القضايا المرتبطة بالإعلام الجديد من وجهة نظر علم الاجتماع
سماح محمد الحمود الغامدي
الكاتب : د. محمد أغر ناهض الريس
باحث علمي أول
08:07 مساءً
29, أبريل 2018
يشهد عالم الطب ثورة قد تغير وجهه الذي اعتدنا عليه إلى الأبد، فمازال مريض اليوم كمريض الأمس يعود الطبيب ليشخّص سبب مرضه و يصف له العلاج المناسب لمثل حالته. ولكن مريض غد القريب سيعرف فرصة اصابته بمرضه قبل أن يلمّ به (والعلم عند الله أولاً وآخراً) كما سيوصف له دواء خاص به قد يكون مختلفاً عما يوصف لمريض آخر يعاني المرض نفسه.
لم يعد الأمر خيالاً علمياً كما كان عليه الحال قبل بضع سنوات بل أصبح واقعاً نعيشه الآن عن طريق شخصنة العلاج أو ما يعرف بـ (personalized medicine)، فما هو وماذا يحمل في طياته؟ ما نحن عليه هو حصيلة عاملين أساسيين يعملان جنباً إلى جنب، الأول هو الاستعداد الوراثي المكتوب في الشفرة الوراثية أو (DNA) والآخر هو البيئة المحيطة التي تتضمن الغذاء وأسلوب الحياة والتلوث البيئي والضغوطات النفسية وغيرها من العوامل التي تتفاعل مع المادة الوراثية لتخرجنا بالشكل الذي نحن عليه بما فينا من صفات كالشكل والطول والذكاء والأمراض التي عانينا أو تلك التي سنعاني منها في المستقبل.
قد سمحت الثورة التقنية التي شهدناها مؤخراً بفكّ الشفرة الوراثية الكاملة للأشخاص بزمن وتكلفة يسيرين حتى بات المستقبل الصحي للأفراد كتاباً مفتوحاً يستطيع المختصّ أن يستخلص منه الأمراض التي قد تلمّ بهم إذا اتّبعوا أسلوب حياة معين، والتي قد يتجنبها هؤلاء إذا غيروا أسلوب حياتهم بشكل يتلاءم مع استعدادهم الوراثي. فإذا حمل أحدهم مجموعة طفرات وراثية تتفاعل مع الغذاء الغني بالدهون على سبيل المثال والذي قد يؤدي إلى أمراض القلب والشرايين المبكرة فإن معرفة هذه المعلومات وأخذ أدوية معينة تنسجم مع تلك الطفرات (أو شخصنة العلاج) قبل الاصابة بتلك الأمراض بالإضافة إلى الابتعاد عن تلك الأطعمة يؤديان إلى وقاية الفرد من تلك الأمراض. أما في حالة علاج الأمراض المستعصية فقد مكّن فك الشيفرة الوراثية للورم الخبيث عند بعض مرضى السرطان ومقارنتها بالشفرة الوراثية للأنسجة السليمة من تحديد الطفرات المسببة للسرطان في كل مريض على حدة ليعطي دواءً خاصاً به دون غيره. وهناك بعض الحالات التي تم شفاؤها بتلك الطريقة بعدما وصلت مراحل ميؤوسا منها.
وعليه عمدت بعض الدول إلى فك الشيفرة الوراثية لمواطنيها أو لجزء منهم بهدف معرفة ماهية الأمراض التي تهدد مجتمعاتهم ثم تقديم النصائح التي ستخفف من انتشار تلك الأمراض والوقاية منها بالإضافة إلى إعطاء أدوية معينة كل حسب سجله الوراثي. أولى تلك الدول كانت أيسلندا التي قامت بفك الشيفرة الوراثية ل 1% من مواطنيها ثم تبعتها دول أوروبية أخرى. وجاءت دولة قطر أولى الدول العربية ليحتل مشروعها لفك الشيفرة الوراثية الصدارة كونها الدولة الأولى التي تخطط لفعل ذلك لكامل مواطنيها.
قد يبدو الأمر رائعاً للأجيال القادمة التي ستشهد انخفاضا في نسب انتشار العديد من الأمراض ولكن ما يشغل بال العديدين هو الخوف من أن تصبح تلك المعلومات الخاصة جداً في متناول شركات التأمين التي قد تستخدمها لرفض تغطية علاج البعض لمعرفتهم طبيعة مرضهم قبل اصابتهم كما أن الخوف يكمن أيضا في حصول الأجهزة المخابراتية على تلك المعلومات بطرق شرعية أو غير شرعية حتى يصبح أغلى ما يملك المرء في متناول أيديهم يستغلونه كيفما يخططون.
قد يكون المستقبل واعداً ولكنه مخيف إلى حد بعيد فلعلّ المرء أفضل حالاً من غير الثورة التكنولوجية والطبية التي سلبته خصوصيته أو لعله تعلم كيف يستغل تلك النعم دون أن يتصرف بطمع وأنانية لتعمّ الصحة على الجميع. لاشكّ أن المستقبل القريب سيكون الشاهد على أي الطريقين سيسلك الإنسان رغم أن التاريخ والحاضر جعلا الإجابة واضحة وضوح الشمس.
البريد الإلكتروني للكاتب: maelrayess@hotmail.com
الكلمات المفتاحية