المدرسة الشتوية العربية للفيزياء الفلكية هي مبادرة تدخل في إطار البرنامج الاستراتيجي للجمعية العربية الفلكية من أجل النهوض بالبحث العلمي في مجال الفلك في العالم العربي.
تهدف المدرسة إلى إعطاء الفرصة للطلبة والطالبات من الدول العربية للتعلّم والتدرُّب على أيدي أساتذة وعلماء من أكبر الجامعات ومراكز البحوث العالمية المتخصصة في علم الفلك. ومن أهم ما يميزها هو حرص القائمين عليها بأن يكون مستواها العلمي لا يقل عن مستوى المدارس المماثلة التي تقام في أوروبا وأميركا الشمالية كي يتمكن الطلاب من تطوير مستواهم العلمي إلى أعلى درجة ممكنة بحول الله وتوفيقه. وقد اختتمت فعاليات المدرسة العربية الشتوية الثانية للفيزياء الفلكية والتي استضافتها جامعة الأخوين بمدينة إفران بالمغرب ما بين 19 و 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، واستفاد أكثر من ثلاثين طالبا من مختلف البلدان العربية من محاضرات و تدريبات في مجالات متخصصة في الفيزياء الفلكية مثل الفيزياء الشمسية والكواكب خارج المجموعة الشمسية وتكتلات النجوم.
وأشرف على هذه المحاضرات والتدريبات مجموعة من المتخصصين من عدة جامعات ومؤسسات عربية وعالمية مثل مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية بالولايات المتحدة الأمريكية، جامعة نيس بفرنسا، جامعة لفال بكندا، جامعة تورينو بإيطاليا وجامعة نوتردام بلبنان بالإضافة إلى جامعة القاضي عياض في مراكش بالمغرب وعدة مؤسسات أكاديمية أخرى. وفي إطار التعاون بين منظمة المجتمع العلمي العربي والجمعية العربية الفلكية أمكن تلخيص وترجمة العديد من المحاضرات العلمية للمتخصصين والعامة، والتي سننشرها بإذن الله تباعاً لتعم الفائدة.
في إطار المدرسة الشتوية العربية الثانية للفيزياء الفلكية بجامعة الأخوين بمدينة إفران بالمغرب والمُنظمة من قبل الجمعية العربية الفلكية، تم تقديم العديد من المحاضرات القيمة والشاملة في مختلف مجالات علم الفلك، ونخص بالذكر الفيزياء الشمسية الحديثة المختصة بدراسة وفهم العديد من الظواهر الشمسية باستخدام التلسكوبات الحديثة والأقمار الصناعية.
كما تطرق المحاضرون إلى هذا الموضوع من الناحية النظرية والتطبيقية حتى تتضح الفكرة للطلبة المشاركين. تبادل في تقديم الفكرة كل من الدكتورة نانسي بريك هوس من مركز سميثسونيان للفيزياء الفلكية بجامعة هارفرد، حيث تحدثت عن الشمس وبنيتها الأساسية بالتفصيل باعتبارها أقرب مختبر من الأرض وهي عبارة عن كرة غازية ملتهبة يبلغ نصف قطرها 696 مليون متر وهو ما يعادل 109 ضعف قطر الأرض ودرجة حرارة سطحها حوالي 6000 درجة كلفن وكتلتها حوالي 1,988,500(1024) كيلوغرام وهو ما يعادل 333,000 ضعف كتلة الأرض ومكوناتها الأساسية هي غاز الهيدروجين 75 % وغاز الهيليوم 23 %، بالإضافة إلى كميات ضئيلة من بعض العناصر الأخرى كالحديد والسيليكون والكربون والنيتروجين والنيون والمنغنيزيوم.
كما يمكن تقسيم بنيتها إلى أربعة مجالات: المجال الداخلي، السطح الخارجي، الهالة الداخلية والهالة الخارجية. ويصطلح على هاتين الأخيرتين بالكورونا التي تعرف ارتفاعا في درجة الحرارة مقارنة مع باقي الطبقات المكونة للغلاف الجوي للشمس، الشيء الذي أدى إلى تطوير نموذج ذو كفاءة ودقة لحساب المجال المغناطيسي في الكورونا على أساس البيانات التي لدينا عن السطح وعلى المعادلات التي تحكم حركة الإكليل أو الكورونا المنخفضة فوق مناطق النشاط الشمسي.
