مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

NULL

تجنب الكحول نهائيا!

الكاتب

الكاتب: د. طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد بكليتي العلوم والآداب - جامعة الباحة

الوقت

12:39 صباحًا

تاريخ النشر

14, يناير 2018

المشروبات الكحولية تتلف الحِمض النووي وتزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان

أكدت دراسةٌ نُشِرت مؤخرًا في دورية "نيتشر" العلمية التأثير الضار للكحول على الخلايا الجِذعية والحِمض النووي، وأظهرت بشكل واضح العلاقة بين تناول المشروبات الكحولية والسرطان. وأظهرت الدراسة أن الكحول يسبب السرطان عن طريق التسبب في إنتاج مواد كيماوية ضارة بالجسم، وأهمها الأسيتالديهايد (وهي مادة كيماوية ضارة يفرزها الجسم عندما يهضم المواد الكحولية) التي يمكن أن تؤدي إلى إلحاق ضرر دائم بالحِمض النووي للخلايا الجِذعية لا يمكن إصلاحه، وتهدد مخزون الجسم الإحتياطي من هذه الخلايا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث طفرات تزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان.

وقدمت النتائج التي توصل إليها الباحثون المزيد من التفاصيل عن كيف يزيد احتساء الخمور فرص الإصابة بسبعة أنواع من السرطان ومنها الأنواع الشائعة مثل سرطان الثدي وسرطان الأمعاء، وكيف يُحدِث الكحول الخلل الجيني، وأظهرت كذلك كيف يسعى الجسم إلى مقاومة الضرر الذي تُحدِثه الخمور. وأظهرت النتائج أيضًا أن بعض السرطانات تتطور بسبب تلف الحِمض النووي في الخلايا الجِذعية. وفي حين ان بعض الاضرار تحدث عن طريق الصدفة، إلا أن نتائج الدراسة تشير إلى أن شرب الكحول يمكن أن يزيد من خطر هذا الضرر الدائم للخلايا.

وفقا للبحث الذي مَوَّلته هيئة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة وويلكوم ومجلس البحوث الطبية ونُشِر في مجلة نيتشر يوم 3 يناير 2018م، فإن هناك منتجاً ثانوياً ناتج من استهلاك الكحول، وهو مستقلب الكحول المعروف باسم الأسيتالديهيد، يسبب طفرات في الحِمض النووي في خلايا الدم الجِذعية للفأر، كما يسبب بعض الكسور المزدوجة في الحِمض النووي للخلايا الجِذعية لدم الفأر، لا يتم إصلاحها.

ويؤدي الأسيتالديهيد الذي يتراكم بشكل طبيعي عند تعاطي مستويات منخفضة من الكحول إلى كسور لا يتم إصلاح الكثير منها، مما تؤدي إلى عمليات حذف وراثية كبيرة وأعاده ترتيب الكروموسومات، وفي النهاية تحدث طفرات، وهي تغييرات في الشفرة الوراثية، يتم تمريرها في النهاية إلى الخلايا البنيوية التي تشكل خلايا الدم.

كيف يزيد شرب الكحول من إحداث السرطان

بحثت الكثير من الدراسات السابقة في الآليات الدقيقة التي يُحدِث بها الكحول السرطان في الخلايا المنزرعة. ولكن في هذه الدراسة، استخدم الباحثون الفئران لإظهار كيف يؤدي التعرض للكحول إلى أضرار جينية وراثية دائمة. وقد فسر الباحثون في هذه الدراسة كيف يضر الكحول الحِمض النووي في الخلايا الجِذعية، مما يساعد على تفسير لماذا يزيد تناول المشروبات الكحولية من خطر الإصابة بالسرطان.

واعطى العلماء في مختبر البيولوجيا الجزيئية، كامبريدج، الكحول المخفف، المعروف كيميائيا باسم "الايثانول"، للفئران. ثم استخدموا تحليل الكروموسومات وتسلسل الحِمض النووي لفحص الاضرار الوراثية الناجمة عن الأسيتالديهيد Acetaldehyde، وهي مادة كيميائية ضارة تنتج عندما يعالج الجسم الكحول. ووجد الباحثون أن الأسيتالديهيد يمكن أن يكسر ويتلف الحِمض النووي داخل الخلايا الجِذعية للدم مما يؤدي إلى إعادة ترتيب الكروموسومات وتغيير تسلسل الحِمض النووي بشكل دائم داخل هذه الخلايا.

