في ظل تسارع وتيرة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية بشكل شبه كامل او كامل، تتضافر الجهود وتنشط الجهات العاملة في الصحة المحلية والعالمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة لوضع حلول من شأنها الحفاظ على المنجز البشري الكبير المتمثل في المضادات الحيوية والتي استطاع الانسان من خلالها الحفاظ على وانقاذ أرواح ملايين من البشر. وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية في العام 2017 بنشر قائمة مكونة من 12 بكتيريا تمثل خطورة عالية عالمية بسبب قدرتها العالية على مقاومة المضادات الحيوية. في هذه السلسلة من المقالات سنفرد مقالة لكل بكتيريا نبين فيها بعضاً من خصائصها، أماكن تواجدها، كيفية انتشارها/انتقالها، الامراض التي تسببها، المضادات الحيوية المستخدمة ومدى مقاومتها. بالإضافة الى معلومات عن أماكن تواجد الأنواع المقاومة.
هيليكوباكتر بيلوري "الملوية البوابية" هي جرثومة حلزونية الشكل سالبة الغرام، يمكنها البقاء حية في معدة الإنسان وتوجد في أكثر من نصف سكان العالم. ترتبط العدوى بهذه البكتيريا الحلزونية ارتباطًا وثيقًا بمرض التهاب المعدة المزمن ومرض القرحة الهضمية وتطور سرطان المعدة وتسبب أكثر من 90٪ من قرحة الاثني عشر وما يصل إلى 80٪ من قرحة المعدة. قبل عام 1982، عندما تم اكتشاف هذه البكتيريا، كان الأطعمة الحارة، والحامضة، والإجهاد أو التوتر، ونمط الحياة تعتبر من الأسباب الرئيسية للإصابة بقرحة المعدة. وأعطيت غالبية المرضى أدوية طويلة الأمد، مثل H2 blocker ، ومؤخراً، مثبطات مضخة البروتون proton pump inhibitors، دون فرصة للحصول على علاج دائم وفعال أو شفاء تام. هذه الأدوية تخفف الأعراض المرتبطة بالقرحة، وتشفي التهاب الغشاء المخاطي في المعدة، وتساعد في شفاء القرحة، أما وبعد معرفة بأن معظم القرحات هي ناتجة عن بكتيريا H. pylori، فانه يمكن من خلال المضادات الحيوية أن نقضي على العدوى بنجاح في معظم المرضى، مع حل كامل للالتهاب المخاطي وفرصة ضئيلة لتكرار القرحة الا في بعض الحالات التي تكون فيها البكتيريا مقاومه لهذه المضادات الحيوية.
الأمراض التي تسببها الملوية البوابية
معظم الأشخاص المصابين ببكتيريا هيليكوباكتر بيلوري لا يعانون من أي أعراض متعلقة بالعدوى. ومع ذلك، تسبب بكتيريا H. Pylori التهاب المعدة الضموري في البالغين والأطفال وقرحة الاثني عشر والقرحة المعدية. يعاني الأشخاص المصابون من خطر متزايد (من 2 إلى 6 أضعاف) من الإصابة بسرطان المعدة وأمراض الليمفوما من النوع Mucosal-associated-lymphoma (MALT) مقارنة مع غير المصابين. ولا يزال دور الهيليكوباكتر بيلوري في عسر الهضم الغير مرتبط بالقرحة غير واضح.
الإصابة بالعدوى
ليس من المعروف كيف تنتقل بكتيريا H. Pylori أو لماذا يصاب بعض المرضى بالأعراض في حين لا يصاب البعض الآخر. على الأرجح تنتشر البكتيريا من شخص إلى آخر من خلال الطرق البرازية الفموية أو الفموية عن طريق الفم. او عن طريق مصادر المياه الملوثة. الشكل الحلزوني لبكتيريا الملوية البوابية يجعل من السهل على البكتيريا دفع نفسها واختراق غشاء المعدة والاستقرار بعيدا عن حامض المعدة.
