مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ورحل العبقري صاحب الكرسي ستيفن هوكينغ

الكاتب

الكاتب : الصغير محمد الغربي

صحفي علمي

الوقت

01:11 مساءً

تاريخ النشر

15, مارس 2018

قبل بزوغ فجر يوم الرابع عشر من مارس 2018 انطفأ أكثر النجوم لمعانا في سماء الفيزياء الفلكية والعلم بصفة عامة خلال العقود الخمسة الماضية نجم عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ عن عمر يناهز 76 عاما. أفل نجم هوكينغ صاحب الكرسي المتحرك بعد نصف قرن من العطاء العلمي المتميز الذي أصبحت بفضله البشرية أكثر فهما للكون وأكثر قربا للعلم أيضا بفضل كتبه ذائعة الانتشار. ذاع صيته بفضل أعماله حول الثقوب السوداء، وعلم الكونيات وبفضل نوعية كتبه ذات الانتشار الواسع حول نفس المواضيع.

ولد ستيفن وليام هوكينغ في 8 يناير 1942 في أكسفورد، لعائلة مثقفة، فأبوه كان عالم بيولوجيا بينما درست أمه الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وعرفت عائلته بالذكاء والنبوغ. ويروى أن اجتماع العائلة حول مائدة الطعام يكون في صمت مطبق لانغماس كل فرد من أفرادها في قراءة كتاب. وقد نشأ ستيفن محبا للرياضيات متأثرا بأحد أساتذته في المدرسة ولقب لذلك بأينشتاين قبل أن يلتحق بجامعة اكسفورد ثم بجامعة كامبريدج لدراسة هذا المجال العلمي المحبب لديه. لكن حبه للرياضيات قاده فيما بعد إلى مجال علمي آخر وهو علم الكونيات والفيزياء الفلكية.

لكن الشاب العبقري كان يعاني من ضمور الأعصاب نسبت إلى التصلب الجانبي الضموري (ALS). وهذا المرض يؤدي إلى الشلل التام ثم الوفاة عادة في غضون بضع سنوات، وقد ظهر لدى هوكينغ في عام 1963 وهو في بداية العشرينات من عمره. وقد رغب هوكينغ، عندما كان طالبا في جامعة كامبريدج، في التعمق في دراسة علم الكونيات على يد العالم الشهير فريد هويل، أحد أهم علماء الفيزياء الفلكية خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، والمعارض الشرس لنظرية الانفجار العظيم. لكن آماله تبددت بعد تعيين أستاذ آخر أقل شهرة للإشراف على أطروحته وهو وليام دينيس سياما. وكان لقاؤه بجين وايلد وزواجه منها في عام 1965 إضافة إلى نمو مرضه بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا من الحوافز الهامة التي مكنته من الحصول على شهادة الدكتوراه في عام 1966 ونشره مقالات مدوّية حول حدوث التفردات (التفرد الجاذبي أو الثقالي هو موقع في الزمكان يصبح فيه مجال جاذبية الأجرام الفلكية لانهائي) في علم الكونيات النسبي.

وقد تزامنت أعمال هوكينغ البحثية مع اكتشاف الكوازارت وإشعاع الخلفية الكونية من طرف كوازيس بينزياس وويلسون في عام 1965 وهو ما فند نظرية هويل للكون الثابت وأمال الكفة لصالح نظرية الانفجار العظيم التي روج لها جورج لوماتر وجورج غامو وغيرهم. وكان لهوكينغ تأثير عميق في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات خلال سبعينات وثمانينيات القرن الماضي. وتوصل إلى اكتشاف إشعاع الثقوب السوداء في عام 1974 وتطوير العديد من الجوانب الهامة لنظرية التضخم الذي شهده الكون بُعَيْد الانفجار العظيم في الثمانينات. وأدت جميع هذه الأعمال إلى وضع نموذج فلكي في عام 1983، يعرف عالمياً اليوم باسم نموذج Hartle-Hawking. حاول من خلاله العالمان تفسير ما جرى خلال المرحلة الأولى من نشأة الكون وقبل زمن بلانك (أي خلال 10 -43 ثانية الأولى من عمر الكون) عندما كانت الجاذبية الكمية تسيطر على الكون.

ويقاس تصميم ستيفن هوكينغ وقدرته الفكرية من خلال حقيقة أن إنجازاته العلمية قام بها وقد أصابه الشلل الناجم عن مرض التصلب الجانبي الضموري، وأصبح غير قادر على تناول الطعام أو مغادرة سريره دون مساعدة واستمرت حالته بالتدهور حتى تأثرت قدرته على النطق إلى أن بات عاجزا تماما عن الكلام في عام 1985. ثم أصيب بعد ذلك بالتهاب رئوي، اضطر على إثره الأطباء لثقب قصبته الهوائية لإنقاذ حياته. واعتمد هوكينغ منذ أواخر الثمانينات حتى وفاته على جهاز حاسوب للتواصل مع المحيطين به.

لم يكن ستيفن هوكينغ عالما متميزا في مجال علم الكونيات والفيزياء النظرية فقط بل كان إلى جانب ذلك كاتبا علميا فذا عُرف بأسلوبه السلس في تبسيط أعقد النظريات العلمية وجعلها في متناول القراء غير المختصين. وكان كتابه الأول "تاريخ موجز للزمن" الذي نشره في عام 1988 وظل في قائمة أكثر الكتب مبيعا في بريطانيا والولايات المتحدة لما يزيد عن 4 سنوات وترجم إلى أكثر من 35 لغة، وكتاب "الكون في قشرة جوز" الذي نشر عام 2001 وحاز على جائزة "أفنتيس" لكتب العلوم. كما كتب هوكنغ بالتعاون مع ابنته لوسي خمس روايات خيال علمي للأطفال صدر آخرها قبل سنتين.

في مقابل ذلك فقد لاقت أعمال هوكينغ العلمية تقديرا واسعا في الأوساط العلمية تجلى خاصة في تعيينه عضوا بالجمعية الملكية في العام 1974 ليكون بذلك أصغر العلماء الذين انضموا إليها. كما شغل بين سنتي 1979 و2009 كرسي الرياضيات المرموق في جامعة كامبريدج وهو الكرسي الذي شغله من قبل علماء كبار مثل إسحاق نيوتن وبول ديراك. ورغم كونه لم يحصل على جائزة نوبل إلا أنه فاز بالعديد من الجوائز العلمية الهامة مثل جائزة وولف في الفيزياء وقلادة ألبرت أينشتاين وغيرها.

لم يخسر العالم واحدا من أعظم العقول في عصرنا، ولكن أيضا رجلا ملهما بالصبر وروح التحدي. وعندما سأله صحفي ذات مرة ما الذي ألهمه على الاستمرار، أجاب الفيزيائي الشهير: "عملي وشعور الفكاهة". وأضاف "من المهم أيضا ألا تغضب، مهما كانت الحياة صعبة، لأنك يمكن أن تفقد كل الأمل إذا لم تستطع أن تضحك على نفسك وعلى حياتك بشكل عام". وقوله عن نفسه " أنا مجرد طفل لم يكبر، ما زلت أتساءل "لماذا" و"كيف"، وأحياناً.. أجد الإجابة."

من المصادفة أن يكون تاريخ ميلاد هذا الرجل يوافق ذكرى وفاة العالم الإيطالي الكبير غاليلي وتاريخ وفاته يوافق ذكرى ولادة اينشتاين. وكأن مشاعل العلم تنتقل من عالم لآخر.

 

البريد الإلكتروني للكاتب: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x