البلاستيك بمفهومة العلمي والكيميائي هو نوع من المواد التي يتم تصنيعها من مواد عضوية يأتي في مقدمتها الوقود الاحفوري مثل: النفط الخام، والغاز الطبيعي، والفحم إضافة إلى السليلوز والملح. ويعتبر البلاستيك مادة سهلة التشكيل وهي تتكون في الأساس من سلسلة من مواد تدعى البوليمرات، وهي مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكررة من الجزيئات. وتختلف خصائص البلاستيك تبعاً لنوعية وكيفية الترابط بين تلك البوليمرات.
يتركب البلاستيك من غاز الإيثلين العضويC2H4 وهو أحد مشتقات النفط الذي يدخل في صناعة أشهر أنواع البلاستيك حيث يشكل عنصر الكربون دورا فعالا في تكوين سلاسل البوليمر، كما يضاف إلى غاز الإيثلين مواد أخرى تتميز بخصائص الليونة، والمرونة، والشفافية حتى يتم تشكيل البلاستيك بشكل سهل. ولا يزال حتى الآن المصدر الوحيد تقريبا لتصنيع البلاستيك هو مكونات نفطية أجريت عليها ما يعرف بعملية البلمرة، أي إنتاج سلاسل كيميائية طويلة من وحدات متشابهة، والنتيجة عبارة عن مادة متينة ومعمرة جدا تتميز بمجموعة واسعة من الصفات التي يمكن السيطرة عليها؛ مثل المرونة، الشفافية، الليونة وغير ذلك.
ويعتبر البلاستيك واحدا من الاكتشافات الصناعية التي سهلت حياة البشر في المجتمعات المعاصرة، لكنها بالمقابل حملت معها الكثير من الأضرار وهي أضرار على الإنسان والبيئة لا تعد ولا تحصى ويأتي في مقدمتها أنه يحتوي في مكوناته الرئيسية على مادة الديوكسين التي لا تتفاعل مع الأكسجين أو المياه أو البكتيريا، وبالتالي يصعب تحللها. والديوكسينات هي من أكثر المواد الكيميائية العضوية السامة والتي لها أضرار كبيرة على صحة الإنسان، وتصنف من المواد المسرطنة حيث أنها تنتمي إلى مجموعة من الملوثات الكيميائية الخطرة تعرف باسم (الملوثات العضوية الثابتة)، والتي تثير قلقا بسبب قدرتها العالية على إحداث التسمم، حيث بينت التجارب والدراسات أن تلك المواد تؤثر في أعضاء وأجهزة الإنسان وبعد دخولها جسم الإنسان يكون استقرارها الكيميائي حيث يتم تخزينها في أعضاء الجسم ويتراوح عمر بقائها بين سبعة أعوام وأحد عشر عاماً.
كما يتميز البلاستيك بمقاومته للتحلل الإحيائي وغير الإحيائي في البيئة، فبعض أنواع البلاستيك تحتاج إلى نحو ألف عام لكي تتحلل، وإذا تم حرق النفايات البلاستيكية، ينتج عنها انبعاث لعدد كبير من الغازات والمركبات الخطيرة والضارة بصحة الإنسان والبيئة.. فمنذ أن اخترع البلاستيك وحتى الآن، شكّلت مخلفات البلاستيك مشكلة بيئية معقدة كانت لها تأثيراتها السلبية على كافة الكائنات الحية سواء كان هذا التأثير ماديا مباشرا أو كان تأثير كيميائيا بسبب إطلاق بعضها لمواد سامة. ولقد أدى تراكم المواد البلاستيكية الغير قابلة للتحلل في التربة، إلى تلوث التربة، وفقدانها لخصوبتها على المدى الطويل، نتيجة لتراكم مادة الديوكسين فيها، ومنع النباتات والأعشاب من أخذ ما تحتاجه من المغذيات.
إن المخلفات البلاستيكية تمثل عبئًا كبيرًا على النظم البيئية، ببساطة لأنها غير قابلة للتحلل، مما يعني أنها تظل باقية ولا تتحلل، فتتراكم فوق بعضها البعض وتشكل على المدى الطويل مشكلة كبيرة للبيئة. كل تلك الأضرار البيئية والصحية دفعت أنصار البيئة والعلماء، إلى المطالبة بإيجاد أنواعا جديدة من البلاستيك، قادرة على التحلل بيئيا ولا ينتج عنها مخلفات على المدى الزمني الطويل نسبيا.
لهذا ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، يسعى الباحثون إلى الحصول على بديل مناسب عن البلاستيك التقليدي المصنوع من النفط الخام، وذلك من خلال إجراء التجارب على بعض أنواع النباتات كالذرة والقمح والبطاطس وقصب السكر حيث يتم الحصول على النشا والسكريات والسليلوز، وبواسطة بعض المعالجات الحيوية مثل البكتيريا، والكيميائية والاتجاه إلى ما يعرف باسم (البلاستيك الحيوي Bioplastics).
وقد نشر في السنوات الأخيرة عدد من الأبحاث والتطبيقات في مجال إنتاج البلاستيك من النباتات ومشتقاتها ومنها تطبيقات تحويل قشور البطاطا إلى نظارات شمسية أو تحويل علبة من السكر إلى ماص صدامات السيارة، إلا أن جميع الطرق المتبعة في التحويل في الوقت الحاضر لا تزال في بداياتها وبالتالي لا تزال غير مثالية. فالقليل فقط من السكر يمكن تحويله إلى نواتج قيّمة.