هي أعراض القرحة
أكثر أعراض القرحة شيوعًا هو ألم حارق في اعلى المعدة. يحدث هذا الألم عادة عندما تكون المعدة فارغة، بين الوجبات وفي ساعات الصباح الباكر، ولكن يمكن أن تحدث أيضًا في أوقات أخرى. قد يستمر من دقائق إلى ساعات وقد يزول الالم عند تناول الطعام أو عن طريق تناول مضادات الحموضة. تشمل أعراض القرحة الأقل شيوعًا الغثيان والقيء وفقدان الشهية والنزيف. قد يسبب النزيف لفترة طويلة فقر الدم مما يؤدي إلى الضعف والتعب. إذا كان النزف ثقيلاً، فقد يحدث القيء مع دم.
تشخيص عدوى هيليكوباكتر بيلوري
يوجد عدة طرق لتشخيص عدوى الهيليكوباكتر بيلوري مثل الاختبارات المصلية التي تقيس الأجسام المضادة IgG الخاصة بالملوية البوابية وتحدد ما إذا كان الشخص قد أصيب ام لا. وتتراوح حساسية ونوعية هذه الاختبارات من 80٪ إلى 95٪ اعتمادًا على الفحص المستخدم. طريقة تشخيصية أخرى هي اختبار النفس ((Urea Breath Test. في هذا الاختبار، يتم إعطاء المريض اليوريا المعلم بالكربون 13C– أو C14 للشرب. تستجيب H. Pylori لليوريا بسرعة، ويتم امتصاص الكربون. ويمكن بعد ذلك قياس هذا الكربون ك CO2 في نفس المريض لتحديد ما إذا كانت H. Pylori موجودة ام لا. وتتراوح حساسية ونوعية اختبار التنفس من 94٪ إلى 98٪. الحصول على عينات الخزعة خلال فحص تنظير المعدة (Gastroscopy): وهو فحص باضع Invasive test، إذ يتم خلاله إدخال أنبوب صغير ومرن مرتبط بألياف بصرية إلى داخل المعدة. يتم أخذ عينة من الغشاء المخاطي للمعدة أو والاثني عشر ويمكن إجراء تشخيص للملوية البوابية بواسطة عدة طرق:
• اختبار urease للخزعة – اختبار قدره البكتيريا على انتاج انزيم اليورياز urease enzyme من خلال الحصول على عينة "خزعة من معدة المريض" ووضع هذه الخزعة أو جزء منها على وسط يحتوي على تركيز مرتفع من اليوريا وكاشف. يستغرق الفحص دقيقة واحدة الى خمس دقائق حسب نوعية الفحص.
• عمل مزرعة بكتيرية من عينات الخزعة Biopsy للملوية البوابية، واجراء الحساسية للمضادات الميكروبية.
ومن الممكن إجراء فحص البوليمراز المتسلسل PCR هو طريقة حساسة للكشف عن H. pylori في العديد من المواقع، لكنه لا يثبت ما إذا كانت البكتيريا حية أم ميتة. يمكن الكشف عن أنتيجينات البكتيريا في عينات البراز بفحص مصلي سهل ودقيق جداً ويستخدم هذا الفحص في التشخيص والمتابعة.
نظم العلاج المستخدمة للقضاء على بكتيريا H. Pylori
يتكون علاج عدوى هيليكوباكتر بيلوري من 10 أيام إلى أسبوعين من واحد أو اثنين من المضادات الحيوية الفعالة، مثل أموكسيسيلينAmoxicillin ، التتراسيكلين Tetracycline (لا يستخدم للأطفال أقل من 12 عامًا) ، ميترونيدازول Metronidazole، أو كلاريثروميسين Clarithromycin، بالإضافة إلى مثبط مضخة البروتون. ويساعد تثبيط الحمض بواسطة (مانع H2 أو مثبط مضخة البروتون) بالتزامن مع المضادات الحيوية على تخفيف الأعراض المرتبطة بالقرحة (أي ألم البطن والغثيان) ويساعد على شفاء التهاب الغشاء المخاطي في المعدة وقد يزيد من فعالية المضادات الحيوية ضد H. pylori في المعدة.
