الاقتباس في النشر العلمي
تعتمد الكتابة العلمية واﻹﻧﺘﺎج الفكري واﻷكادﻳﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎدر معرفية مختلفة ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ويقتبسها اﻟﻤﺆﻟﻒ أو الباحث ﺑﻐﺮض دﻋﻢ أﻓﻜﺎره واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ توصل إﻟﻴﻬﺎ. والاقتباس بمعناه اللغوي يعني النقل من المصدر، وهناك عدة أنواع من الاقتباس منها الاقتباس المباشر والاقتباس غير المباشر والاقتباس الجزئي وإعادة الصياغة. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن الاقتباس واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﺼﺎدر المعرفية أﻣﺮ طبيعي في الكتابة والنشر العلمي وﻟﻜﻦ من ﻏﻴﺮ المقبول أﻻ ﻳﻘﻮم اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺑﺬكر ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺼﺎدر عند الاقتباس منها.
منذ فترة غير بعيدة ومع الطفرة الهائلة في النشر العلمي الإلكتروني وتكنولوجيا المعلومات وتوفر قواعد البيانات العلمية خاصة للإنتاج العلمي المنشور باللغة الانجليزية، ظهرت برامج الكشف عن الاقتباس وأصالة الإنتاج العلمي والتي أطلق عليها باللغة الإنجليزيةPlagiarism software بينما في معظم البلدان العربية أطلق عليها برامج كشف السرقات الأدبية (الانتحال أو الاستلال) !!!
الاقتباس بين الأصالة والسرقة (الانتحال)
في الوقت الحالي هناك العديد من البرامج الالكترونية Plagiarism software (بعضها مجاني والآخر غير مجاني) للكشف عن أصالة المؤلفات ونسب الاقتباس في الإنتاج الفكري والعلمي المنشور باللغة الانجليزية على مستوى العالم. واتجهت مؤخرا العديد من الجامعات العالمية والمؤسسات البحثية إلى توفير بعض البرامج الفعالة وغير المجانية مثل ithenticate and turnitin للباحثين والمؤلفين بغرض التقليل ما أمكن من نسب الاقتباس في الإنتاج العلمي. وفي البداية دعونا نتطرق إلى المسمى الذي أطلقه الغرب على مفهوم الكشف عن الاقتباس وأصالة الإنتاج العلمي وهو Plagiarism وكذلك المسمى الذي أطلق على البرامج الالكترونية الخاصة بالكشف عن أصالة الإنتاج العلمي وهو Plagiarism software
نجد أن ترجمة كلمة Plagiarism في معاجم اللغة العربية هو الادِّعَاء أو الانتحال أو القرصنة الأدبية، إلا ان كلمة Plagiarism في معاجم اللغة الإنجليزية (وهي اللغة الأصلية للكلمة) لها معاني أخرى مثل الاقتراض borrowing على سبيل المثال. ونحن هنا لسنا في صدد تعريف الكلمة في اللغات المختلفة أو التطرق إلى الانتحال أو السرقة الأدبية أو الاقتباس غير المرغوب فهناك العديد من المقالات التي تطرقت إلى هذه الموضوعات. لكن نحن نتطرق إلى مضمون هذه الكلمة والمقصود منها في عملية النشر العلمي. في معظم البلدان العربية تعرف هذه البرامج الالكترونية Plagiarism software ببرامج الكشف عن السرقات الأدبية وهو تعريف أخرج هذه البرامج عن السياق الرئيسي والذي ابتكرت من أجلة ألا وهو الكشف عن الأصالة في الإنتاج العلمي وليس السرقة فقط.
لو أخذنا المسمى الذي أطلق على هذه البرامج Plagiarism software في معظم البلدان العربية بالمعنى الحرفي له ألا وهو الكشف عن السرقة فنحن أمام مهمة مستحيلة وغير منطقية للمؤلفين حيث يجب في هذه الحالة أن تكون نسبة الاقتباس (نسبة السرقة في هذه الحالة بناء على مسمى البرنامج) في مؤلفاتهم صفر ويجب أن لا تتعدى الصفر لأن أي قيمة أعلى من الصفر (بناء على مسمى البرنامج) ستعتبر سرقة!!! وفي هذه الحالة أيضا فإن المؤلف الذي يستطيع أن يصل إلى القيمة صفر في نسبة الاقتباس ليس في حاجة إلى ذكر قائمة للمراجع في إنتاجه العلمي نهائيًا!! هذا طبعا لا يحدث في الواقع إلا أنه في الغالب يَترك للمؤلف نسبةً معينة للاقتباس (أو للسرقة والانتحال بناء على مسمى البرنامج) تختلف هذه النسبة من جامعة إلى أخرى ومن مؤسسة بحثية إلى أخرى!!!
