أحد أدوية الملاريا الحالية ويدعى (كلوروكين–Chloquine ) والذي يستخدم لمعالجة مرض الملاريا يمكنه أن يعزز فاعلية فئة ناشئة من أدوية السرطان تعرف باسم مثبطات إنزيم جلوتامينيزGlutaminase Enzyme Inhibitors وذلك في حال استخدامهما معا. هذا ما جاءت به دراسة علمية قام بها مؤخرا باحثون من كلية وايل كورنيل للطب في قطر ونشرت مؤخراً في المجلة العلمية المرموقة Cancer Letters.
قام الباحثون بفحص عمليات التمثيل الغذائي لخلايا السرطان ودراسة إمكانية عمل دواء كلوروكين والقائم على مادة كيونين المستخدم في علاج الملا ريا، والحائز على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على تعزيز فاعلية أدوية مثبطات الجلوتامين الجديدة المطورة من قبل شركات الأدوية العالمية المعروفة.
وقد سبق أن أظهرت دراسة علمية نشرت في شهر نوفمبر 2017 في دوريةEcancer medical science العلمية، أن دواء يستخدم بشكل رئيسي لعلاج الملاريا، يمكن أن يحسن فاعلية علاجات مرض السرطان وذلك ضمن مشروع بحثي دولي لإعادة تنظيم أدوية الأورام ، بين صندوق مكافحة السرطان في بلجيكا ومؤسسة (جلوبال كوريس ) البحثية الأمريكية. وذلك ضمن المشاريع البحثية التي يقوم بها العلماء لإعادة تنظيم أدوية الأورام وخاصة في الأبحاث المتعلقة بالأدوية المضادة للملاريا والتي يمكن الاستفادة منها في علاج أمراض السرطان نظرا لامتلاكها قدرة مؤثرة على الخلايا السرطانية، إذ أنها تدخل في آليات عمل الورم السرطاني، من خلال الأوعية الدموية والجهاز المناعي.
تستهدف مثبطات إنزيم جلوتامينيز عملية كيميائية تُعرف باسم تحلّل الجلوتامين، أي تحلّل الحمض الأميني جلوتامين، ما يتسبب في إطلاق طاقة تعتمد عليها الخلايا السرطانية في نموها. وتعمل مثبطات إنزيم جلوتامينيز على تعطيل هذه العملية، ما يحرم الخلايا السرطانية من مصدر الطاقة ومن ثم إبطاء نموها وربما إيقافه تماماً. غير أن بعض الخلايا السرطانية يمكنها تفعيل طرق بديلة لتوليد الطاقة لتنجو من تأثير مثل هذا الدواء، وهنا اعتمد الباحثون نهجاً بحثياً جديداً يُعرف باسم "الهندسة الأيضية السديدة".
كما شرحت الدكتورة آنا هلاما Dr. Anna Halama، الباحثة المشاركة في الفسيولوجيا والفيزياء الحيوية في وايل كورنيل للطب – قطر والتي تقود الدراسة مع زميلها الدكتور كارستن زوري Dr. Karsten Suhre، عملية تحليل العمليات الأيضية للخلايا السرطانية للتثبّت من أن دواء كلوروكين يمكن أن يعزز فاعلية الأدوية المثبطة لإنزيم جلوتامينيز قائلة: "لقد قمنا بتعريض الخلايا السرطانية النامية في المختبر لجرعات مختلفة من دواء السرطان، ثم نقوم بقياس التغيرات الطارئة في الغالبية العظمى من الجزيئات الصغيرة الموجودة في الخلايا باستخدام التقنية الاستقلابية. وبعد ذلك نحدّد وبالاستعانة بأساليب حوسبة معقدة، الجزيئات التي تستخدمها الخلايا السرطانية لتنجو بنفسها من تأثير العقار، ثم نتصور الطرق المتاحة لسدّ مسار فرار تلك الخلايا السرطانية".