في الصورة: المنطقة الإشعاعية للشمس هي قسم من المناطق الداخلية الشمسية بين مركز ومنطقة الحمل الحراري الخارجي. في المنطقة الإشعاعية، الطاقة تنتج عن طريق الانصهار النووي في المركز وتتحرك إلى الخارج كإشعاع كهرومغناطيسي. وبعبارة أخرى، فإن الطاقة تنقلها الفوتونات. في منطقة الحمل الحراري، يتم نقل الحرارة والطاقة إلى الخارج مع المادة في تدفقات دوّامة تسمى خلايا الحمل الحراري. هذه الحركة تشبه تدفقات الماء المضطربة في وعاء من الماء المغلي.
من بين المحاضرين في هذا المجال، الباحث رائد محمد سليمان الذي يعمل بمركز هارفرد سميثونيان للفيزياء الفلكية بالولايات المتحدة الأمريكية حيث شرح تأثير الرياح الشمسية والانبعاثات الكُتلية الاكليلية على اغلفة كواكب المجموعة الشمسية وخصوصاً الغلاف الجوي للأرض باستخدام التلسكوبات المخصصة مثل تلسكوب سوهو.
وسوهو هو مرصد فضائي لدراسة الشمس والغلاف الكروي للشمس بشراكة بين وكالة إيسا ووكالة ناسا، تم إطلاقه بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 1995، كما تطرق إلى مختلف الأجهزة العلمية المثبتة عليه وكيفية اشتغالها ونوعية المعطيات التي توفرها للباحثين والمهتمين بهذا المجال. وكذلك مرصد ستيريو المتخصص لرصد العلاقات الأرضية الشمسية وهو المهمة الثالثة في برنامج تحقيقات الأرض الشمسية ضمن برنامج تحقيقات الأرض الشمسية (ستب) التابع لناسا.
أطلق مرصد ستيريو في شهر أكتوبر/تشرين الأول لعام 2006، وقد ساهم بشكل كبير في تقديم مشاهد استثنائية للنظام الشمسي الأرضي. وتتكون البعثة من مرصديْن متطابقيْن تقريباً، يكون أحدهما موجهاً للأرض في مداره بينما يكون الآخر وراءه، ويعمل كلٌّ واحد منهما على تتبع ورصد تدفق الطاقة والمواد من الشمس إلى الأرض بواسطة عدة أجهزة مثبتة على هذه التلسكوبات.
الصورة لأحد المرصدين ستيريو الذين هما متطابقان تقريبا مع تكرار الانتقائي. وفي الصورة اجهزة الرصد والألواح الشمسية. المرصدان يعملان بالطاقة الشمسية مع 3 محاور تثبيت، فقد كان عند إطلاقهما لكل منهما كتلة تبلغ حوالي 620 كيلوغراما، بما في ذلك الوقود الدفعي.
على الرغم من أن البنية الداخلية للنواة الشمسية مخفية من الرصد المباشر، يمكن للمرء أن يخلص، من استخدام نماذج مختلفة، أن درجة الحرارة القصوى داخل نجمنا حوالي 16 مليون درجة مئوية. إن درجة الحرارة – السطح المرئي للشمس – تبلغ درجة حرارتها حوالي 6000 درجة مئوية. ومع ذلك، تزداد درجة الحرارة بشكل حاد جدا من 6000 درجة إلى بضعة ملايين درجة في الإكليل، في المنطقة التي تبعد 500 كيلومتر فوق الغلاف الضوئي.
الهالة هي المنطقة فوق السطح مباشرة. في حين أن حرارة السطح تبلغ حوالي6000 درجة مئوية، ودرجة الحرارة في الإكليل تصل إلى حوالي مليوني درجة مئوية. أما سبب هذه الزيادة السريعة في درجة الحرارة فإنه لا يزال واحداً من الأسرار الكبيرة في الفيزياء الشمسية.
ولأن الهالة الشمسية حارة جدا، ولديها كثافة منخفضة جدا، فإنه لا يلزم سوى جزءٍ صغير من الإشعاع الشمسي الكلي لإعطاء طاقة الإكليل. الطاقة الكلية المنبعثة خلال الأشعة السينية ليست سوى حوالي جزءٍ من مليون من مجموع ضوء الشمس، لذلك هناك ما يكفي من الطاقة في الشمس لتسخين الإكليل. ولكن السؤال المهم هو كيف يتم نقل الطاقة حتى الإكليل، وما هي الآلية المسؤولة عن النقل.
