في ظل تسارع وتيرة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية بشكل شبه كامل او كامل، تتضافر الجهود وتنشط الجهات العاملة في الصحة المحلية والعالمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة لوضع حلول من شأنها الحفاظ على المنجز البشري الكبير المتمثل في المضادات الحيوية والتي استطاع الانسان من خلالها الحفاظ على وانقاذ أرواح ملايين من البشر. وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية في العام 2017 بنشر قائمة مكونة من 12 بكتيريا تمثل خطورة عالية عالمية بسبب قدرتها العالية على مقاومة المضادات الحيوية. في هذه السلسلة من المقالات سنفرد مقالة لكل بكتيريا نبين فيها بعضاً من خصائصها، أماكن تواجدها، كيفية انتشارها/انتقالها، الامراض التي تسببها، المضادات الحيوية المستخدمة ومدى مقاومتها. بالإضافة الى معلومات عن أماكن تواجد الأنواع المقاومة.
المكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus Aureus
بكتيريا موجبة غرام، غير متحركة. سميت بهذا الاسم (مكورات عنقودية) لأنها تترتب بشكل كرات غير منتظمة تشبه عنقود العنب عند رؤيتها تحت المجهر، اما تسمية (ذهبية) وذلك لأنها تظهر على شكل مستعمرات صفراء اللون عند زراعتها على وسط آجار الدم Blood Agar وتستطيع تحليل خلايا الدم الحمراء بشكل تام وهي لاهوائية اختيارية (تستطيع المعيشة في وجود وفي غياب الاكسجين). عادة ما تعيش المكورات العنقودية الذهبية بشكل طبيعي على جلد الإنسان، وفي تجويف الأنف أو في الجهاز التنفسي. إلا أنها يمكن أن تتسبب بمجموعة من الأمراض، من التهابات جلدية طفيفة كالبثور، القوباء impetigo، الدمامل، التهاب النسيج الخلوي Cellulitis، التهاب الأجربة Folliculitis، متلازمة الجلد المحروقة Scalded Skin syndrome والخراجات، إلى أمراض مهددة للحياة مثل: الالتهاب الرئوي Pneumonia, التهاب السحايا meningitis، التهاب العظم والنخاع وتجرثم الدم Septicemia. وتعد واحدة من الأسباب الأكثر شيوعًا للأمراض المكتسبة من المستشفيات. وتعتبر بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية ممرضة انتهازية مسؤولة عن العديد من الخمجات القيحية في كل من الانسان والحيوان.
تنتج بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية عدداً من السموم التي تميزها في الأوساط الغذائية تحت ظروف معينه ومنها سموم الفا Hemolysin Alpha وهي التي تحلل خلايا الدم الحمراء في الارانب. وسموم بيتا Hemolysin Beta التي تؤدي الي تحلل خلايا الدم الحمراء للأغنام وكذلك السموم التي تؤدي الى تحلل خلايا الدم البيضاء Leukocidins. وكذلك تنتج بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية السموم المعوية Enterotoxins المسؤولة عن عدد كبير من حالات التسمم الغذائي. ومن عوامل الشراسة Virulence factors وجود عوامل الالتصاق وقدرتها على تكوين الأغشية الحيوية Biofilms التي تساعد البكتيريا على البقاء على قيد الحياة داخل في بيئة العائل المضيف، وتعتبر مسؤولة عن الالتهابات المزمنة أو المستمرة. حيث يعتبر عامل مقاومة عالية للعلاج بالمضادات الحيوية. لطبيعتها كونها تعمل كحاجز لمنع تغلغل المضادات الحيوية، وربما لاحتوائها على إنزيمات مضادة للمضادات الحيوية مثل البيتا لاكتمازيزات.
