في ظل تسارع وتيرة ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية بشكل شبه كامل او كامل، تتضافر الجهود وتنشط الجهات العاملة في الصحة المحلية والعالمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة لوضع حلول من شأنها الحفاظ على المنجز البشري الكبير المتمثل في المضادات الحيوية والتي استطاع الانسان من خلالها الحفاظ على وانقاذ أرواح ملايين من البشر. وفي هذا السياق قامت منظمة الصحة العالمية في العام 2017 بنشر قائمة مكونة من 12 بكتيريا تمثل خطورة عالية عالمية بسبب قدرتها العالية على مقاومة المضادات الحيوية. في هذه السلسلة من المقالات سنفرد مقالة لكل بكتيريا نبين فيها بعضاً من خصائصها، أماكن تواجدها، كيفية انتشارها/انتقالها، الامراض التي تسببها، المضادات الحيوية المستخدمة ومدى مقاومتها. بالإضافة الى معلومات عن أماكن تواجد الأنواع المقاومة.
بكتيريا Acinetobacter تتواجد بشكل طبيعي في التربة والمياه، حيث يوجد هنالك 32 نوعاً، تم تسمية بعضها وأخرى لم يتم تحديد أسماء لها. أما تلك التي لها علاقة بزيادة معدلات الأمراض والوفيات فهي أسينيتوباكتر بوماني (الراكدة البومانية). وهي عبارة عن بكتيريا هوائية اجبارية، غير مخمرة للسكريات، سالبة غرام، عصوية لكنها قد تتخذ شكلاً كروياً تشبه فيه شكل النيسرية البنية Neisseria gonorrheae. تصنف على أنها انتهازية (تنتهز فرصة ضعف جهاز المناعة وغالباً لا تسبب أمراض للأشخاص الأصحاء)، تتمتع بخاصية تكيفها مع درجة الحرارة، درجة الحموضة والرطوبة على مدى واسع حيث بإمكانها البقاء حية على الأسطح الجافة لمدة خمسة أشهر، أيضاُ تتميز بانتشارها الواسع في بيئات متنوعة مثل التربة، المياه، الخضروات، الحيوانات والحشرات مما يسهل انتقالها إلى الإنسان.
عوامل الضراوة
تمتلك هذه البكتيريا مجموعة من عوامل الضراوة (العوامل التي تجعل البكتيريا قادرة على إحداث المرض) التي تؤهلها لإحداث الأمراض المختلفة، فمثلاً تمتلك قدرة على الالتصاق على الأسطح الصلبة والجافة، تستطيع الحصول على المغذيات الموجودة بتركيز منخفض مثل الحديد بكفاءة عالية، القدرة على الالتصاق وتدمير الخلايا الطلائية، قدرة بعض السلالات على انتاج انزيمات هاضمة للجيلاتين والبروتينات المختلفة مما يسهل عليها تدمير الأنسجة المصابة، قدرتها على استعمار جلد كل من الأصحاء والمرضى على حد سواء. أيضاً تمتلك القدرة المتميزة على تكوين الأغشية الحيوية الأمر الذي يجعل التخلص منها أمراً صعباً للغاية.
يمكن أن تصيب بكتيريا الراكدة البومانية الدم، الأنسجة اللينة، الجهاز التنفسي، المسالك البولية ويمكن أن يؤدي أي من الإصابات السابقة إلى الإصابة بتسمم الدم، التهاب السحايا، التهاب الشغاف، التهاب رئوي. وتعد خطيرة جداً على المرضى الذين يعانون من نقص المناعة. ويجب التنويه إلى أهمية هذه البكتيريا في إحداث التهابات الجروح والحروق بشكل خاص التي في غالب الأمر تؤدي إلى مضاعفات يصعب السيطرة عليها وقد تؤدي إلى الوفاة. أهم ما يميز الراكدة البومانية أنها ذات مقاومة متعددة للمضادات الحيوية. وذلك يجعلها تشكل تحدياً في علاج المرضى وفي تدابير مكافحة العدوى في المستشفيات ودور رعاية المسنين. وحسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية في العام 2017 تصدرت بكتيريا الراكدة البومانية المقاومة للكارببنيم قائمة المُمرضات التي تشكل خطراً على صحة الإنسان، والتي تتطلب البحث عن مضادات حيوية لها بشكل عاجل. نسبة الوفيات والمضاعفات الناجمة عن الإصابات وعدم وجود حلول بما هو متوفر من مضادات حيوية جعلها تتصدر القائمة.