إن انبعاثات الكتلة الإكليلية (سي أم إي)(CME) هو إطلاقٌ كبير من البلازما والمجال المغنطيسي من الإكليل الشمسي. وغالبا ما يتبعه التوهجات الشمسية وعادة ما تكون موجودةً أثناء اندلاع بروز الشمس. يتم إطلاق البلازما في الرياح الشمسية، ويمكن ملاحظتها في صور كوروناغراف. وكثيرا ما ترتبط الانبعاثات الكتلية الإكليلية بأشكال أخرى من النشاط الشمسي، ولكن لم يتم التوصل إلى فهم نظري مقبول على نطاق واسع لها. وكثيرا ما تنشأ هذه الـ سي أم إي من مناطق نشطة على سطح الشمس، مثل تجمعات البقع الشمسية المرتبطة بالتوهجات المتكررة. وللشمس دورة تكرر كل 22 سنة، فكل 11 سنة تكون الشمس في نشاط ضعيف وخلال الـ 11 سنة التي تليها تكون في نشاط كبير (الشمس القصوى). خلال دورة الشمس القصوى تُخرج الشمس حوالي ثلاثة سي أم اي في كل يوم، في حين أنه خلال الحد الأدنى للدورة الشمسية، هناك حوالي سي أم إي واحدة كل خمسة أيام.
الإنبعاثات الكُلتلية من الهالة الشمسية رُصدت من قِبل المرصد الفضائي سوهو والذي يوجد في نقطة لاغرانين 1 (ال1) طرد الكتلة الاكليلية في 27 فبراير 2000 التي اتخذتها سوهو لاسكو سي 2 و سي 3. إنبعاثات الـ سي أم إي تبث في الفضاء مليار طن من الجُسيمات بسرعة ملايين الأميال في الساعة. الغلاف الجوي الشمسي الخارجي، الإكليل، منظم بواسطة مجالات مغناطيسية قوية. وحيثما تكون هذه المجالات المعناطيسية مغلقة، وبالعادة تكون فوق مجموعات البقع الشمسية، يمكن للأجواء الشمسية المحصورة أن تُخرج فجأة وبعنف فقاعات من الغاز والمجالات المغنطيسية تسمى انبعاثات الهالة الشمسية الكُتلية. يمكن أن تحتوي سي أم إي كبيرة على مليار طن من المواد التي يمكن تسريعها إلى عدة ملايين ميل في الساعة في انفجار مذهل. وتتدفق المواد الشمسية من خلال الوسيط بين الكواكب، مما يؤثر على أي كوكب أو مركبة فضائية في طريقها. ويرتبط أحيانا سي أم إي مع توهجات شمسية ولكن يمكن أن تحدث بشكل مستقل.
كما بين الأستاذ رائد محمد سليمان مصادر المُعطيات التي توفرها مجموعة من التلسكوبات الفضائية لدراسة الفيزياء الشمسية للعموم بعد وقت محدد، حيث يمكن للطلبة الاشتغال عليها من جديد للوصول إلى النتيجة العلمية المطلوبة. ومن بين المحاضرين ايضا في هذا الموضوع الدكتور سيلفيو، استاذ بجامعة تورينو بإيطاليا، حيث تطرق إلى الجانب التطبيقي والذي تناول فيه كيفية معالجة وتحليل المُعطيات بواسطة برنامج أي دي أل وهو أحد لغات البرمجة الأكثر استعمالاً.
قدَّم كل من الاستاذين رائد وسيلفيو طريقة تنزيل هذا البرنامج على الحاسوب وكيفية الحصول على المعطيات من مختلف المواقع الإلكترونية. في الختام تركت المدرسة انطباعاً جيداً لدى الطلبة المشاركين من مختلف الدول العربية خصوصاً وان المحاضرين ذوو كفاءات عالية في علوم الفلك على الصعيد العربي وكذلك على الصعيد العالمي بحيث فتحت هذه المدرسة للطلبة آفاقا في البحث العلمي الفلكي.
نتمنى للمدرسة مزيداً من العطاء آملين بذلك بغدٍ أكثر إشراقا للوطن العربي.