكتور فؤاد غصن مندوب الجمعية الطبية اللبنانية، والدكتور شوقي ممثلاً عن الجمعية الطبية السورية، والدكتور جمال الدين نصّار عميد كلية طب الأسنان بالجامعة السورية وأسعد بك الحكيم والدكتور رشدي التميمي مندوب الجمعية الطبية الفلسطينية.
حفلة الافتتاح
وقد جرت حفلة الافتتاح صباح أول يوم عيد الأضحى المبارك الموافق 9 شباط 1938، باللباس الرسمي في قاعة بهو أمانة العاصمة الشتوية الكبرى برئاسة الدكتور علي ابراهيم باشا رئيس الجمعية الطبية المصرية والتي ألقى فيها الكلمة الأولى، تلتها كلمة ترحيبية من رئيس الجمعية الطبية العراقية الدكتور شوكت الزهاوي.
الشعر يخلد أحداث المؤتمر
ثم انبرى الشاعر المصري الكبير علي الجارم بإلقاء قصيدته الخالدة في تراث وتاريخ بغداد من ثمانين بيتاً، كانت هذه الأبيات في مطلعها:
بغداد يا بلد الرشيد ومنارة المجد التليد
يا بسمة لممّا تزل زهراء في ثغر الخلود
يا موطن الحب المقيم ومضرب المثل الشرود
يا سطر مجد للعروبة خُطَّ في لوح الوجود
يا راية الإسلام والإسلام خفّاق البنود
يا مغرب الأمل القديم ومشرق الأمل الجديد
يا بنت دجلة قد ظمئت لرشف مبسمك البرود
وقد شارك عدد من الأطباء العرب في إلقاء بحوثهم، والتي شملت كافة الاختصاصات الطبية، ولكنّ من أهم البحوث المتميزة التي قُدمت من العراق هو بحث (الحمى المتموجة في العراق)، والذي اشترك في تقديمه الدكتور شوكت الزهاوي و الدكتور بيتي، كذلك تمّ تقديم بحث حبة بغداد (الأخت) والذي اشترك فيه كل من الأطباء محمد شكري صكبان، فتح الله عقراوي وحبيب ثابت و إدور بصمه جي ويوسف روضه. كما قُدّم بحث عن (الخنثويه الكاذبه) اشترك فيه الدكتور شوكت الزهاوي وبيثون رسام، وبحث آخر في (معالجة بعض الامراض بالراديوم) للدكتور احسان القيماقجي. وأما موضوع المصطلحات الطبية العربية، فقد شارك فيه كل من الدكتور عبد الواحد الوكيل من مصر، وفؤاد غصن من لبنان والشاعر علي الجارم واللغوي المصري أحمد علي الاسكندري والدكتور الأديب زكي مبارك من مصر والدكتور داود الجلبي من العراق.
وقد قررت اللجنة تكليف الحكومة المصرية بالاتصال بالحكومات العربية لتشكيل لجان لبحث المصطلحات والمجموعات اللغوية الطبية في كل منها. وتؤلف بعد ذلك لجنه عليا تجتمع في مصر شهراً واحداً على الأقل من كل سنة لاختيار أنسب المصطلحات، بحيث تكون قرارات اللجنة نافذة في جميع الكليات والمعاهد والمدارس العربية، ومن جميع الأساتذه والعلماء والمهتمين بتلك المواضيع. وأما المنهاج الاجتماعي والترفيهي للمؤتمر فقد كان حافلاً بالولائم و الزيارات و الجولات و السفرات، وقد كانت الولائم من الكثره بحيث لم يبق أحد من شخصيات بغداد المعروفه إلّا وأقام وليمة لبعض أعضاء المؤتمر، وقد كانت من أهمها وليمة جلالة الملك غازي في قصر الزهور.كما تمّ توثيق المؤتمر الطبي العربي الأول وفعالياته بالصور الفوتوغرافية، فقد كان بحق عرساً و مهرجاناً عربياً لم تشهد له بغداد نظيراً من قبل.
البريد الإلكتروني للكاتب: s.al-fattal@sky.com