أظهر البنسلين عند اكتشافه فعالية عالية مضادة للمكورات العنقودية الذهبية، حيث يعمل البنسلين على تثبيط تكوين الروابط الببتيدوجليكانية “التي توفر الصلابة والقوة لجدار الخلية البكتيرية” فتؤثر على تكون جدار الخلية، مما يؤدي إلى موتها. على الرغم من ذلك، فإن مشكلة مقاومة البنسلين أصبحت شائعة وازدادت في الآونة الأخيرة لتصبح نسبة المقاومة قريبة من 100% في معظم دول العالم. هناك مجموعة كبيرة من المضادات الحيوية التي استخدمت لعلاج الالتهابات الناتجة عن المكورات العنقودية الذهبية مثل الاريثروميسين، سيفالوسبورين، كلينادميسين، لينوميسين، اريثروميسين، ميثيسيلين، نافيسيلين والفانكوميسين. أظهرت المكورات العنقودية الذهبية مقاومة للميثيسيلين وأصبحت تعرف باسم Methicillin-Resistant Staphylococcus Aureus واختصاراً MRSA، هي نوع من المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للمضاد الحيوي الميثيسيلين ومضادات حيوية من نفس الفئة، بما في ذلك البنسلين، أموكسيسيلين، وأوكساسيلين. المعرضون للإصابة بعدوى MRSA هم المرضى في المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى، خصوصاً كبار السن، ذوو المناعة المنخفضة والذين يعانون من جرح مفتوح أو قسطرة في الجسم. للأسف هذه البكتيريا تخطت حواجز المنشئات الصحية لتشكل نسبة عالية من العزلات من المجتمع. هذه المقاومة للميثيسيلين نشأت عن التعبير الجيني لمركب methicillin-hydrolysing β-lactamase5، ومن خلال التعبير الجيني للبروتين المرتبط بالبروتين المعطوب PBP2.
بشكل عام تنتشر بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية (بما في ذلك MRSA) من خلال الاتصال المباشر بين الناس ومشاركة الأغراض الشخصية أو لمس المعدات والأدوات الملوثة بالجرثومة. وقد تنتقل العدوى بواسطة الحيوانات الأليفة. يتم نقل البكتيريا من خلال أيدي العاملين في مجال الرعاية الصحية، يمكن أن يؤدي إدخال البكتيريا إلى مجرى الدم إلى مضاعفات مختلفة، بما في ذلك التهاب الشغاف Endocarditis والتهاب السحايا Menigitis، وإذا انتشر على نطاق واسع، يمكن ان يسبب تعفن الدم Septicemia. يمكن تلافي ذلك باستعمال الطرق الصحيحة لغسل الأيدي والمحافظة على النظافة وتنظيف الجروح. استخدام الكمامات والقفازات التي يمكن التخلص منها من قبل الموظفين يقلل من ملامسة الجلد إلى الجلد، وبالتالي يقلل من خطر انتقال العدوى. وفي تسعينيات القرن الماضي، تم التعرف على سلالات من بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية مقاومة للفانكوميسين المضاد الذي كان بإمكانه معالجة العدوى الناشئة عن MRSA. ويشار إلى هذه البكتيريا باسم البكتيريا العنقودية الذهبية ذات المقاومة المتوسطة للفانكومايسين (VISA). ويرجع ذلك لعدة تغيرات في الجينات وعدة طفرات لجينات المسؤولة عن تصنيع الغلاف الحيوي للخلية. وفي العام 2002 تم تسجيل مقاومة بشكل كامل للفانكوميسين (VRSA) ويتم اكتسابه أو نقله من خلال جينات تسمى Van-A الموجودة على البلازميدات.
بالنظر الى عدد الإصابات ونوعيتها التي تتسبب بها المكورات العنقودية الذهبية سواء في المجتمع أم في المؤسسات الصحية وبنفاذ أو قري نفاذ خيارات العلاج فإن البشرية تقف على أعتاب مرحلة خطيرة تذكر بعصر ما قبل المضادات الحيوية حيث كان الأشخاص يموتون من التهابات جروح بسيطة. لذا يتوجب أيضاً جعل إيجاد مضادات حيوية جديدة وبشكل حثيث وفوري أولوية كبرى لدى شركات تصنيع الادوية والباحثين وطلبة الدراسات العليا في جميع أنحاء العالم. في المشافي لا بد من اتخاذ التدابير والاحتياطات من انتشار هذه السلالات ويجب فحص الطواقم الطبية للتأكد من خلوهم من هذه السلالات وفي حال وجودها منعهم من ممارسة مهامهم حتى التخلص منها تماما حتى لا يشكلوا مصدر عدوى للمرضى المنومين خصوصاً ذوي المناعة المنخفضة.
البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com