مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة

بكتيريا تحول ذكور الحشرات إلى إناث

الكاتب

الكاتبون : أ. د. عبدالرؤوف المناعمة - روان ريدة

الجامعة الإسلامية – غزة / فلسطين

الوقت

01:40 مساءً

تاريخ النشر

01, أغسطس 2018

عالم غير مرئي وقبل 100 عام لم نكن نعرف عنه شيئاً تقريباً ومنذ اكتشاف هذه المخلوقات الدقيقة لم تتوقف عن إذهال البشر بقدراتها المتنوعة والرائعة التي مكنتها من استعمار معظم البيئات وأداء أدوارها المحورية على كوكب الأرض. كما أنها فتحت شهية البشر لترويضها والحصول على كنوزها المختلفة. في هذه السلسلة من المقالات نتعرض لمجموعات متنوعة من البكتيريا والكائنات الدقيقة ذات قدرات خاصة تميزها وتجعلها محط الاهتمام والدراسة.

بكتيريا تحول ذكور الحشرات إلى إناث

يُعدّ جنس ولباكيا ذو أهمية كبيرة بسبب انتشاره الواسع وبسبب امكانية استخدامه كمكافح حيوي، وهو آمن على الانسان والحيوان والبيئة. فكما هو معروف للكثيرين، تَعْتَبِر العديد من أنواع البكتيريا أسطح الكائنات الحية منزلاً لها، والبعض الآخر يعيش ويستقر داخل الجسم كما في الأمعاء وأماكن أخرى متعددة. أما بالنسبة لبكتيريا ولباكيا فإنها تختلف بعض الشيء؛ فهي تستطيع أن تدخل الخلايا المفردة وتتخذها مأوى. ولا تكتفي بذلك فحسب، بل تتداخل مع مكونات الخلية و تتلاعب بها. فعلى سبيل المثال، عند انقسام الخلية وتشكل خيوط المغزل المسؤولة عن التأكد بأن كل خلية من الخلايا الجديدة ستحصل على العدد الصحيح من الكروموسومات، تقوم بكتيريا ولباكيا بالالتصاق بخيوط المغزل والتأكد بأن كل خلية من الخلايا الجديدة ستحصل على جرعة كافية من البكتيريا نفسها. ووَجَدَت بكتيريا ولباكيا كذلك طريقة تستغل بها البروتينات الحركية لتساعدها في التنقل داخل الكائن الحي. كما تمتاز هذه البكتيريا بقدرتها على البقاء على قيد الحياة لمدة تصل إلى أسبوع بعد وفاة العائل؛ مما يزيد من فرص انتقالها إلى كائنات حية جديدة.

يُمكن لبكتيريا ولباكيا أن تصيب العديد من الأعضاء المختلفة لدى العائل، ولكنها تكون ملحوظة بصورة كبيرة في  الأجهزة التناسلية للحشرات. ولأن أنواع بكتيريا ولباكيا تكون متوفرة في البيوض الناضجة ولا تتواجد في الحيوانات المنوية الناضجة؛ فإن الاناث المصابة وحدها من تكون قادرة على نقل العدوى الى نسلها. وتستطيع بكتيريا ولباكيا زيادة انتشارها بصورة كبيرة من خلال تغيير الامكانيات التناسلية للعائل، ويكون ذلك من خلال أربعة أنماط ظاهرية مختلفة:

  1. قتل الذكور:Male killing الذي يحدث عند موت الذكور المصابة خلال عملية تطوراليرقة؛ فيزيد ذلك معدل مواليد الاناث المصابة.
  2. التأنيث Feminization: الذي ينتج عنه تطور الذكور المصابة الى إناث أو إناث زائفة وعقيمة (Infertile pseudofemales). ويمكن اكتشاف ما إذا كانت الانثى حقيقية أم متحولة بفعل بكتيريا الولباكيا من خلال قتل البكتيريا بمضاد حيوي مثل التتراسيكلين؛ الانثى المتحولة ستكوّن الأعضاء الذكرية في غياب البكتيريا.
  3. التوالد العذري   :Parthenogenesis حيث تتناسل الاناث المصابة دون الحاجة للذكور.
  4. عدم التوافق السيتوبلازمي Cytoplasmic incompatibility: وهو عدم قدرة الذكور المصابة ببكتيريا ولباكيا على التكاثر بنجاح مع الاناث غير المصابة او الاناث المصابة بسلالة مختلفة من البكتيريا، مما يقلل من فرص نجاح تناسل تلك الاناث غير المصابة؛ وبالتالي تعزيز السلالات المصابة.