عوامل الخطورة للإصابة بالراكدة البومانية
غالباً لا تشكل هذه البكتيريا خطورة عالية في المجتمعات، بينما تكون ذات أهمية قصوى في دور الرعاية الصحية من مستشفيات وعيادات ودور رعاية. وأظهرت العديد من الدراسات أن الفئات التالية أكثر عرضة للإصابة من غيرهم بعدوى بكتيريا الراكدة البومانية:
- مرض كامن شديد، وخاصة سرطانات الدم.
- المرضى المصابين بأمراض خطيرة الذين تم إدخالهم إلى وحدة العناية المركزة.
- مرضى تلقوا علاج بالمضادات الحيوية لفترة طويلة خاصة المضادات واسعة الطيف.
- العدوى أو الاستعمار من المسالك التنفسية والبولية، والجهاز الهضمي.
- الإصابة بالحروق والجروح الجراحية (الناتجة عن عمليات جراحية).
- المصابين بداء السكري.
- من لديه مرض رئوي المزمن.
- نقل منتجات الدم.
- التغذية المعوية والمحاليل الملوثة.
- ظروف الاستشفاء: مدة الإقامة، اكتظاظ المكان (في عنابر ذات كثافة عالية من المرضى المصابين أو من يحملون البكتيريا بشكل طبيعي.
- الأطفال الخدج
يتم تشخيص الإصابة بالبكتيريا بالطرق التقليدية من خلال أخذ عينة ممثلة عن المرض (مسحة، بول، دم، سائل نخاع شوكي، صديد….الخ) ويتم عمل مزرعة بكتيرية و خلال 24-48 يتم عزل البكتيريا و يتم التعرف عليها بسهولة من خلال خصائصها المميزة و من ثمّ تخضع البكتيريا لفحص مدى حساسيتها للمضادات الحيوية.
مقاومة الراكدة للمضادات الحيوية
قبل أكثر من 25 عاماً، وجد أن بكتيريا الراكدة قد بدأت بمقاومة بعض المضادات الحيويّة منها: أمينوبنسلين aminopenicillin، الجيل الأول والثاني من سيفالوسبورين cephalosporin، أمينوغلايكوسيدaminoglycosides ، سيفاميسينcephamycin ، كلورامفينيكول chloramphenicol، والتتراسايكلين .tetracyclineواستطاعت هذه البكتيريا بقدرتها غير العادية مواكبة التطورات من خلال مقاومة المضادات الحيوية التي تم تطويرها حديثاً وزاد انتشارها في المستشفيات. وبحسب مركز التحكم بالأمراض CDCفإن 63% من سلالات بكتيريا الراكدة تعد ذات مقاومة متعددة للمضادات الحيوية (ومن خلال دراسة أجريت مؤخراً 74% من العزلات كانت مقاومة للعديد من المضادات الحيوية). ويستخدم مصطلح Extensively drug- resistant A. baumannii (XDRAB) لتمييز العزلات البكتيرية المقاومة لجميع المضادات الحيوية باستثناء كلاً من بوليميكسين وتيغيسايكلين.
أيضاً أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى مقاومة بكتيريا A. baumannii للكاربابنيمات ومن أشهرها imipenemو meropenem وهذا أثار قلقاً من الناحية الوبائية بسبب أهمية هذه المجموعة من المضادات الحيوية والتي اعتبرت كملاذ أخير في أحيان كثيرة. تُعزى هذه المقاومة إلى إنتاج انزيمات من نوع OXA فئة D، (oxa-23 و(oxa-24/40التي يتم تشفيرها بواسطة جينات blaOXA-23، blaOXA-40، blaOXA-58 بالإضافة إلى نشاط إنزيم الكاربابنيميز carbapenemase. إنزيم الكاربابنيميز يمكن الكشف عنه بفحص بسيط كما هو مبين في الصورة التالية، وذلك من خلال زراعة بكتيريا حساسة للكاربابنيمات حول قرص يحتوي على أحد الكاربابنيمات ومن ثمّ زراعة البكتيريا المراد الكشف عن الانزيم فيها. من المعروف أن تشكل دائرة حول القرص تشير لعدم نمو البكتيريا الحساسة، وفي حال إنتاج البكتريا المقاومة للإنزيم فإنه يساعد البكتيريا الحساسة في منطقة التقاء كليهما ويتشكل نتوء مميز.
ظهور النسب العالية من بكتيريا A. bumannii متعددة المقاومة جعلها مسألة صحية ذات أولوية ويعتبر تهديداً جدياً على مرافق الرعاية الصحية، والصحة العامة وكبار السن. الأمر الذي يتطلب جهداً هائلاً لوقف هذا التصاعد.
البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com