خميرة تثير الرعب في المستشفيات

الخمائر هي صنف من الفطريات تتميز بأنها أحادية الخلية، واشتهرت الخميرة في صناعة الخبز والكحول. بينما تميز بعضها في إحداث الأمراض مثل خميرة الكانديدا ألبيكانس Candida Albicans التي تحدث أنواع مختلفة من الأمراض في جميع الأعمار، والكريبتوكوكس نيوفورمانس Cryptococcus Neoformans التي تسبب التهاب السحايا لدى ذوي المناعة المنخفضة. وفي الآونة الأخيرة، بدأت حالت خطيرة ووفيات تنتج عن خميرة تم التعرف عليها باسم الكانديدا أوريس  Candida Auris.

سنستعرض هنا بعضاً من المعلومات المتوفرة عن هذا الميكروب الذي احتل عناوين الصحف، وأثار الرعب في المستشفيات بين المرضى والعاملين في المجال الصحي، وذلك بسبب قدرته على إحداث عدوى مقاومة لأنواع متعددة من المضادات الفطرية الشهيرة، التي تستخدم في علاج الأنواع الأخرى من الخمائر وتشمل كل من Fluconazole وAmphotericin B وEchinocandins.  

الكانديدا أوريس إحدى أنواع الفطريات الزقية Ascomycetous Fungus. واشتق اسمها من الكلمة اللاتينية Auris التي تعني الأذن، فقد تم عزلها ووصفها أول مرة في العام 2009، من القناة السمعية لمريضة يابانية تبلغ من العمر 70 عاماً. وتقوم الكانديدا أوريس بتكوين مستعمرات لزجة وبرّاقة، يميل لونها إلى الأبيض أو الرمادي، وتظهر تحت المجهر بشكل بيضاوي. تعد من أنواع الكانديدا القليلة التي تستطيع أن تتسبب بداء المبيضات Candidiasis لدى البشر، وعادة ما يتم اكتساب المرض في المستشفيات من قبل الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة. يمكن للكانديدا أوريس أن تتسبب بداء المبيضات الغازي Invasive، الذي يغزو مجرى الدم، والجهاز العصبي المركزي، والكلى، والكبد، والعظام، والعضلات، والمفاصل، والطحال، وحتى العينين.

تستطيع الكانديدا أوريس أن تبقى حيّة ملتصقة بالأشياء، مثل الأسرّة، الكراسي، القسطرة، وغيرها من المعدات الطبية، وكذلك على أيدي مقدمي الرعاية الصحية، لمدة قد تصل إلى عدة شهور، وبالتالي يمكن أن تنتقل العدوى بين الأشخاص عبر الجروح المفتوحة أو بعد تعرضهم للأسطح الملوثة. تصل معدلات الوفيات بسبب الإصابة بالكانديدا أوريس إلى 60%، وقد ترتفع إلى 70%، لدى المرضى الذين يعانون من التهاب في مجرى الدم. ويعزى سبب هذه المعدلات العالية إلى مجموعة من العوامل، منها حدة المرض لدى هؤلاء الأشخاص، وصعوبة تشخيص الإصابة بالكانديدا أوريس، وهذا التأخر في التشخيص يترتب عليه التأخر في بدء العلاج الفعال. وعلى الرغم من أن التعبير الجيني لعوامل الضراوة لدى الكانديدا أوريس ضعيف جداً مقارنة بالكانديدا ألبيكانس Candida Albicans، إلا أن الوفيات الناجمة قد ترجع إلى مقاومة الكانديدا أوريس للعديد من مضادات الفطريات، على عكس الكانديدا ألبيكانس التي ما زالت حساسة للعديد منها.

الأعراض وعوامل الخطر

قد لا تكون أعراض الإصابة بالكانديدا أوريس ملحوظة في كثير من الأحيان، وذلك لأن غالبية المصابين يكونون أشخاصاً مقيمين في المستشفيات، ويعانون بالفعل من أمراض أخرى، كما وتختلف الأعراض باختلاف العضو المتضرر، لكنها تشمل: الحمى، والقشعريرة، وتسمم الدم، واستجابة ضعيفة (أو قد تكون معدومة لمضادات الفطريات التقليدية)، والغيبوبة، وفشل العضو، وحتى الموت. وتشمل عوامل الخطر للعدوى بالكانديدا أوريس: العمليات الجراحية الحديثة، والسكري، واستخدام المضادات الحيوية ومضادات الفطريات واسعة الطيف، واستخدام القسطرة الوريدية وقسطرة المثانة، واستخدام أنابيب التغذية وأنابيب التنفس، والمكوث لفترات طويلة في المستشفيات أو في دور رعاية المسنين، وإضافة لذلك ضعف جهاز المناعة.