ومن المهم أن نفهم كيفية تلف الحِمض النووي داخل الخلايا الجِذعية لأنه عندما تصبح الخلايا الجِذعية معيبة وراثيًا، فإنها يمكن أن تؤدي إلى السرطان. وبالتالي فإن هذه النتائج الجديدة تساعدنا على فهم كيف يزيد شرب الكحول من خطر تطوير 7 أنواع من السرطان.

بحثت الدراسة كيف يحاول الجسم حماية نفسه من الأضرار الناجمة عن الكحول. وظهر أن خط الدفاع الأول هو عائلة من الإنزيمات تسمى عائلة إنزيم نازع للهيدروجين من الألدهيد (ALDH). وهو انزيم معروف بإسم "الديهيدروجينيز 2 " يقوم بنزع ذرات الهيدروجين من المادة المتفاعلة (الركيزة)، ويعتمد في عمله على نقل ذرة هيدروجين او أكثر إلى مستقبل إلكتروني. ويكسر هذا الانزيم الأسيتالديهيدات الضارة إلى خلات، وهي مادة يمكن ان تستخدمها خلايانا الحية كمصدر للطاقة.

في هذه الدراسة، عندما تناولت الفئران التي تفتقر إلى انزيم نازع للهيدروجين من الألدهيد  ALDH2، أدى ذلك إلى ضرر بالحِمض النووي يقدر بأربع أضعاف الضرر في خلاياها مقارنة بالفئران التي لديها انزيمات ALDH2 تعمل بكفاءة كاملة.

خط الدفاع الثاني الذي تستخدمه الخلايا هو مجموعة متنوعة من أنظمة إصلاح الحِمض النووي التي تسمح، في معظم الأحيان، بإصلاح وعكس أنواع مختلفة من تلف الحِمض النووي. ولكنها لا تعمل دائمًا بشكل صحيح، وهناك بعض البشر يحملون طفرات وراثية مما يعني أن خلاياهم غير قادرة على القيام بهذه الإصلاحات على نحو فعال. درس العلماء هذه المخاطر التي يتسبب فيها الكحول على الخلايا الجِذعية الجنينية، التي يمكنها أن تكون جميع خلايا الكائن الحي، وأُتيح للعلماء أن يبطلوا جينات محددة في الفئران المعروفة بـ"الفئران معطلة الجينات" (Knockout mice) التي تُستخدم اليوم على نطاق واسع لدراسة وظائف الجينات.

إذا كانت النتائج الجديدة صحيحة عند تطبيقها على البشر، فمن الممكن أن يكونوا أكثر عرضة للتأثر بالكحول وللضرر الناجم منه بعد استهلاك الكحول أربع مرات أكثر من البشر العاديين الذين لديهم مجموعة صحيحة، وفعالة من هذه الإنزيمات، وفقا للدراسة. فمن المعروف أن هناك الملايين من البشر في جميع انحاء العالم، ولا سيما من جنوب شرق آسيا، إما انهم يفتقرون إلى هذه الإنزيمات أو يحملون نسخًا خاطئة منها. لذلك، عندما يتعاطون الكحول، يتراكم الأسيتالديهيد في خلاياهم، مما يسبب احتقان البشرة وتكون شديدة الاحمرار، ويؤدي أيضا إلى شعورهم بالتوعك. ومن المعروف أن هؤلاء البشر لديهم خطر متزايد للإصابة بسرطان المريء، وقد يكونوا أيضا أكثر عرضة لسرطان الدم.

وتُلقي الدراسة الضَّوء أيضًا على أن عدم القدرة على معالجة الكحول بشكل فعال يمكن أن يؤدي إلى خطر أعلى من تلف الحِمض النووي المرتبط بالكحول، وبالتالي بعض أنواع السرطان. ولكن من المهم أن نتذكر أن إزالة الكحول ونظم إصلاح الحِمض النووي ليست مثالية دائمًا، والكحول لا يزال يمكن ان يسبب السرطان بطرق مختلفة، حتى في البشر الذين لديهم آليات دفاع سليمة.

مسجل خطر

تصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية المشروبات الكحولية باعتبارها من الفئة الأولى المسببة للسرطان، مشيرة إلى أن هناك "أدلة مقنعة" على أنها تسبب السرطان للإنسان. وكانت دراسة نشرت في 2011 قد أظهرت أن الكحولياتِ مسؤولة عن نحو أربعة في المائة من حالات السرطان في بريطانيا؛ وهو ما يعادل نحو 12800 حالة إصابة بالسرطان في المملكة المتحدة كل عام. ومن المعروف أن الكحول يسبب سبعة أنواع من السرطان: الفم، الحلق العلوي، الحنجرة، المريء، الثدي، الكبد والأمعاء. وعلى الرغم من أن الكحول لا يسبب سرطان الدم، ولكن دراسة الخلايا الجِذعية توفر وسيلة قيمة للعلماء للتحقيق فيما يحدث داخل الحِمض النووي.