وتابعت قائلة: "وفي أول تطبيق للنهج الجديد لمثبطات إنزيم جلوتامينيز، تركّز بحثنا على مسارين محدّدين للطاقة تستخدمهما الخلايا السرطانية، هما: تقويض الدهنيات أي تفتّت الدهون، والتهام الذات أي عندما تستمد الخلايا الطاقة من خلال انحلال أجزاء من بنيتها الذاتية. ومسارا الطاقة المذكوران كلاهما، كما تبيّن لنا، يتسارعان عند كبت مسار تحلّل الجلوتامين بالاستعانة بالأدوية ما يمكّن الخلايا السرطانية من أن تنجو من تأثير تلك الأدوية. ومن المعروف أن عقار الملاريا كلوروكين يعوق بعض آليات توليد الطاقة المشار إليها، ما جعلنا نفترض أن إعطاء كلوروكين بالاقتران بالعقاقير المثبطة لإنزيم جلوتامينيز يمكن أن يعزز كبت الخلايا السرطانية، وبالفعل تبيّن لنا أن هذا الافتراض في محله". من ناحية أخرى قال الدكتور كارستن زوري، أستاذ الفسيولوجيا والفيزياء الحيوية ومدير مختبر المعلومات الحيوية في وايل كورنيل للطب – قطر وأحد أبرز خبراء علوم الاستقلابيات في العالم: "من أجمل ما تتسم به اللمحة التوصيفية الاستقلابية أنها تمكّننا من معرفة استقلاب الخلية في مواقف مختلفة وبتفاصيل مستفيضة. وبهذه الطريقة يمكننا أن نحصل على معرفة متعمقة عن تأثير عقار ما في استقلاب الخلايا السرطانية، وهو ما يساعدنا في فهم آلية المرض وتحديد أهداف العقاقير الجديدة المحتملة".
وحول إتباع أسلوب المنهج المدمج الذي أتبعه فريق الدراسة تطرق الدكتور خالد مشاقة، العميد المشارك للبحوث في وايل كورنيل للطب – قطر في تصريحه قائلا: " يدمج هذا النوع من البحوث بين أبعاد الدراسة العميقة للأنماط الظاهرية للعلوم البيولوجية المتعلقة بالجينوميات والبروتيوميات وغيرها في إطار حالات مرضية معينة، ويحدّد تدخلات علاجية ابتكاريه يمكن أن تكون فعالة، وهو ما ينطبق في هذه الحالة على السرطان. والتمويل المقدّم من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي لمثل هذه البحوث يسهم إسهاماً راسخاً في إثراء المعرفة العلمية الأساسية وتطوير أدوات علاجية ابتكاريه محتملة لمنفعة قطر والعالم أجمع".
وفي هذا السياق، قالت هلاما: "إن للنهج المدمج المستخدم في هذه الدراسة أهمية فريدة فيما يتعلق بالاستراتيجيات العلاجية المستقبلية لمرضى السرطان، ويمكن تعميمه بسهولة على أدوية أخرى. وتتمثّل الخطوة المهمة التالية في اختبار فاعلية دواء كلوروكين مع مثبطات تحلُّل إنزيم جلوتامينيز في تجربة إكلينيكية". والجدير بالذكر أن مثبطات الأنزيم عبارة عن مركبات كيميائية ترتبط مع الإنزيم حيوياً معيقة عمله الأساسي على الركيزة والمواد الحيوية التي يعمل على تحويلها، وتتم عملية التثبيط إما بشكل تنافسي من قبل مركبات كيميائية تشبه الركيزة الأساسية فتنافسها على الإنزيم معطية منتجات ثانوية، أو بشكل غير تنافسي حيث ترتبط المثبطات مع الإنزيم بروابط تكافؤية غير قابلة للكسر معطلة عمل الإنزيم بصورة نهائية، وهذه الطريقة في التثبيط لها آثار سمية ضمن الحيوية.
أما الأدوية المثبطة للمناعة هي أدوية تقلل أو تمنع نشاط الجهاز المناعي للجسم وهي تستخدم في عدة أغراض علاجية ومنها: علاجات منع أو رفض أو نبذ الجسم للأعضاء أو الأنسجة المزروعة مثل (نخاع العظم، القلب، الكليتان والكبد. وكذا تستخدم في علاج أمراض المناعة الذاتية أو حتى الأمراض التي من المرجح أن يكون أصلها أمراض المناعة الذاتية مثل: التهاب المفاصل الروماتيدي، الروماتيزم، الوهن، التصلب المتعدد، التهاب تقرح القولون وغيرها هذا بالإضافة إلى استخدامه في علاج بعض الأمراض غير ذاتية المناعة الالتهابية.
المرجع:
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com