من الطريف في الأمر أيضا وكما ذكرنا سابقا فإن الجامعات والمؤسسات البحثية واللجان العلمية للترقية تترك للباحث عند نشر الأوراق البحثية نسبة معينة (في غالب الأحيان من 20% إلى 25%) للاقتباس (للسرقة الأدبية أو الانتحال بناء على مسمى البرنامج) كما تترك المؤسسات الداعمة للبحث العلمي والدوريات العالمية نسباً أقل من ذلك. فإذا تخطى المؤلف أو الباحث هذه النسبة فيعتبر المؤلف أو الباحث (بناء على مسمى البرنامج) سارقاً ومنتحلاً وإذا لم يتخطى المؤلف هذه النسبة فكانت نسبة الاقتباس لدية أقل من النسبة المشترط ألا يتخطاها فهو في هذه الحالة برئ من تهمة السرقة!!!
بفحص الموقع الإلكتروني العربي لبرنامج turnitin (turnitin.com/ar/) وهو البرنامج الأكثر استخدامًا في الكشف عن الاقتباس في العالم نجد أن البرنامج لم يذكر في موقعة أي إشارة إلى السرقة أو الانتحال بل يتطرق إلى فحص أصالة الأعمال المقدمة للفحص.
النقطة الأخيرة في هذا السياق وهي سؤال هام، وهو هل الهدف من استخدام هذه البرامج الالكترونية هو:
- الكشف عن السرقات العلمية؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فإنه من المنطقي اعتبار أي نسبة تتعدى الصفر يجب أن تعتبر سرقةً علمية أو انتحالاً!! وفي هذه الحالة فأكاد أجزم بأن الإنتاج المعرفي العالمي بصفة عامة سوف يعتبر مسروقاً أو منتحلاً.
- الكشف عن الأصالة وتقليل نسبة الاقتباس غير المرغوب ؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فلا داعي مطلقا لتعريف هذه البرامج ببرامج الكشف عن السرقات أو الانتحال ولنعرفها بالمسمى الذي ابتكرت من أجلة وهو الكشف عن الأصالة في الإنتاج العلمي والعمل على رفع جودة الكتابة العلمية.
الواقع العشوائي للكشف عن الاقتباس في العالم
إن برامج كشف الاقتباس للإنتاج العلمي المنشور باللغة الانجليزية Plagiarism software كثيرة ومتنوعة وتختلف في طريقة العمل والفحص والفلترة إلا أن معظم البرامج المجانية المتاحة لكشف الاقتباس في الإنتاج العلمي نتائجها دون المستوى باعتراف معظم الباحثين على مستوى العالم. فليس من الغريب أنه عند الكشف عن الاقتباس بأحد البرامج تكون نسبة الاقتباس مختلفة تمام عن نسبة الاقتباس التي تظهر في برنامج آخر وذلك لنفس الورقة البحثية أو المنتج المعرفي!! بالنسبة للإنتاج المعرفي المنشور باللغة العربية، فنظرا لعدم وجود قواعد بيانات تشمل الإنتاج العلمي العربي فإن عملية كشف الاقتباس للأعمال الفكرية باللغة العربية هي عملية غير قابلة للتنفيذ واقعيًا في الوقت الحالي وحتى تتوفر قواعد بيانات عربية شاملة للإنتاج العلمي والفكري العربي القديم والحديث. وهنا فنحن أمام عملية غير عادلة مطلقاً، فالباحثون والمؤلفون الذين يقدمون أوراقاً بحثية أو مقترحاتٍ بحثيةٍ باللغة العربية لا تتعرض أعمالهم إلى عملية كشف الاقتباس بنفس المستوى الذي تتعرض له الأعمال المقدمة باللغة الإنجليزية!!