إن فكرة إنتاج البلاستيك الحيوي تتلخص في أن نأخذ الجزيئات التي تنتجها الكائنات الحية وأن نجري عليها عملية البلمرة التي ينتج عنها البلاستيك. ميزة هذه المواد أنها، في معظم الحالات، يمكن أن تتحلل بيولوجيا بشكل كامل بواسطة الكائنات الحية الدقيقة؛ وفي نهاية المطاف ينبعث إلى الهواء جزيئات ثاني أكسيد الكربون والماء.
لكن في المقابل فان العيب الرئيسي في استخدام البلاستيك القابل للتحلل البيولوجي يتعلق بالتحكم في عملية التحلل نفسها. فإذا ما وصل هذا البلاستيك إلى مكب النفايات العادية، ودفن تحت أكوام القمامة، بحيث تصبح بيئته لا هوائية، أي عديمة الأكسجين؛ فعندئذ، في مثل هذه الظروف، ستتحلل المواد العضوية بواسطة البكتيريا، لينبعث نتيجة ذلك غاز الميثان الذي يعتبر من غازات الدفيئة السامة والقابلة للاشتعال ويتسبب بأضرار أكبر بكثير من ثاني أكسيد الكربون. وبما أن البلاستيك العادي لا يتحلل بتاتا، فقد يقول البعض بأن ضرره على البيئة أقل من البلاستيك البيولوجي.
إن الطريقة الوحيدة للاستفادة من مزايا البلاستيك القابل للتحلل تكمن في فصله عن النفايات غير العضوية والتعامل معه في مكب نفايات متحكم به، هذا الشرط يقيد بشكل جدي استخدام هذا النوع من البلاستيك، لأن مثل هذه المنشآت غير متوفرة حاليا للجميع، وهي تستلزم فصلا صارماً جدا لأنواع النفايات. وفي هذا الاتجاه برزت في الآونة الأخيرة الجهود البحثية التي يقوم بها علماء كيمياء البوليمرات للحصول على البلاستيك الحيوي القابل للتحلل بحيث لا يضر في البيئة عند تحلله، ومن تلك الجهود البحثية ما توصل إليه علماء كيمياء البوليمرات في جامعة ولاية كولورادو في الولايات المتحدة، حيث حققوا خطوة جديدة في إنتاج بلاستيك عالي الكفاءة وقابل للتجدد والتحلل الحيوي.
جاء ذلك في الدراسة التي نشرتها المجلة العلمية المرموقة Nature Communication . تتحدث الدراسة عن إنتاج بوليمر يسمى بولي 3 هيدروكسيبيورات البكتيري Bacterial Poly 3-hydroxy butyrate (P3HB)، وهو عبارة عن مادة حيوية تنتجها البكتيريا والفطريات والكائنات الدقيقة الأخرى، وهو في المقام الأول نتاج امتصاص الكربون من (الجلوكوز أو النشا). كما أنه ينتمي إلى البوليميرات التي نالت اهتمام الباحثين في الحصول على البلاستيك الحيوي.
تقول الدراسة في ملخصها أن هذا البوليمر عبارة عن مادة بلّورية تمتلك خصائص مناسبة لاستبدال البلاستيك البترولي، ولكن التكاليف المرتفعة وحجم إنتاجها المنخفض وغير العملي للتطبيقات السلعية قد يعوق انتشار استخدامها. وحسب ما جاء في الدراسة فإن البولي 3 هيدروكسيبيورات البكتيري يعتبر مركبا واعدا بديلا عن البلاستيك التقليدي في الاستخدامات الصناعية المختلفة، إضافة إلى إمكانيات استخدامه في التطبيقات الطبية والحيوية.
كما ذكر الباحثون في بحثهم المنشور إنهم قاموا باستخدام مادة أولية تسمى (ساكسينات Succinate –) وهي صورة من حمض الساكسينيك Succinic Acid الذي ينتج عن تخمر الجلوكوز ويتصدر القائمة التي أصدرتها وزارة الطاقة الأمريكية والتي تتضمن 12 مادة حيوية يمكن أن تحل محل المواد الكيميائية المستخلصة من الوقود الاحفوري. ويعتبر حمض الساكسينيك حمض ثنائي الكربوكسيل صيغته الكيميائية C4H6O، والتي يمكن كتابتها على الشكل C2H4(COOH)2 ويتواجد في الكهرمان ويمكن استخلاصه منه بالتقطير.
كما يمكن تحضير حمض السكسينيك بأساليب طبيعية بإجراء عملية تخمير من الكتلة الحيوية، أو بأساليب صناعية عن طريق هدرجة حمض المالييك أو أنهيدريد المالييك أو حمض الفوماريك باستخدام حفازات مختلفة مثل النيكل Ni أو النحاس Cu أو البالاديوم على كربونات الكالسيوم Pd-CaCO3).
وبهذه العملية يكون الباحثون في جامعة ولاية كولورادوا قد حققوا تقدما جديدا في مجال الحصول على البلاستيك الحيوي القادر على التجدد والتحلل ويكونوا أيضا قد ابتكروا طريقة جديدة لإنتاج بولي 3-هيدروكسيبيورات يشبه المركب البكتيري، لكن تمتاز الطريقة الجديدة بسرعتها وانخفاض تكاليفها ما يساعد في زيادة استخدامها. كما صمم الباحثون محفزات فعالة مكنتهم من إتمام عملية الإنتاج. وقد حصلوا بذلك على براءة اختراع مؤقتة مقابل هذه الدراسة التي شكلت خطوة متقدمة نحو إنتاج البلاستيك الحيوي القابل للتحلل.
المصادر والمراجع
البريد الإلكتروني للكاتب: abualihakim@gmail.com