وفي الدراسة الأخيرة المنشورة في دورية "نيتشر" أعطى الفريق البحثي خمورا مخففة للفئران ثم فحصوا أثرها على الحِمض النووي ووجدوا أن الأسيتالديهايد يمكنه أن يلحق الضرر بالحِمض النووي داخل الخلايا الجِذعية بالدم ويغير بشكل دائم تسلسل الحِمض النووي في هذه الخلايا.

تعليقات علمية

ونقلت وكالة «رويترز» عن كيتان باتل، الباحث المشارك، الأستاذ بمختبر مجلس الأبحاث الطبية للبيولوجيا الجزيئية في مجلس البحوث الطبية، والذي شارك في الإشراف على الدراسة أن: "بعض أنواع السرطان تنتج عن خلل في الحِمض النووي للخلايا الجِذعية. وبعض الأضرار تحدث بالصدفة إلا أن نتائجنا تشير إلى أن تناول الخمور يمكن أن يزيد من هذه الأضرار".

وقال البروفيسور باتل: "كيف يسبب الكحول بالضبط ضررا لنا أمرٌ مثيرٌ للجدل". "توفر هذه الورقة أدله قويه جدا على ان استقلاب الكحول يسبب تلف الحِمض النووي بما في ذلك الخلايا الجِذعية البالغة الاهمية التي تذهب لصنع الانسجة". وأضاف: "عندما يتم شرب الكحول فإن الجسم يحللها ويحولها إلى طاقة تتراكم على شكل سم يهاجم الحِمض النووي بطريقة شرسة، ويدمر المعطيات الجينية التي تمثل المكون الأساسي للحياة".

وأشار إلى وجود تغييرات في الكروموسومات الموجودة في الدم الذي تم إنتاجه من تلك الخلايا، وهو أمر مهم لأن هذه الكروموسومات هي السبب الرئيسي في أن "تشيخ" الخلايا أو أن تتحول إلى خلايا سرطانية.  وأضاف باتل: "عندما تخلصنا من ذلك الإنزيم في الفئران، فإن نسبة صغيرة من الكحول كانت قادرة على إحداث دمار كبير في الخلايا المنتجة للدم".

وقالت البروفيسورة ليندا باولد، خبير أبحاث السرطان في المملكة المتحدة في مجال الوقاية من السرطان: "إن هذا البحث المحفز للفكر يسلط الضوء على الضرر الذي يمكن أن يُلحِقه الكحول بخلايانا، مما يكلف بعض الناس أكثر من مجرد دوار من أثر الخمرة (صداع الثمالة)". ويقول المسؤول بالصندوق العالمي للسرطان الدكتور راشل تومسون: "إذا كان الشخص يتناول يوميا نصف لتر من النبيذ أو كأساً كبيرة من الخمر فإن العلم أظهر أنه يزيد نسبة تعرضه لسرطان الأمعاء بنسبة 18% وسرطان الكبد بنسبة 20%".

وتقول صحيفة ديلي تلغراف إن كثيرا من الناس لا يزال يجهل حقيقة كون تناول الكحول يزيد من مخاطر التعرض للسرطان رغم الأدلة القوية على ذلك، فالخمر تزيد احتمال التعرض لسرطان الأمعاء بنسبة 18% وسرطان الكبد بنسبة 20%، فالكحول يدمر الحِمض النووي للإنسان، مما يجعله عرضة لخطر الإصابة بالسرطان.

وتؤكد صحيفة ديلي تلغراف أن سرطان الأمعاء هو ثالث أكثر السرطانات انتشاراً في البلاد حيث يتم تشخيص 36500 حالة منه سنوياً يموت من أصحابها 16 ألفا، بينما يتم تشخيص سرطان الكبد لدى 3000 بريطاني سنوياً ويموت بسببه عدد مماثل.

هذا التحذير يدحض بعض الدراسات الأخرى التي تقول إن تناول الخمر دون إسراف قد يساعد في مكافحة أمراض القلب، وأكدت هذه الدراسة أن هناك أدلة مقنعة على أن احتساء الخمور يزيد من مخاطر التعرض للإصابة بالسرطان. ونتيجة لذلك، نقلت الصحيفة عن الهيئة المموِلة للدراسة نصيحتها بـ : "تجنب الكحول نهائيا !!".

 

البريد الالكتروني للكاتب:  tkapiel@sci.cu.edu.eg 

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x