في ظل تسارع وتيرة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية بشكل شبه كامل او كامل، تتضافر الجهود وتنشط الجهات العاملة في الصحة المحلية والعالمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة لوضع حلول من شأنها الحفاظ على المنجز البشري الكبير المتمثل في المضادات الحيوية والتي استطاع الانسان من خلالها الحفاظ على وانقاذ أرواح ملايين من البشر. وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية في العام 2017 بنشر قائمة مكونة من 12 بكتيريا تمثل خطورة عالية عالمية بسبب قدرتها العالية على مقاومة المضادات الحيوية. في هذه السلسلة من المقالات سنفرد مقالة لكل بكتيريا نبين فيها بعضاً من خصائصها، أماكن تواجدها، كيفية انتشارها/انتقالها، الامراض التي تسببها، المضادات الحيوية المستخدمة ومدى مقاومتها. بالإضافة الى معلومات عن أماكن تواجد الأنواع المقاومة.
المستدمية النزلية Haemophilus influenzae
هي بكتيريا سالبة الغرام (يطلق عليها متغيرة الغرام نظراً لأنها قد تكون سالبة أو موجبة). هوائية اختيارية. تنمو هوائياً وم ناحية النمو فإن لها متطلبات غذائية خاصة Fastidious)) يتطلب نموها توفر عاملين في الوسط الغذائي وهما X (hemin) و V (nicotinamide adenine dinucleotide (NAD). تحتاج الى نسبة من غاز ثاني أكسيد الكربون في للنمو الجيد. تم التعرف على المستدمية النزلية لأول مرة بواسطة فايفر عام 1892، والذي (بشكل غير صحيح) اعتقد أنها كانت سبب الأنفلونزا لأنها عزلت من أنوف مرضى بالأنفلونزا. المستدمية النزلية عبارة عن مُمْرِض بشري حصري، وكانت أول بكتيريا تم التعرف على تسلسلها الجيني بالكامل. والذي اعتبر بمثابة مقدمة لتسلسل الجينوم البشري.
المستدمية النزلية تتواجد في الجزء العلوي من الجهاز بشكل طبيعي، ومن المعروف أنها سبب مهم للعدوى التي تشمل أجهزة الجسم المختلفة. وأيضاً تعتبر سبباً لمجموعة متنوعة من أمراض الجهاز التنفسي. وتنتقل البكتيريا من شخص لآخر من خلال الرذاذ الناتج عن العطس أو السعال. في الآونة الأخيرة كان هناك دلائل متزايدة بأن هذه البكتيريا لها دور في التهاب الجهاز التنفسي السفلي المزمن. ومع ذلك، فإن التفاعل بين المستدمية النزلية والرئة لا يزال غير محدد بشكل جيد. قد يؤدي مزيج من البكتيريا المسببة للأمراض ونقص مناعة المضيف السماح لهذه البكتيريا بنشر العدوى في الجهاز التنفسي السفلي مما يؤدي إلى الالتهاب والأمراض السريرية.
تعد معظم سلالات المستدمية النزلية من مسببات الأمراض الانتهازية، فهي عادة ما تعيش في جسم الانسان دون التسبب في المرض، ولكن تتسبب بالمشاكل الصحية فقط عندما تتسنى الفرصة بوجود عوامل أخرى (مثل العدوى الفيروسية أو نقص المناعة أو وجود أنسجة ملتهبة، من الحساسية على سبيل المثال). حيث تصيب الجسم بالمرض عن طريق الالتصاق بالخلية المضيفة. قد تشمل المظاهر السريرية الأعراض الأولية لعدوى الجهاز التنفسي العلوي التي تحاكي العدوى الفيروسية. وقد تمتد الأعراض لتشمل الجهاز التنفسي السفلي في بضعة أيام، مع سمات تشبه غالبًا التهاب القصبات الهوائية. قد يكون البلغم صعبًا في البلع وغالبًا ما يكون لونه رماديًا وكثيفاً، وقد يستمر السعال لأسابيع.
