عالم واسع وغير مرئي، لم نكن نعرف عنه شيئاً تقريبا قبل 100 عام، ومنذ اكتشاف هذه المخلوقات الدقيقة لم تتوقف عن إذهال البشر بقدراتها المتنوعة والرائعة التي مكنتها من استعمار معظم البيئات وأداء أدوارها المحورية على كوكب الأرض. كما أنها فتحت شهية البشر لترويضها والحصول على كنوزها المختلفة.
في هذه السلسلة من المقالات نتعرض لمجموعات متنوعة من البكتيريا والكائنات الدقيقة ذات القدرات الخاصة التي تميزها وتجعلها محط الاهتمام والدراسة.
تشكل الحركة أمراً ضرورياً للكثير من البكتيريا: فهي تحتاجها في أمور عدة، منها: البقاء، النمو، تكوين الأغشية الخلوية، التفاعلات داخل البكتيريا نفسها أو بين الأنواع الأخرى، كما تعتبر الحركة عاملاً من عوامل الضراوة لدى البكتيريا. وبسبب اختلاف البيئات الطبيعية للبكتيريا، نجدها تكيفت بصورة ملحوظة، من خلال تطويرها لاستراتيجيات فعالة للحركة على الأسطح المختلفة. بعض الأنواع مثل: Proteus mirabilis, Vibrio parahaemolyticus, Serratia marcescens , توظف السياط لتساعدها في الانتشار على الأسطح الرطبة في عملية تسمى Swarming. وأنواع أخرى مثل Pseudomonas aeruginosa و Neisseria gonorrhoeae، تستخدم لحركتها أهداباً من النوع الرابع Type IV pili في عملية تسمى الانتفاض Twitching.
أما هذه المجموعة من البكتيريا مثل Myxococcus xanthus , Flavobacterium johnsoniae , Phormidium uncinatum , تنزلق على الأسطح بطريقة غامضة تسمى الانزلاق Gliding. أحدثت البحوث تقدماً هائلاً في فهم حركة البكتيريا من خلال السباحة، ومن خلال swarming الذي تدعمه الأسواط، وكذلك الحركة الانتفاضية المرتكزة على النوع الرابع من الأهداب Type IV pili. بينما لا تزال المعلومات شحيحة حول الحركة الانزلاقية، وهذا ما سنحاول الحديث عنه بشيء من التفصيل في هذا المقال.
يتم تعريف الحركة الانزلاقية للبكتيريا على أنها انتقال سَلِس للخلايا على الأسطح من خلال عملية نشطة؛ أي تتطلب استهلاكاً للطاقة، لكنها لا تتطلب وجود السياط. وغالبا ما ينتج عن حركة البكتيريا بالانزلاق، مستعمرات ذات حواف رقيقة للانتشار. هذا النوع من الحركة شائعاً بشكل خاص في ثلاث مجموعات كبيرة، وهي: Myxobacteria , Cyanobacteria , ومجموعة Cytophaga-Flavobacterium . تعيش البكتيريا الانزلاقية في بيئات متنوعة مثل الفم البشري، ورواسب المحيطات، وتربة الحدائق.
يتحرك العديد من أعضاء شعبة العصوانيات (Bacteroidetes)، بما في ذلك بكتيريا F. johnsoniae, عن طريق الحركة الانزلاقية. ويتشابه شكل وحجم خلايا هذه البكتيريا مع بكتيريا M. xanthus. بينما تختلف عنها في سرعة انزلاقها؛ فهي أسرع منها بحوالي 50 مرة، كما أنها تتحرك على مدى أوسع من الأسطح. وفي بعض الأحيان، تقوم خلايا بكتيريا F. johnsoniae إلى جانب انزلاقها على طول محاورها, برفع إحدى نهاياتها على سطح الزجاج, ثم تدور أجسامهم الخلوية حول الطرف الآخر. أو تقوم بقلب أجسامها الخلوية. وقد تم افتراض بأن القوة الدافعة للبروتون proton motive force(PMF) هي مصدر الطاقة للحركة الانزلاقية لبكتيريا F. johnsoniae, ولكن لا تزال المحركات الانزلاقية غير محددة حتى الآن, يعود السبب جزئياً إلى أن هناك تداخلاً وظيفياً ملحوظاً بين المحركات الانزلاقية المفترضة, وبين قناة فريدة لإفراز البروتين, تعرف بالنظام التاسع للإفراز (T9SS), تقوم بإفراز بروتينات مثل SprB و RemA . على الرغم من عدم تحديد المحركات الانزلاقية لبكتيريا F. johnsoniae , إلا أنه يمكن رصد وظيفتها من خلال حركة كل من بروتين SprB و بروتين RemA , فقد أظهرت بعض الصور التي تم الحصول عليها باستخدام cryo-electron tomography أن بروتين SprB يشكل خيوطاً طويلة (150 نانومتر) تبرز من تركيب موجود تحت الغشاء الخارجي.
في إحدى الدراسات، تم استخدام الأجسام المضادة لبروتين SprB لتقوم بشد و ربط خلايا بكتيريا F. johnsoniae على شرائح زجاجية من خلال خيوط مفردة من بروتين SprB. وتبين أن الخلايا المربوطة دارت حول نقطة ثابتة وبسرعة زاويّة ثابتة (1 هيرتز). هذه الحركات الخلوية تعكس بصورة محتملة دوران الوحدات الحركية. وتشير هذه الملاحظة إلى أن المحركات الانزلاقية لبكتيريا F. johnsoniae تدور في مكانها. وعندما تم تعريض الخلايا المربوطة لوسط غذائي لزج، لوحظ أن سرعة دورانها ظلت ثابتة ولم تتغير، أي أن المحركات الانزلاقية لبكتيريا F. johnsoniae على ما يبدو تقوم بإنشاء عزوم دوران مختلفة (200–6,000 pN nm) على سرعة ثابتة، فهي تختلف عن المحرك السوطي لبكتيريا الاشريكية القولونية E. coliالذي يقوم بتقليل السرعة للحصول على عزم دوران اعلى.
ويتبقى الكثير لفهمٍ أعمق لهذا النوع من الحركة ولكن المؤكد أنها حركة من نوع فريد ويمكن للقارئ الكريم أن يشاهد هذه الفيديوهات ليدرك مدى روعتها.
فيدوهات توضح حركة البكتيريا الانزلاقية :
البريد الالكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com