تعتبر برامج ithenticate and turnitin غير المجانية للكشف عن الاقتباس هي البرامج الأهم والأكثر استخدما للكشف عن الاقتباس في الدوريات العلمية والجامعات على مستوى العالم للإنتاج العلمي المكتوب باللغة الانجليزية. وعلى الرغم من استخدام تلك البرامج حاليًا في معظم انحاء العالم كأداة فعَّالة للكشف عن الاقتباس إلا ان المتمرسين على استخدام تلك البرامج يعلمون جيدا أنه يمكن تغيير معايير الفحص والفلترة داخل البرنامج الواحد في كل مرة يتم فيها الفحص. فيمكن للفاحص المستخدم لتلك البرامج ضبط معامل الفلترة داخل البرنامج للكشف عن 5 كلمات متتالية أو 7 كلمات متتالية أو 20 كلمة متتالية وهكذا. وبالتالي فإنه كلما زادت عدد الكلمات المتتالية المستخدمة في عملية الفلترة كلما قلت نسبة الاقتباس التي يكتشفها البرنامج والعكس صحيح.
وهنا فإننا أمام علامات استفهام كثيرة حول:
- ما هو البرنامج المستخدم في فحص الاقتباس.
- الأمانة العلمية والحيادية ومهارة استخدام البرنامج والالمام بكل إمكانياته في الفحص التي يجب توفرها في الفاحص.
- استخدام البرامج دون إيضاح كافي للمؤلفين عن المعايير المستخدمة في الكشف عن الاقتباس والأصالة العلمية!!
تقوم بعض الدوريات التابعة لدور النشر العالمية مثل Elsevier, Springer and Wileyبالكشف عن الاقتباس في الأوراق البحثية قبل تحكيم وتقييم تلك الأوراق البحثية. والواقع أن كثيراً من الدوريات تقبل أوراقاً بحثية للتحكيم على الرغم من احتواء تلك الأوراق البحثية على نسبِ اقتباسٍ عاليةٍ جدا قد تصل إلى 80% في بعض الأحيان حيث تعيد تلك الدوريات الأوراق البحثية للمؤلفين لتقليل نسب الاقتباس قبل التحكيم. من ناحية أخرى فأن دورياتٍ عالميةً كثيرةً لا تقوم بعملية فحص الاقتباس من الأساس.
نحو آليات عالمية موحدة للكشف عن الاستلال
مما سبق يتضح أن عملية الكشف عن الاقتباس على مستوى العالم في الوضع الراهن هي عملية عشوائية تختلف خياراتها وظروفها من مكان إلى آخر، ويعتريها الكثير من التساؤلات. وهنا يجب أن تتكاتف جهود الجامعات والمؤسسات العلمية وكذلك دور النشر على مستوى العالم لوضع آليات موحدة للكشف عن الاقتباس وحتى تصبح عملية الكشف عن الاقتباس عملية عادلة لجميع المؤلفين في المقام الأول، ومن هنا فإن من الأهمية بمكان ان يتم:
- توحيد البرنامج المستخدم في الكشف عن الاستلال (نظرا لكثرة البرامج واختلاف نتائجها).
- توحيد أجزاء الورقة البحثية أو المقترح البحثي التي سيتم الكشف عن الاستلال بها (فمن المفترض ان لا يتم الكشف عن الاستلال في قائمة المراجع على سبيل المثال)
- توحيد خيارات ومعاملات الفحص والفلترة المستخدمة في الكشف عن الاقتباس.
- توحيد نسب الاقتباس المسموح بها في جميع الدوريات العلمية والمؤسسات البحثية على مستوى العالم.
- اتاحة البرنامج المستخدم في الكشف عن الاقتباس للباحثين والمؤلفين بصورة مجانية ما أمكن.
عند توفر الشروط السابقة وفي هذه الحالة فقط يمكن التخلص من العشوائية الحالية من حيث المعنى والمضمون في الكشف عن الاقتباس في النشر العلمي.
هذا وبالله التوفيق
البريد الإلكتروني للكاتب: hassanienmohamed@hotmail.com