مقاومة المضادات الحيوية
العلاج المعياري لهذه البكتيريا انه يثبط مضخة البروتون (PPI) أو (ranitidine bismuth citrate)، يتم اختيار الأموكسيسيلينAmoxicillin ، كلاريثروميسين Clarithromycin، وميترونيدازولMetronidazole لعلاج العدوى ومع ذلك، فقد تم التشكيك في هذا العلاج بسبب الاختراق غير الفعال للمضادات الحيوية في الغشاء المخاطي في المعدة، وتعطيل المضادات الحيوية من انخفاض درجة الحموضة في المعدة ، وعدم امتثال المريض للعلاج، وظهور المقاومة المكتسبة للمضادات الحيوية. في كثير من الحالات، كلاريثروميسين هو المكون الرئيسي لهذه العلاجات. ومع ذلك، أصبحت مقاومة كلاريثروميسين واحدة من الأسباب الرئيسية لفشل العلاج. يختلف انتشار مقاومة هيليكوباكتر بيلوري للكلاريثروميسين بين بلدان مختلفة، مثل 10.6٪ إلى 25٪ في أمريكا الشمالية، و 16٪ في اليابان، و1.7٪ إلى 23.4٪ في أوروبا. لكن المؤكد أن هذه النسب اخذة في الارتفاع.
الكلاريثروميسين يعمل عن طريق انه يرتبط بمنطقة الـ Peptidyltransferase في الـ rRNA 23S في الريبوزومRibosome ويمنع تخليق البروتين وتعود قدرة مقاومة البكتيريا للكلاريثروميسين إلى الطفرات التي تحدث في منطقة peptidyltransferase وهناك آليات أخرى للمقاومة، مثل إنتاج انزيم الميثيليزMethylase ، والانزيمات المانعة لعمل الماكروليداتmacrolide-inactivating enzymes ، بالإضافة الى تنشيط الية التدفق efflux. تم تحديد اثنين من الجيناتCag A و VacA في هذه البكتيريا المقاومة للـ Clarithromycin. مقاومة الملوية البوابية لمضادات حيوية شائعة الاستخدام في ازدياد في جميع أنحاء العالم. بشكل عام ومن الأبحاث الحالية والتحديات الإكلينيكية زيادة معدل مقاومة المضادات الحيوية في بكتيريا الملوية البوابية، مما أدى إلى انخفاض معدل القضاء على البكتيريا الملوية البوابية. ظل انتشار بكتيريا الملوية البوابية مرتفعًا في بعض المناطق على الرغم من انخفاض اتجاه انتشار بكتيريا الملوية البوابية مع مرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدل عودة عدوى الملوية البوابية قد اختلف في بلدان مختلفة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية.
هناك عدة عوامل قد ساهمت في فشل القضاء على بكتيريا الملوية البوابية، بما في ذلك حمية غير مناسبة، ضعف الامتثال (استجابة المريض للعلاج)، أعداد مهولة من البكتيريا المستعمرة للأمعاء، حموضة المعدة العالية، تعدد الأشكال الجيني (IL-1B و CYP2C19)، مضادات ميكروبات فاشلة ومخففة، تشكيل الغشاء الحيوي "بيوفيلم"، والأهم من ذلك، مقاومة المضادات الحيوية. في ظل الانتشار الواسع لبكتيريا الملوية البوابية والامراض الخطيرة والمضاعفات المصاحبة لها فإن المنظمات والجهات الصحية في معظم أنحاء العالم تدق ناقوس الخطر وتدعو للتعامل مع الإصابات بهذه البكتيريا بحذر وتدعو العلماء والباحثين وعلى وجه الخصوص شركات الادوية الى بذل الجهود العاجلة من أجل إيجاد مضادات حيوية ملائمة وامنة للقضاء على هذه البكتيريا في المرضى الامر الذي سيخفف عن البشرية كثير من الماسي والمعاناة ويقلل من التكلفة المالية لعلاج الحالات المصابة. ربما يكون أيضاً تكريس بعضاً من الجهود لإيجاد تطعيم/لقاح قد يحدث ثورة في منع حالات الإصابات بشكل عام ويقلل من الإصابة بسرطان المعدة والاثني عشر.
البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com