وبائية الخميرة

تم الإبلاغ عن الحالات الثلاث الأولى من الكانديدا أوريس المسببة للمرض عام 2011 في كوريا الجنوبية، فقد تم الحصول على عزلتين خلال دراسة تم إجراؤها عام 2009، أما العزلة الثالثة فقد تم اكتشافها في عينة مخزنة من عام 1996. وتجدر الإشارة إلى أنه في البداية قد حدث لبس في تشخيص العزلات، فقد شُخصت على أنها Candida Haemulonii وRhodotorula Glutinis، ومن هنا تتجلى أهمية التشخيص الدقيق للأنواع، وبالتالي تحديد أنواع مضادات الفطريات المناسبة لعلاجها.

وخلال الفترة من 2009 إلى 2011، تم الحصول على 12 عزلة من مستشفيَين في الهند. ومن ثم انتشر الفطر إلى قارات أخرى، وفي أوائل عام 2016، تم اكتشاف سلالة مقاومة للعديد من العقاقير في بلدان جنوب شرق آسيا. وكان التقرير لأولى حالات تفشي الكانديدا أوريس في أوروبا، في شهر أكتوبر لعام 2016، في مستشفى رويال برومبتون-لندن. ومنذ شهر مايو لعام 2017، أبلغ مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن 77 حالة في الولايات المتحدة الأمريكية، 69 منها قد تم جمعها من ولايتي نيويورك و نيوجيرسي.

التشخيص

تستخدم بعض الطرق التقليدية للتشخيص الخميرة. ولكن، قد يلتبس تعريف الكانديدا أوريس بأنواع الكانديدا الأخرى. يمكن أن تتم زراعة الكانديدا أوريس ومحاولة تعريفها اعتماداً على شكل ولون مستعمراتها، فهي تنمو بصورة جيدة على الأوساط الزراعية الملونة Chrom Agar، على درجات حرارة تتراوح بين 40-42 مئوية، ولكن حتى هذه الطريقة غير مضمونة، فبعض مستعمراتها يصعب تفريقها عن مستعمرات C. glabrata. كما يمكن اللجوء لبعض الطرق الجزيئية أو الأجهزة التشخيصية المرتكزة على تقنية الـ MALDI-TOF.

العلاج

تستخدم إحدى أنواع مضادات الفطريات والمعروفة بـ Echinocandins لعلاج معظم حالات الإصابة بالكانديدا أوريس، ولكن، بسبب مقاومتها لجميع الفئات الرئيسية الثلاث من الأدوية المضادة للفطريات، جعل من إمكانية علاجها أمراً صعباً. ولهذا، يستوجب أن يتم استخدام أنواع متعددة من مضادات الفطريات، وبجرعات عالية لعلاج العدوى. كما ينبغي اتخاذ قرارات العلاج بالتشاور مع مقدمي الرعاية الصحية، أصحاب الخبرة في علاج المرضى الذين يعانون من الالتهابات الفطرية.

الوقاية

وتكون على الشكل التالي:

• يوصى بالالتزام بالتنظيف والتطهير اليومي لغرف المرضى، وكذلك تطهير المعدات المشتركة مثل أجهزة التنفس الصناعي ومعدات العلاج الطبيعي وغيرها قبل أن يقوم مريض آخر باستخدامها.
• على مقدمي الرعاية الصحية، بما في ذلك الممرضين والأطباء، غسل أيديهم بشكل صحيح، والحرص على لبس القفازات قبل دخول الغرفة، وبعد معالجة جرح المريض، أو التعامل مع الدم وسوائل الجسم.
• يُنصح الزائرون بضرورة غسل أيديهم جيداً قبل وبعد زيارة المرضى في المستشفيات او دور المسنين، وتجنب ملامسة الأسطح المحتمل تلوثها.

المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة

البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com