يُعد ظهور الخطوط الرفيعة والتجاعيد من أبرز العلامات المرافقة للتقدم في العمر. ويبذل الكثير من الناس ما بوسعهم للوصول إلى طرق تخلصهم من علامات الشيخوخة التي لا مفر منها. واستعانوا بالطبيعة والمواد الكيميائية المصنعة، وحتى واحدة من أكتر المواد سمّية على الإطلاق، من خلال حقن البوتوكس (Botox). يطلق لفظ بوتوكس على العلامة التجارية للعلاج التجميلي، بينما العنصر النشط في الحقن هو سم البوتيولينيوم (Botulinum toxin)، الذي تنتجه بكتيريا المطثية الوشيقية (Clostridium botulinum). وتفُوق سمية “سم البوتيولينيوم " سمية "سم الكوبرا" بسبعة ملايين مرة. ويكفي نصف لتر من سم البوتيولينيوم النقي لقتل جميع من على هذا الكوكب.
بكتيريا المطثية الوشيقية هي بكتيريا لا هوائية موجبة الغرام، تمتاز بقدرتها على تكوين الأبواغ المقاومة للحرارة والمنتشرة على نطاق واسع في البيئة. عند غياب الاكسجين. تتجرثم هذه الأبواغ وتصبح قادرة على انتاج سبعةِ انواعٍ مختلفة من سموم البوتيولينيوم. تتسبب أربعةُ أنواع منها (A،B،E،F) في التسمم البشري، بينما تسبب الأنواع (C،D،E) أمراضاً في الثدييات الأخرى والطيور والأسماك. يتم ابتلاع سموم البوتيولونيوم من خلال الطعام غير المعالج بطرق سليمة؛ بحيث تنجو البكتيريا وأبواغها، ثم تنمو وتنتج السموم. ويمكن أن يكون التسمم البشري أيضا بسبب العدوى المعوية ببكتيريا C. botulinum في الرضع، وكذلك التهابات الجروح، أو عن طريق الاستنشاق.
تقوم البكتيريا بإنتاج السم لأغراض مختلفة منها تدمير الأنسجة المحيطة، مما يسمح لها بالتغذية وبالتوسع واستعمار مناطق أخرى. أما في الإنسان، يؤثر سم البوتيولينيوم على الأعصاب، فيوقف إطلاق الإشارات الكيميائية من النهايات العصبية. وهذا يعني أنه لا يمكن تمرير الإشارات العصبية إلى الخلايا المجاورة، سواء كانت خلايا عصبية أخرى أو خلايا عضلية مسبباً شلل ارتخائي. يمكن أن تظهر أعراض التسمم الغذائي بعد بضع ساعات أو بضعة أيام من تناول الطعام الملوث. وتبدأ بتدلي العيون، شلل في الوجه وصعوبة في البلع. كما أن انتشار السموم يوقف الرسائل التي يتم إرسالها إلى العضلات اللاإرادية التي تتحكم في التنفس، فيقتل سم البوتيولينيوم ضحاياه عن طريق الاختناق.
إذا كيف لسم قاتل أن يستخدم في الطب أو التجميل؟
قد تكون هناك بعض الفوائد الإيجابية لهذا التأثير الدرامي الخاص بُسم البوتيولينيوم على الأعصاب. فلأغراض التجميل مثلا، يمكن استخدامه لتخفيف خطوط الوجه والتجاعيد، مثل تلك التي تتشكل بين الحاجبين، او على الجبين، وحول العينين. كما أنه يعطي الجلد مظهر أكثر سلاسة من خلال استرخاء العضلات في المنطقة التي يتم حقنها.
ولا تقتصر استخدامات سم البوتيولينيوم على أمور التجميل فحسب، بل يستخدم طبياً لعلاج تشنجات العضلات. بحيث تُوصف جرعة منه للأشخاص الذين يعانون من تقلص العضلات المؤلمة والدائمة، فتقوم بوقف الإشارات العصبية التي تصل إلى العضلات، مما يؤدي إلى استرخائها. كما أن سم البوتيولينيوم يستطيع معالجة حَوَل العينين (Strabismus)، من خلال استرخاء العضلات والعمل على تسوية العينين. ولكن هذا الإصلاح غير دائم، فبعد 6 شهور، يختفي التأثير وذلك لأن الجسم يكون قد استبدل الإنزيمات التي قام سم البوتيولينيوم بتثبيتها، ولهذا تكون هناك حاجة لسلسة أخرى من الحقن. وقد تم اعتماد سم البوتيولينيوم في السنوات الأخيرة لعلاج الصداع النصفي المزمن (Chronic migraines). واستخدم أيضا لمعالجة التعرق المفرط، من خلال شل الأعصاب التي تحفز الغدد العرقية. ويستخدم سم البوتيولينيوم لعلاج فرط نشاط المثانة (Overactive bladder).
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من سُمية "سم البوتيولينيوم" الكبيرة، الا أنه آمن للاستخدام، لأن ما يتم استخدامه في الحقن، هي كميات صغيرة جداً من سم مخفف للغاية. كما أن عبوات سم البوتيولينيوم المستخدمة في العيادات والمستشفيات تكون معبئة بحيث لو تم حقن عبوة كاملة في المريض، فإنها لن تكون جرعة قاتلة. كما أن بيع واستخدام هذه العبوات يخضع لقوانين تنظيمية صارمة. وتشمل الآثار الجانية لاستخدام سم البوتيولينيوم: ألم في الوجه، صداع، ضعف العضلات في موقع الحقن، غثيان، احمرار في الجلد، لسع في مكان الحقن.
البريد الإلكتروني أ.د. عبدالرؤوف على المناعمة: elmanama_144@yahoo.com
البريد الإلكتروني روان حسن ريدة: rawaaan10001@gmail.com