 

فكرة استخدام بكتيريا ولباكيا في مكافحة الامراض المنتقلة عبر البعوض

يقتل البعوض أكثر من 700 ألف شخص سنوياً، ويساهم بنسبة 17% من العبء العالمي المُقدَّر للأمراض المعدية. ما يجعل من هذه الحشرات الصغيرة مصدرُ خطرٍ هو قدرتها على نقل الفيروسات أو الطفيليات التي تتسبب في أمراض عديدة مدمِّرة؛ فمرض الملاريا Malaria  وحده الذي ينتقل عن طريق بعوضة الأنوفيلس يقتل حوالي  400  ألف شخص معظمهم من الأطفال. وهناك حمى الضنك Dengue fever التي تُسجِّل من 50- 100 مليون حالة سنوياً في جميع أنحاء العالم. وكذلك الحمى الصفراء Yellow fever المرتبطة بمعدلات وفاة عالية. ولا ننسى فيروس زيكا Zika virus الذي ذاع صيته خلال السنوات القليلة الماضية لما يسببه من آثار عصبية مدمرة وطويلة الأمد في الأطفال المولودين لأمهاتِ مصابات.

هناك أكثر من 2500 نوع مختلف من البعوض، وتتواجد هذه الأنواع المتعددة في جميع أنحاء العالم باستثناء القارة المتجمدة الجنوبية. يمتاز البعوض بقدرته على التكيف مع البيئات الجديدة، وكذلك مع جميع التدخلات والاجراءات التي نقوم بها ضده. ولكن تم الكشف مؤخراً عن استراتيجية جديدة لمحاربة المرض من الداخل؛ وذلك عن طريق وقف تكاثر الفيروس داخل البعوض الناقل للأمراض. الاستراتيجية تعتمد على الاستعانة ببكتيريا ولباكيا (Wolbachia) التي تضم أنواعاً عديدة تتواجد بصورة طبيعية في ما يصل إلى أكثر من  60% من أنواع الحشرات (بحسب توقعات العلماء)،  بما في ذلك بعض أنواع البعوض.

أجريت العديد من الدراسات على مدار سنوات عدة على بكتيريا ولباكيا، من أجل إيجاد طرقِ يتم من خلالها توظيفها في مكافحة البعوض الناقل لفيروسات الانسان مثل زيكا والضنك وغيرها. تجدر الاشارة إلى أن بكتيريا ولباكيا لا تتواجد عادةً في بعوضة ايديس ايجبتي Aedes aegypti التي تقوم بنقل تلك الفيروسات. ولهذا كان لابد من تقنية لإدخال البكتيريا لهذه البعوضة. وقد أظهرت نتائج أبحاث البرنامج العالمي للبعوض أن إدخال بكتيريا ولباكيا إلى بعوضة ايديس ايجبتي يمكنه أن يقلل فرص انتقال تلك الفيروسات إلى الانسان. وقد أثبتت التجارب أن فيروس حمى الضنك بعد حقنه في البعوض الحامل لبكتيريا ولباكيا لم يكن قادرا على التكاثر. حيث قام الفريق الميداني بإطلاق ذكور واناث بعوضة ايديس ايجبتي التي تحمل بكتيريا ولباكيا على مدى عدة أسابيع، فيتكاثر هذا البعوض المصاب مع البعوض البريء، ومع مرور الوقت تتنامى أعداد البعوض الحامل للبكتيريا حتى تصل إلى أرقام مرتفعة بحيث لن يكون هناك حاجة لإطلاق مزيد من البعوض الذي تم ادخال البكتيريا له. فتساعد هذه البكتيريا على حماية المجتمعات المحلية من الأمراض التي ينقلها البعوض، ويكون ذلك دون أي خطر على النظم البيئية الطبيعية أو على صحة الانسان. هذه التجربة تم إطلاقها في بعض المناطق في استراليا.

هل يمكن الاستفادة من بكتيريا ولباكيا بطرق أخرى؟

هناك دراسات تعمل على فحص أمكانية إطلاق ذكور البعوض المصاب ببكتيريا الولباكيا إلى البيئة وعندما تتزاوج هذه الذكور المصابة مع الاناث الطبيعية ينتج عن هذا التزاوج بيوض غير قابلة للفقس وبالتالي فإن عملية التكاثر للبعوض تتأثر وتتناقص أعداده.  المشكلة في هذه الطريقة هي نفس المشكلة في الطرق الأخرى حيث ان الاطلاق المستمر للذكور مطلوب للحد من الاعداد فعند التوقف هناك احتمالية زيادة أعداد البعوض.

 

البريد الإلكتروني  أ.د. عبدالرؤوف على المناعمة:      elmanama_144@yahoo.com
البريد الإلكتروني روان حسن ريدة: rawaaan10001@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x