هناك 6 أنواع من المستدمية النزلية (أ، ب، ج، د، ه، و)، أشدها خطراً النوع ب. عند الرضع والأطفال الصغار، تسبب المستدمية النزلية نوع (ب) (Hib) تجرثم الدمSepticemia ، التهاب رئوي pneumonia، التهاب لسان المزمار Epiglottitis، التهاب شغاف القلب Endocarditis والتهاب السحايا الجرثومي الحادAcute bacterial meningitis. . في بعض الأحيان، تسبب التهاب النسيج الخلوي Cellulitis، التهاب العظم osteomyelitis والتهاب المفاصل Septic arthritis. وعلى الرغم من انتشار هذه البكتيريا في جميع أنحاء العالم، كانت أعباء مرض المستدمية النزلية من النوع "ب " أعلى بكثير في البلدان الفقيرة في الموارد، وذلك قبل إدخال اللقاح في برامج التمنيع (التطعيم/التحصين) القومية الخاصة بها.
تنقسم سلالات المستدمية النزلية إلى تلك التي تحتوي على كبسولة (على سبيل المثال، النمط من النوع ب) وتلك السلالات غير المغلفة بالكبسولة (NTHi). السلالات المغلفة لها دور رئيسي في العدوى الجهازية مثل التهاب السحايا. لذا الدفاع الرئيسي ضد عدوى المستدمية النزلية الجهازية هو قتل البكتيريا بوساطة الأجسام المضادة. ونادرا ما تسبب سلالات بكتيريا المستدمية النزلية التي لا تحتوي على كبسولة NTHi المرض خارج الجهاز التنفسي. الغالبية العظمى من أمراض الجهاز التنفسي ينشأ من سلالات NTHi. ويعتبر اختبار تخثر جزيئات اللاتكس (LAT) طريقة حساسة للكشف عن وجود النزلة المستدمية اكثر من المزرعة، ولأن الطريقة تعتمد على المستضدات Antigens بدلاً من البحث عن لبكتيريا الحية، فإن النتائج لا تتأثر بسبب الاستخدام المسبق للمضادات الحيوية. كما أن لديها فائدة إضافية تتمثل في كونها أسرع بكثير من المزرعة. ومع ذلك، لا يمكن إجراء اختبار الحساسية للمضادات الحيوية باستخدام LAT، لذلك من الضروري أن يوازيه مزرعة من عينة الدم أو أي سائل جسم آخر.
يعتمد وصف العلاج على مكان وشدة الاصابة ونتائج فحوصات الحساسية، من المضادات الحيوية المستعملة لعلاج المستدمية النزلية: سيفتريكسون من مجموعة السيفالوسبورينات، أمبيسيلين من البنيسلينات، أزيثرومايسين وكلاريثوميسين من مجموعة الماكروليدات. المضادات الحيوية عن طريق الفم مثل أنواع β-lactams هي العلاج المناسب لمعظم المرضى. تفي الآونة الأخيرة تم التعرف على نسبة لا بأس بها من عزلات المستدمية النزلية منتجة لإنزيم البيتا لاكتاميز الذي يمكن البكتيريا من مقاومة بعض المضادات الحيوية (وهذا يختلف بشكل ملحوظ من مكان لآخر) وفي مثل هذا الظرف، فإن السيفالوسبورينات واسعة الطيف والكوينولونات قد تشكل خيارات علاجية مناسبة.
الأمبيسلين هو مضاد حيوي من مجموعة البيتا لاكتام والذي أستخدم بشكل واسع في علاج الأمراض المعدية منذ عام 1961، يستطيع الأمبيسلين اختراق البكتيريا الموجبة وبعض البكتريا السالبة لصبغة جرام من ضمنها بكتيريا المستدمية النزلية لكن مقاومة المستدمية النزلية لـ β-lactam هي إما عن طريق إنزيم (β-lactamase) أو بطرق أخرى غير مرتبطة بإنزيم ""non-enzyme mediated. تحدث المقاومة غير الإنزيمية غالبا بوساطة طفرات في بروتين (PBP3)، ويعتبر الأمبيسلين من العلاجات الفعالة والامنة في نفس الوقت ونظراً لظهور سلالات مقاومة له وازدياد وتيرتها مؤخراً فإن أيجاد مضادات حيوية بديلة يعتبر أمراً حيوياً في التصدي لهذه البكتيريا الخطيرة.
البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com